مع التطوّر المتسارع للذكاء الاصطناعي، يبدو الرهان على مستقبله خطوة تحمل قدراً من الإثارة والمخاطرة في آن واحد. فالتأثير المتعاظم للتقنية على المحافظ الاستثمارية والاقتصاد والحياة اليومية يتسع يوماً بعد يوم. شركات التكنولوجيا العملاقة التي تقود موجة الذكاء الاصطناعي باتت تشكّل نحو 36% من مؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، فيما تستحوذ «إنفيديا» وحدها على ما يقرب من 8%.

كما أن التدفقات الضخمة من الاستثمارات نحو مراكز البيانات أصبحت محركاً مهماً للنمو في الاقتصاد الأميركي. وفي المقابل، يقلّص الذكاء الاصطناعي الوظائف للمستوى المبتدئ ويثير المخاوف المتعلقة بالطلب المتزايد على الكهرباء والمياه في المناطق القريبة من مواقع هذه المراكز.

الذهب والذكاء الاصطناعي بسيطران على 2025 فماذا عن 2026؟

كيف تستثمر في الذكاء الاصطناعي اليوم؟

مع تسارع وتيرة التطوّر، تزداد الحاجة إلى خبرة عميقة لتقييم أثر الذكاء الاصطناعي المستقبلي، وكيفية تحويله إلى أرباح استثمارية. ولهذا الغرض، استطلعت «بلومبرغ» آراء أبرز الخبراء في هذا المجال: كاثي وود من «آرك إنفست»، وديني فيش من «جانوس هندرسون»، وتاوشا وانغ من «فيديلتي إنترناشونال».

ويرى هؤلاء فرصاً واسعة، من استخدام الذكاء الاصطناعي في تحديد الطفرات الجينية وتطوير العلاجات، إلى تعزيز سلامة وكفاءة الروبوتاكسي، وصولاً إلى توظيف الذكاء الاصطناعي في تسعير التأمين، وبرامج الضرائب، وغيرها. كما أشاروا إلى أثر محتمل للذكاء الاصطناعي على التضخم، والدعوة للنظر إلى النحاس كوسيلة تحوّط ضد ارتفاع الأسعار الناتج من الاستثمارات الضخمة في مراكز البيانات.

أما على المستوى الشخصي، فقد ذكر الخبراء طرقاً يستخدمون فيها الذكاء الاصطناعي في حياتهم اليومية، من مراجعة أساسيات الرياضيات لمساعدة الأبناء، إلى ابتكار قصص حول الحيوانات الأليفة، وحتى استيعاب الموسيقى الكلاسيكية على نحو أعمق.

الرهان على الروبوتاكسي

تقول كاثي وود، الرئيسة التنفيذية لـ«آرك إنفست» إن ما تصفه بـ«الذكاء الاصطناعي المُتجسّد» أي الذكاء الاصطناعي المدمج في أجهزة مادية سيكون له التأثير الأكبر في قطاع النقل، خصوصاً الروبوتاكسي. وترى أن سوق سيارات الأجرة الذاتية القيادة عالمياً قد يصل إلى ما بين 8 و10 تريليونات دولار خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. وتضيف أن «تسلا» في موقع متقدّم، وأن 90% من السعر المستهدف لسهمها عند 2,600 دولار خلال أربع سنوات سيأتي من الروبوتاكسي، فيما لا يشمل هذا التقدير الروبوتات البشرية التي تمثل بدورها فرصة ضخمة.

وفي الرعاية الصحية، تشير وود إلى تقدّم كبير في تقنيات تسلسل الجينات، وخصوصاً «تَسْليكْوِن سيل سنغل» Single-cell sequencing، ما يفتح آفاقاً مهمة في تشخيص السرطان وتطوير العلاج. وهي تفضّل الاستثمار في شركة «تين إكس جينوميكس» وفي «تِمبِس إيه آي» Tempus AI.

هل يكون عام 2027 بداية انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي؟

الاستراتيجية

المنافسة بين الشركات الأميركية لا تزال مفتوحة، فـ«وايمو» من «غوغل» تعمل تجارياً منذ 2018 ولكن بوتيرة بطيئة. غير أن دخول «تِسلا» إلى سوق أوستن في يونيو الماضي سرّع المنافسة. وتراهن وود على قاعدة البيانات الضخمة التي تمتلكها «تسلا» عبر سبعة ملايين سيارة تجمع البيانات باستمرار حول سيناريوهات الحوادث وحالات الفصل الاستثنائية، وهي ترى أن هذا العامل سيحسم المنافسة في سوق يميل إلى نموذج «الرابح الأكبر».

