"الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الهند" تُعيد رسم ملامح الاقتصاد العُماني

الاتفاقية تُعزِّز فرص توطين الوظائف بالقطاعات الإنتاجية والخدمية

توقعات بتوفير 100 ألف فرصة عمل خلال السنوات العشر المقبلة

18.7 مليار دولار حجم التبادلات التجارية المتوقع بين عُمان والهند بغضون 5 سنوات

"الشراكة الشاملة" تضع عُمان ضمن شبكة اقتصادية صاعدة تُعيد تشكيل مسارات التجارة

"فرصة تاريخية" للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتوسيع آفاق أعمالها

الاتفاقية مع الهند خطوة في الاتجاه الصحيح نحو بناء اقتصاد مرن ومُتجدِّد

محمد بن علي بن حمد العريمي

بالنظر إلى التطورات المُتسارعة في المشهد الاقتصادي الإقليمي والدولي، تبدو اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين سلطنة عُمان وجمهورية الهند (CEPA) خطوة تحمل طابعًا استراتيجيًا واسع التأثير، ليس فقط من حيث تعزيز التبادل التجاري؛ بل من حيث إعادة صياغة الدور الاقتصادي للسلطنة على مدى السنوات المقبلة.

المؤشرات الأولية القائمة اليوم تُظهر أن التعاون بين البلدين آخذ في النمو بوتيرة ثابتة؛ حيث بلغ حجم التجارة الثنائية خلال العام المالي 2024-2025 ما يقارب 10.61 مليار دولار، وهو رقم يعكس علاقة اقتصادية راسخة قابلة للتوسع بمجرد تفعيل الاتفاقية المرتقبة. ويأتي ذلك في وقت تتطلع فيه السلطنة إلى اقتصاد أكثر تنوعًا، وأكثر قدرة على المنافسة، وأكثر انفتاحًا على الأسواق الآسيوية والعالمية.

وإذا ما نظرنا إلى طبيعة العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فإن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لعُمان يمنحها نقطة قوة محورية؛ فالموانئ العُمانية- مثل صلالة والدقم وصحار- لا تُعد بوابات بحرية عادية؛ بل منصات إقليمية ذات قدرة عالية على خدمة التجارة الدولية وربط آسيا بأفريقيا والخليج وأوروبا. وفي حال اكتملت الاتفاقية، فإنَّ هذه الموانئ لن تكون مجرد نقاط عبور للسلع العُمانية أو الهندية، وإنما محاور لوجستية تجذب الاستثمارات الصناعية والخدمية، وتدعم حركة إعادة التصدير، وتُسهم في بناء منظومة اقتصادية تُضاعف القيمة المضافة داخل السلطنة. ومن شأن هذه المنظومة أن تُعيد تشكيل قطاعات واسعة تتعلق بالنقل والتخزين والخدمات اللوجستية والصناعات التحويلية، الأمر الذي ينعكس على توسيع فرص العمل وتحسين نوعية الأنشطة الاقتصادية.

ومع أن الاتفاقية تفتح آفاقًا واسعة أمام التجارة في الاتجاهين، إلّا أن الجانب الأكثر أهمية بالنسبة للسلطنة يكمُن في تعزيز الصناعات المحلية؛ إذ تستهدف عُمان ضمن "رؤية 2040" بناءَ اقتصادٍ متنوعٍ قائمٍ على الصناعة والتكنولوجيا والخدمات المتقدمة، وليس اقتصادًا يعتمد على سلعة واحدة. ومع الحصول على نفاذ تفضيلي إلى سوق تتجاوز قوامها 1.4 مليار نسمة، فإنَّ مجالات مثل البتروكيماويات، والفولاذ، والألمنيوم، والأسمنت، والرخام، والمنتجات الزراعية، والمنتجات التقليدية العُمانية يمكن أن تشهد توسُّعًا نوعيًا في صادراتها. هذه الأسواق الضخمة لا تستوعب المنتجات فحسب؛ بل تُحفِّز أيضًا الصناعات المحلية على رفع مستويات الجودة، وتحسين سلاسل الإنتاج، وزيادة الطاقة التشغيلية، وإيجاد مساحات أكبر للشركات الصغيرة والمتوسطة التي تطمح إلى التصدير.

