وزارة العدل ومحاكم الأموال العامة.. جهود وتحديات في معركة مكافحة الفساد (تقرير)

الفساد ليس مجرد سلوك منحرف داخل مؤسسات الدولة، ولكنه منظومة معقدة تتشابك فيها المصالح والنفوذ، وتمتد آثارها لتقويض العدالة والتنمية والاستقرار، وفي ظل الظرف الذي تعيشه بلادنا منذ سنوات، مثّل ظرفًا استثنائيًّا، ازداد فيه خطر الفساد بشكل ملحوظ، حيث مثل هشاشة الوضع العام للمؤسسات وضعف منظومة الرقابة أبرز عوامل انتشاره.

واستشعارًا بخطورة ما أشارت إليه تقارير الشفافية الدولية من أن اليمن تحتل مراتب متأخرة في مؤشر مدركات مكافحة الفساد، برزت العديد من الجهود الوطنية.. وفي مقدمتها ما تقوم به وزارة العدل ومحاكم الأموال العامة بعدَّها خط دفاع قضائي متقدم في معركة الفساد، قائمة على إصلاح التشريعات، وتطوير منظومة العدالة، وتعزيز الشفافية والمساءلة.

أولًا: وزارة العدل.. إصلاحات مستمرة في بيئة معقّدة

في بلدٍ تتقاطع فيه الكثير من الأزمات وما أحدثته حرب مليشيات الحوثي الإرهابية ضد الدولة من تدمير كبير للبنية المؤسسية، تبدو مهمة إصلاح قطاع العدالة مهمة غاية في الصعوبة.

ومع ذلك، تحركت وزارة العدل بثبات وعزيمة لإعادة ترميم جسور الثقة بين المواطن ومؤسساته القضائية، بالاستناد إلى رؤية إصلاحية تتدرج من الأساس التشريعي إلى التفاصيل الإدارية، ومن تحديث المحاكم إلى تأهيل الكادر القضائي في جميع المحافظات.

فما بين الدمار الذي خلفته الحرب، وغياب الإمكانات، سعت الوزارة إلى حماية أركان العدالة، والبناء فوق ركام الواقع.. على مدى السنوات الماضية، وجدت نفسها أمام مهام مضاعفة تتجاوز التشغيل اليومي، إذ كان عليها أيضًا أن تبتكر أدوات جديدة للعمل، وتعيد ترتيب أولوياتها لتستوعب الاحتياجات المتنامية للعدالة في ظروف استثنائية.

وفي ظل محدودية الموارد، استطاعت الوزارة أن تجعل من كل خطوة إصلاحية مهما بدت صغيرة جزءًا من مشروع أكبر يستهدف إعادة بناء العلاقة وترميمها بين المواطن والقضاء، عبر منظومة أكثر فاعلية وانضباطًا.

وبالرغم من عدم استقرار العمل الإداري، نجحت الوزارة في تحويل التحدّيات إلى فرص لتطوير جودة الخدمات العدلية وتحسينها، والإسهام في استعادة حركة التقاضي، وتعزيز آليات الرقابة، وقد تجلّى ذلك من خلال عدد من النقاط المهمة، أبرزها:

أـ تحديث تشريعي يعيد الثقة

أدركت وزارة العدل أنَّ إعادة بناء منظومة العدالة لا يمكن أن تتحقق دون إعادة النظر في بعض النصوص القانونية، وانطلقت نحو إصلاح تشريعي مهم، شمل إعداد تعديلات جوهرية لقوانين الجرائم والعقوبات والإجراءات الجزائية والمرافعات والتنفيذ المدني والإثبات، وقانون الرسوم القضائية، فضلًا عن إعداد ومتابعة إصدار اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق، وإعداد لائحة الرسوم القضائية، بما يضع حدًّا للاجتهادات المتضاربة، ويؤسس لعدالة أكثر وضوحًا واتَّساقًا.

ولتعزيز المشاركة في صياغة التشريع، دشنت الوزارة نافذة إلكترونية لاستطلاع آراء القضاة والأكاديميين والمشتغلين بالقانون حول التعديلات المقترحة؛ وهي خطوة وصفت بأنَّها رائعة حيث تهدف إلى نقل التشريع من غرف الإعداد المغلقة إلى فضاء النقاش المفتوح، وعزّزت من فلسفة التشريع التشاركي في بيئة قانونية لطالما وُصفت بالمركزية الصارمة.