أما في الصين، فشركات مثل «بوني إيه آي» و«وي رايد» و«بايدو» تعمل في المجال، ولكن انخفاض تكلفة العمالة هناك يجعل إدخال «الروبو تاكسي» تحدّياً سياسياً لأن أسعارها قد تقلّص دخل سائقي التاكسي. لذا تبحث الشركات الصينية عن فرص خارجية، حيث ترتفع أسعار العمالة.

وفي قطاع الرعاية الصحية، تؤكد وود أن «تين إكس جينوميكس» و«تِمبِس إيه آي» إحدى أكبر 10 استثمارات لديها قد تصبحان من أبرز أعمدة البيانات الصحية في الولايات المتحدة.

«مايكروسوفت» تستثمر 23 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي

الصورة الأكبر

ترى وود أن السوق الحالية ليست فقاعة، بل «جدار قلق» يحيط بالابتكار، ما يعني سوقاً صاعدة طويلة الأمد. وتشير إلى أن الذكاء الاصطناعي بات ينجز مهاماً كان يُعتقد أنها تحتاج إلى «الحوسبة الكوانتية».

تنويع واسع النطاق

ديني فيش، رئيس أبحاث التكنولوجيا في «جانوس هندرسون» يقول إن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يمر بثلاث مراحل أو «ثلاث سِلال»، وهي: الممكِّنون enablers (البنية التحتية والتقنيات الأساسية). و المعزّزون enhancers (الشركات التي تدمج الذكاء الاصطناعي في منتجاتها). والمستخدمون النهائيون end-users (الشركات التي تعتمد الذكاء الاصطناعي لرفع الكفاءة.

ويؤكد أن اتباع استراتيجية متوازنة هو الأنسب، وهو ما اعتمدوه عند إطلاق صندوق «جاي إتش إيه آي» في أغسطس الماضي.

الاستراتيجية

الأسواق الآن في «مرحلة التمكين» enablement phase بناء المراكز، تدريب النماذج، وتطوير البنية التحتية. الشركات الكبرى مثل «مايكروسوفت» و«غوغل» و«أوبِن إيه آي» تستثمر بكثافة في النماذج المتقدّمة. هذا الإنفاق الضخم يعود بالنفع على شركات الرقائق، والمسابك، ومعدات مراكز البيانات.

أما الشركات «المعزّزة»، فيحذّر فيش من أنها أكثر عرضة للمخاطر لأن الذكاء الاصطناعي بمثابة مزعزع رقمي قوي. ويضرب مثالاً بـ«أدوبي» Adobe التي انخفض مضاعف ربحيتها إلى النصف تقريباً بسبب المنافسة الجديدة. لكنه يشير أيضاً إلى فرص لشركات مثل «إنتويت» Intuit و«داتا دوغ» Datadog و«سنو فليك» Snowflake.

وفي فئة «المستخدم النهائي»، يبرز مثال «دِير» التي تعتمد الذكاء الاصطناعي في الأجهزة الزراعية رغم الدورة الاقتصادية الضعيفة، ومثال «إنتويتف سِرجِكَل» في الروبوتات الجراحية.

الرهان على النحاس

تاوشا وانغ، مدير محفظة، «فيديلِتي إنترناشنال» يدعو إلى التركيز على ثلاثة محاور، وهي: التكنولوجيا الأساسية core tech (الرقائق والبنية التحتية)، والتأثير التضخمي للإنفاق على مراكز البيانات،والدور المتنامي للصين في الثورة الحالية.

الاستراتيجية

يشير وانغ إلى أن بعض شركات الذكاء الاصطناعي تتمتع بوضع أقرب إلى الاحتكار وأن تقييماتها المرتفعة مبرّرة بنمو استثنائي في الأرباح. وتعتقد أن قطاع «الهاردوير» أكثر دفاعية من قطاع «السوفتوير» .

وترى أن الإنفاق الرأسمالي الضخم سيكون تضخمياً، وأن النحاس هو أفضل وسيلة للتحوّط، إذ يأتي الطلب عليه من التكنولوجيا ومن قطاعات النمو، بينما يتعرّض عرضه للضغط نتيجة تراجع جودة المناجم.

وترى أيضاً أن «لحظة ديب سيك» أعادت الانتباه العالمي إلى تنافسية الصين في الذكاء الاصطناعي، وأن أصولها أصبحت أداة تنويع فعّالة بسبب انخفاض الارتباط مع الأسواق الأميركية.

تؤكد وانغ أن الذكاء الاصطناعي أصبح قوة علمية وتكنولوجية واقتصادية كبرى تعيد تشكيل سوق العمل، وتدفع لإعادة النظر في مفاهيم الإنسان والوظيفة والعمل.

هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس