بعد قيام مجلس النواب الأميركي بإلغاء قانون قيصر المفروض على سوريا منذ العام 2019 ضمن مشروع إقرار قانون "موازنة الدفاع الوطني" لعام 2026، تكون سوريا قد تجاوزت مرحلة صعبة من تاريخها مع الولايات المتحدة وبدأت بفتح صفحة جديدة تنقلها من مرحلة العداء إلى مرحلة الشراكة، وهنا لا بد من طرح سؤال جوهري، هل يمكن أن تكون سوريا على علاقة جيدة مع الولايات المتحدة وبالوقت نفسه في حالة عداء مع إسرائيل؟! لا بل إن تل أبيب تسعى لفرض شروطها على سوريا من موقع التفوق العسكري وترفض العودة لاتفاق الهدنة الموقع بين البلدين في العام 1974 وتصر على إقامة منطقة عازلة تمتد من دمشق حتى جبل الشيخ تشمل الجنوب السوري برمته، بحسب ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قبل أيام، إضافة إلى تصريحاته المستمرة عن فتح ممر يمتد من الجولان السوري إلى السويداء وإنه لن يتخلى عن "الدروز" في سوريا، ما يعني أن ذريعة التدخل الإسرائيلي في الجنوب السوري جاهزة!
صحيفة "وول ستريت جورنال" توقفت عند الخلافات بين نتانياهو وترامب بشأن سوريا ما يفرض علينا سؤالا كبيرا آخر.. هل يمكن أن تبقى الولايات المتحدة في موقع الحليف لكل من سوريا وإسرائيل وهما في حالة عداء دائمة؟
يرى البعض أن اعتراف الرئيس الأميركي ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان في العام 2019 وإقراره مرسوما أن الجولان أرض إسرائيلية وجزءاً من دولة إسرائيل، يعد مخالفاً لكل القوانين والقرارات الدولية، ما يعني أنه أعطى إسرائيل ما لم يعطه لها أي رئيس أميركي سابق! والسؤال الآن: هل هذا ما يجعل ترامب يتكلم مع نتانياهو من موقع المتفضل عليه وأنّ على نتانياهو العودة لاتفاق 1974 واحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها - من دون الجولان طبعا - لتستطيع الشركات الأميركية والعالمية القدوم إلى سوريا والبدء بالاستثمار وإعادة الإعمار؟! حتى أن وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو أكد في منشور له على منصة "اكس" بمناسبة الذكرى الأولى لسقوط النظام السابق على دعم الولايات المتحدة "لسوريا سلمية ومزدهرة، شاملة للأقليات، وتعيش في سلام مع جميع جيرانها".ضغوط أميركية كبيرة
يرى مراقبون أن ثمة ضغوطاً أميركية كبيرة على إسرائيل لوقف التصعيد مع سوريا والعودة لاتفاق 1974 أو العمل على اتفاق جديد يحفظ الأمن للطرفين وهذا ما ترى فيه الولايات المتحدة مصلحة للمنطقة برمتها، ما يجعل سوريا بلداً خصباً للاستثمار من قبل شركات النفط والغاز في الولايات المتحدة.
أما الاتحاد الأوروبي فيرى أن استقرار سوريا سيوقف الهجرة غير الشرعية، ويؤدي في النهاية إلى عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إضافة إلى الاستثمارات التي قد تحصل عليها الدول الأوربية في قطاعات مختلفة.
في حين ترى الدول العربية ودول الجوار أن في استقرار سوريا استقرارا لها حيث سيؤدي ذلك لوقف تدفق المخدرات وتمدد الإرهاب، وهو ما تسعى إليه دول المنطقة بما فيها تركيا التي ترى أن أمن سوريا من أمنها القومي، وأن سوريا هي الممر الرئيس لمنتجاتها إلى دول الخليج العربي، وهذا ما جعل كلاً من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب إردوغان يطلبان من الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا وفي مقدمها قانون قيصر.
ولكن هل إلغاء قانون قيصر ووقوف الولايات المتحدة بقوة إلى جانب سوريا سيُغير من طريقة تعاطي نتانياهو وإسرائيل مع سوريا، خصوصا أنه يقول إن الجيش السوري يحمل عقيدة "حماس" نفسها وإن إسرائيل قد تتعرض لـ7 أكتوبر جديد يكون مصدره الحدود السورية وتقف خلفه كل من سوريا وتركيا؟!.. الإجابة تكمن في نتائج لقاء نتانياهو-ترامب في واشنطن أواخر الشهر الحالي، عندما سيتمكن أحدهما من إقناع الآخر بوجهة نظره، فإما تذهب سوريا إلى حالة سلام دائم مع إسرائيل وربما تنضم لاتفاقيات إبراهيم عندما يتم حل موضوع الجولان، وإما إلى حالة حرب وعدم استقرار كما يريد نتانياهو من خلال إصراره على تحقيق شروط تعجيزية كممر إلى السويداء وإقامة منطقة عازلة جنوب سوريا تمتد من دمشق إلى حدود الجولان السوري، وانتصار أحد المشروعين سيقرر مستقبل سوريا.۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