ب ـ حوكمة الإجراءات وتبني أنظمة التحول الرقمي.. القضاء يدخل العصر الإلكتروني

في ظل تطور التكنولوجيا والتسارع نحو التحول الرقمي عالميًا، والحكومة الإلكترونية، وهو ما جعل وزارة العدل تتبنى اتخاذ إجراءات عملية لإدخال النظام الإلكتروني في سير الإجراءات القضائية رغم تدني الواقع التقني، حيث بدأت بالإجراءات اللوجستية والفنية لمشروع النظام القضائي الإلكتروني لإدارة القضايا، وهو نظام يستهدف توحيد البيانات، وتتبّع مسار القضايا، والحدُّ من التدخلات في الملفات، ومؤشر فعّال لنظام الرقابة على الإجراءات ومدى الالتزام بالقوانين وتسهيل الإجراءات، والربط بوساطة شبكة مركزية آمنة.

كما نفذت الوزارة نظام "مرسال" لإدارة المعاملات بديوان عام الوزارة إلكترونيًا، بما يقلّل الوقت الضائع في الإجراءات الورقية، ويسهم في ضبط الأرشفة وتسهيل الرقابة.

وعلى الرغم من أنَّ هذه الخطوات ما تزال في مراحلها الأولى، وتتأثر بعدد من العوامل مثل انقطاع الكهرباء وضعف الإنترنت في معظم المناطق، إلَّا أنَّها تُعَدُّ جهودًا مهمةً نحو قضاء أكثر شفافية وانضباطًا، وتفتح الباب أمام رقمنة خدمات القضاء والتوثيق في مراحل قادمة.

ج ـ دعم البنية التحتية وإعادة تأهيل المحاكم

خلّفت الحرب دمارًا في المباني القضائية، ما اضطر الوزارة إلى العمل بوتيرة إسعافية لإيجاد مقار بديلة لبعض المحاكم، وتجهيزها بالأثاث والمعدات الأساسية وأنظمة الطاقة الشمسية.. وقد منحت الوزارة أولوية خاصة لمحاكم الأموال العامة، نظرًا لحساسيتها ودورها في حماية المال العام ومكافحة الفساد، بوصفها خط الدفاع الأول عن الموارد العامة التي تتعرض للاستنزاف.

ورغم محدودية الميزانيات، نجحت الوزارة في إعادة تأثيث مبانٍ قضائية وتأهيلها في عدد من المحافظات، وتوفير أجهزة حاسوب للمحاكم، وتوفير المواد القرطاسية والأوراق القضائية، ما أسهم في تحسين بيئة العمل، ودعم الاستقرار المؤسسي داخل القطاع.

د ـ نشر الوعي القضائي.. بناء سيادة القانون

شكّلت الوزارة لجنة متخصّصة للتوعية بسيادة القانون، نفذت العديد من الحملات التوعوية والبرامج والندوات المشتركة مع بعض الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز مبدأ سيادة القانون، والتنبيه إلى مخاطر وإشكاليات القضايا والجرائم الخطيرة الدخيلة على المجتمع، وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن قضايا الفساد والعبث بالمال العام.

وفي أكتوبر 2023، أطلقت وزارة العدل الصحيفة القضائية وهي أول منصة إعلامية رسمية تصدر عن الوزارة بعد إعلان نقل مقرّات مؤسسات وأجهزة الدولة إلى العاصمة المؤقتة عدن وتهدف إلى تعزيز الثقافة القانونية لدى المجتمع، وتوعية المواطنين بإجراءات التقاضي، ودور القضاء في مكافحة الفساد، والتعريف بالأنشطة والإجراءات التي تقوم بها الوزارة وهيئات السلطة القضائية.

ويمثل المسار الإعلامي ركيزة أساسية في بناء وعي جماعي يساند مؤسسات العدالة، ويقف ضد ثقافة التساهل مع الفساد، ويؤسس ويدعم ثقة المجتمع بالقضاء في مرحلة حساسة من تاريخ اليمن.

هـ ـ تعزيز التعاون الإقليمي والدولي.. انفتاح على العالم

على المستوى الخارجي، حرصت الوزارة على الانخراط في أنشطة المجتمع الدولي وفعالياته، بوساطة المشاركة في المؤتمرات والورش المتخصّصة بقطاع العدالة، أبرزها مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (أتلانتا 2023)، إلى جانب الاجتماعات الدورية لوزراء العدل العرب، وبرامج التعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP).