وتُعزِّز الاتفاقية أيضًا فرص توطين الوظائف وزيادة الطلب على الكفاءات الوطنية داخل القطاعات الإنتاجية والخدمية؛ فالتوسع الصناعي المتوقع يتطلب مهندسين، وفنيين، ومتخصصين في اللوجستيات، ومهارات متنوعة في مجالات النقل والتسويق والإدارة؛ الأمر الذي يفتح الباب أمام آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة. وبالنظر إلى معدلات النمو المحتملة بعد تفعيل الاتفاقية، فإنَّ زيادة الأنشطة الصناعية واللوجستية يمكن أن تولِّد بين 10 آلاف إلى 100 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، بحسب حجم المشاريع التي ستستغل هذه الزيادة في النشاط الاقتصادي. وهي فرص لا تُسهم فقط في تعزيز التوظيف؛ بل في رفع جودة الخبرات الوطنية، وزيادة مستوى الإنتاجية، وتحقيق استقرار اجتماعي ناتج عن فرص عمل مستدامة.

ومن زاوية مستقبلية، يمكن اعتماد سيناريوهين لتقدير أثر الاتفاقية على حجم التجارة الثنائية: الأول: سيناريو مُتحفِّظ يفترض نموًا سنويًا بمتوسط 8%، والثاني: سيناريو تفاؤلي يفترض نموًا بمتوسط 12%، وذلك مقارنة بمعدل النمو الطبيعي للتجارة الذي يدور حول 3%. وبناءً على هذه الحسابات، يمكن أن يرتفع حجم التجارة الثنائية من 10.6 مليار دولار اليوم إلى ما يقارب 15.6 مليار دولار خلال خمس سنوات في السيناريو المُتحفِّظ، وإلى ما يتجاوز 18.7 مليار دولار في السيناريو المتفائل. ومع استمرار النمو لعشر سنوات، يمكن أن يصل الحجم التجاري بين البلدين إلى نحو 23 مليار دولار في السيناريو المُتحفِّظ، فيما قد يصل إلى قرابة 33 مليار دولار في السيناريو التفاؤلي. وهذه القفزات المحتملة لا تأتي فقط من زيادة حجم المبادلات التقليدية؛ بل من توسع في الصناعات التحويلية، والاستثمار في خطوط إنتاج جديدة تستهدف السوقين معًا.

هذه الأرقام ليست مجرد تنبؤات نظرية؛ بل تعتمد على تجارب مماثلة، مثل اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمتها الهند مع دول أخرى وأدت إلى ارتفاعات ملحوظة في أحجام التجارة، وعلى بيانات فعلية تُظهر أن الصادرات غير النفطية العُمانية تنمو بالفعل بمعدلات صحية. كما إن الاستثمارات الصناعية المسجلة في السلطنة خلال 2025 تُظهر اهتمامًا غير مسبوق من مستثمرين يبحثون عن قاعدة مستقرة للإنتاج وإعادة التصدير. وهذا يعني أن الاتفاقية يمكن أن تكون المحفز النهائي الذي يطلق موجة جديدة من الاستثمارات الصناعية في عُمان، لا سيما إذا ما اقترنت بحوافز واضحة للمستثمرين وتسهيلات لوجستية وجمركية ترفع من تنافسية السلطنة.

ومن شأن هذه التحولات أن تُعيد تشكيل الاقتصاد العُماني ليصبح أكثر مرونة في مواجهة التقلبات العالمية، وأكثر قدرة على النمو الذاتي من خلال الإنتاج المحلي والصناعات الوطنية. ومع ازدياد النشاط اللوجستي، وتوسع المناطق الحرة، وتجدد الاستثمارات الصناعية، سيكون للسلطنة موقع جديد على خارطة التجارة العالمية، موقع يعكس قدرتها على استغلال مواردها الجغرافية والبشرية والاقتصادية لبناء اقتصاد متنوع ومستدام. وإذا ما تم توظيف هذه الفرص بالشكل الصحيح- عبر التخطيط، وإدارة الموارد بكفاءة، وتطوير التشريعات، وتحفيز الكفاءات الوطنية- فإن السنوات العشر المقبلة قد تشهد تحولًا جذريًا في شكل الاقتصاد العُماني وحجمه.

