عبدالنبي الشعلة **
هل نحنُ أمام حرب أوهام أم أمام وجه آخر من وجوه الحروب النفسية؟ فحتى الإسرائيليين أنفسهم، بما في ذلك أكثر التيارات تطرفًا، يدركون استحالة تحقيق مقولة "إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل"، لأنَّها في جوهرها ليست إلا خُرافة توراتية أُعيد استدعاؤها واستخدامها كغطاء ديني مُؤقّت لخدمة أهداف سياسية واستيطانية بحتة.
وإذا كان الإسرائيليون قد وظّفوا هذا الشعار كسلاح في معارك الحرب النفسية بهدف إنهاك العرب وقتل إرادتهم وشلّ عزيمتهم، فإنهم- للأسف- نجحوا في ذلك أيّما نجاح. فقد تحوّل هذا الوهم إلى فكرة راسخة تتردّد في الخطاب العربي وكأنَّها حقيقة قدرية، فأصبح الخوف منها أشبه بظلّ ثقيل يسكن الوعي الجمعي، حتى صار العرب ضحايا لوهم صنعه غيرهم، لكنهم هم الذين احتضنوه وسمحوا له بأن يستقر في عقولهم ووجدانهم. وما ترتّب على ذلك من شلل نفسي وسقوط معنوي كان أحد العوامل التي مهّدت لهزائم كبرى، أبرزها الهزيمة القاسية في حرب 1967.
وهنا مكمن الخطر؛ أن يتحوَّل الوهم إلى بوصلة، والخرافة إلى حقيقة، والتهويل إلى قدر. وقد نبّه كبار الفلاسفة والحكماء إلى أنَّ الإنسان قد يصنع سجنه بنفسه حين يستسلم لفكرة لا أصل لها. قال أفلاطون: "الناس سجناء أوهامهم"، وقال الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال: "ما نصدّقه هو ما يصنع حقيقتنا". أما جورج برنارد شو فذهب أبعد حين قال: "العقل يخلق الحقيقة، حتى لو كانت وهمًا". وهكذا، كثيرًا ما تهزم الشعوب نفسها قبل أن يُهزم جيشها.
إنَّ خرافة "إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل" لم يقتنع بها مؤسسو إسرائيل الكبار أنفسهم. فحاييم وَايزمان وديفيد بن غوريون قبِلا قرار الأمم المُتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين، الذي منح اليهود 57% فقط من الأرض، ولم يُطالبا بالنيل أو الفرات.
وفي حرب عام 1956 وصلت القوات الإسرائيلية إلى ضفاف قناة السويس، أي على بُعد أقل من 150 كيلومتر من نهر النيل، لكنها انسحبت بالكامل بعد ذلك إلى حدود 1948. والشيء نفسه تكرر في حرب 1967 حين بقيت إسرائيل على الضفة الشرقية للقناة لست سنوات قبل أن تعود إلى حدودها المعترف بها بعد هزيمتها في حرب أكتوبر 1973 وبموجب اتفاقية السلام مع مصر، وهي حدود لم تشمل يومًا نهر النيل. كما اعترفت إسرائيل والتزمت دوليًا بحدودها مع الأردن في معاهدة وادي عربة عام 1995، وهو اعتراف قاطع يُسقط أي زعم إقليمي توسعي تجاه الشرق.
والأهم من ذلك أنَّ إسرائيل، بكل قوتها العسكرية والتكنولوجية ودعم الولايات المتحدة، عجزت عن السيطرة على قطاع غزة المحاصر الصغير ذي الـ2.5 مليون نسمة طوال أكثر من عامين من القتال المُستمر منذ 7 أكتوبر 2023. فكيف يمكن لدولة يقطنها 7.2 مليون يهودي فقط، ويشاركهم داخلها 2.1 مليون عربي فلسطيني، أن تسيطر على أراضٍ تمتد بين وادي النيل والفرات يسكنها أكثر من 150 مليون شخص؟
إن المنظومة الأمنية الإسرائيلية تدرك هذه الحقائق جيدًا، وهو ما.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الرؤية العمانية