وبذلك تبدو اتفاقية (CEPA) أكثر من مجرد إطار للتجارة؛ بل خطوة استراتيجية نحو مستقبل اقتصادي مزدهر؛ فهي تفتح الأبواب للأسواق، وترفع من جاذبية الاستثمار، وتوسع من فرص العمل، وتدفع بالصناعات الوطنية نحو مستويات أعلى من المنافسة، وتعيد تعريف موقع عُمان على خريطة التبادل التجاري العالمي. ومع استمرار الجهود الحكومية، ودعم القطاع الخاص، وتكامل الرؤى الوطنية، يمكن أن تتحول هذه الاتفاقية إلى أحد أهم محركات النمو الاقتصادي في تاريخ السلطنة الحديث، وإلى بوابة نحو مرحلة جديدة من الاستقرار والازدهار والتنمية المتوازنة التي تتماشى مع تطلعات رؤية "عُمان 2040".

وبينما تتعمق سلطنة عُمان في توسيع شراكاتها الدولية، تمثّل اتفاقية التجارة الحرة مع الهند نقطة تحول قادرة على إطلاق موجة جديدة من النشاط الاقتصادي الذي يترابط فيه التصنيع بالتجارة، ويُكمل فيه الاستثمار اللوجستيات، ويتقاطع فيه النمو الصناعي مع توسع أسواق التصدير. والعلاقة مع الهند ليست علاقة تجارية عابرة؛ بل علاقة راسخة تستند إلى تاريخ طويل من التبادل والتداخل الاقتصادي والثقافي؛ ما يجعل الاتفاقية القادمة امتدادًا طبيعيًا لمسار مشترك يتطور باستمرار. ويُتوقَّع أن تُشكِّل الاتفاقية حافزًا لعددٍ من القطاعات التي كانت تتطلع إلى الوصول إلى أسواق أكبر، وفي مُقدمتها القطاعات الصناعية التحويلية التي تعتمد على المواد الأولية المتوفرة في السلطنة، وتستهدف خلق قيمة مُضافة قبل التصدير.

ومع تزايد الاهتمام العالمي بالاستدامة، يُمكن لعُمان أن تستفيد من الاتفاقية في تعزيز صناعات صديقة للبيئة، من خلال توجيه الاستثمارات نحو قطاعات مثل: الطاقة النظيفة، والصناعات منخفضة الانبعاثات، والمبادرات التي تُقلِّل من البصمة الكربونية؛ فالهند- باعتبارها واحدة من أكبر الاقتصادات الناشئة- تمتلك طلبًا مُتزايدًا على مواد صناعية تتوافق مع معايير الاستدامة، وهو ما يُمكن أن يفتح المجال أمام السلطنة لإعادة تموضُع منتجاتها الصناعية والزراعية كخيارٍ جذّابٍ للأسواق التي تسعى لتحقيق التوازن بين التكلفة والجودة والمعايير البيئية. كما يمكن للموانئ العُمانية- عبر بنيتها الحديثة- أن تصبح منصة رئيسية لنقل البضائع الخضراء؛ ما يُسهم في.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الرؤية العمانية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الرؤية العمانية

منذ 10 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 8 ساعات
صحيفة الرؤية العمانية منذ 7 ساعات
صحيفة الرؤية العمانية منذ 8 ساعات
صحيفة الرؤية العمانية منذ 9 ساعات
وكالة الأنباء العمانية منذ 15 ساعة
صحيفة الرؤية العمانية منذ 7 ساعات
وكالة الأنباء العمانية منذ 15 ساعة
صحيفة العربي منذ يوم
صحيفة الرؤية العمانية منذ 6 ساعات