هذه المشاركات أسهمت في تعزيز حضور اليمن في الحوارات القانونية الدولية، وفتحت قنوات للدعم الفني والتدريب القضائي والقانوني وتطوير التشريعات وتحديثها، ومثّلت فرصة حقيقية للاستفادة من التجارب الإقليمية في إصلاح الأجهزة القضائية، وبناء منظومات فاعلة تتمتع بالنزاهة.

إنَّ رغبة وزارة العدل في الإصلاح تبدو واضحة في كل ما تقوم به، ورغم اتّساع التحديات وتعقّد الظروف، فإنَّ هذه الخطوات الإصلاحية المتراكمة تعكس إرادة مؤسسية جادّة لإعادة بناء منظومة عدالة قادرة على النهوض والاضطلاع بدورها المركزي في حماية الحقوق وسيادة القانون.

ثانيًا: المحاكم والنيابات المتخصّصة بقضايا الأموال العامة ومكافحة الفساد... درع العدالة في مواجهة الفساد

تُعَدُّ محاكم الأموال العامة ونياباتها أحد الأعمدة الرئيسة في منظومة العدالة، فهي الجهات القضائية المختصّة بالنظر في القضايا المرتبطة بالمال العام، ومحاسبة المتورطين عن العبث بالمقدرات العامة للدولة، سواء كانوا موظفين حكوميين أو أشخاصًا عاديين تربطهم معاملات مالية مع مؤسسات الدولة.

فمنذ إنشائها، حملت هذه الهيئات على عاتقها مهمة استعادة الثقة المجتمعية بالقضاء، من خلال ترسيخ مبدأ المساءلة وإعلاء مبدأ سيادة القانون، خصوصًا في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تمرُّ بها البلاد منذ سنوات.

ورغم محدودية الإمكانات وتعدد الصعوبات، استطاعت هذه المحاكم أن تحقّق حضورًا لافتًا في المشهد القضائي، من خلال الأحكام الصادرة في عدد من القضايا البارزة التي مست المال العام، وأثبتت أن العدالة قادرة على التحرك متى توافرت الإرادة الصادقة والدعم المؤسسي لمكافحة الفساد.

على الصعيد العملي، تعمل محاكم الأموال العامة ونياباتها ضمن هيكل إداري وقضائي خاص، يشمل العاصمة المؤقتة عدن وعدد من المحافظات المحررة، وتُحال إليها ملفات تتعلق بالاختلاس، والإثراء غير المشروع، والتزوير في المستندات المالية، والعبث بالعقود الحكومية، والتهرب الضريبي، والمخالفات الجمركية، وغيرها من الجرائم الاقتصادية.

يتمتع القضاة العاملون في هذا النوع من القضايا بخصوصية الثقافة القانونية المتميّزة والإلمام الشامل في العمل القضائي، نظرًا لحساسية الملفات التي يتعاملون معها وتشابكها مع مؤسسات الدولة والمرتبطين بتلك القضايا من الأشخاص الذين يعدو مصدر إزعاج وتقاطع لمصالحهم ومن يقف ورائهم، من أصحاب المصالح.

لقد كشفت التجربة العملية أنَّ هذه المحاكم لا تؤدي دورًا عقابيًا تجاه المفسدين فحسب، بل أيضًا دورًا وقائيًا وتنظيميًا، إذ تسهم في ضبط الأداء المالي والإداري داخل المؤسسات الحكومية من خلال ردع المخالفين، وترسيخ ثقافة الرقابة الذاتية لدى الموظف العام.

فكل حكم قضائي يصدر ضد متورط في قضايا فساد يُعَدُّ رسالة واضحة بأنَّ العدالة، رغم الظروف، لا تزال حاضرة وقادرة على التصدي للعبث.. ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن هذه المحاكم تعمل في بيئة صعبة، تتسم بتداخل السلطات وضعف التنسيق المؤسسي بين الجهات الرقابية والتنفيذية والقضائية.

ففي كثير من الحالات، تواجه نيابات الأموال العامة صعوبات في الحصول على الوثائق والمستندات المالية من الجهات الحكومية، أو في تنفيذ أوامر الضبط والإحضار بحق بعض المتهمين الذين يتمتعون بنفوذ أو حماية من جهات مختلفة.

كما يواجه القضاة.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة عدن الغد

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة عدن الغد

منذ 7 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 8 ساعات
صحيفة عدن الغد منذ 10 ساعات
صحيفة عدن الغد منذ 8 ساعات
نافذة اليمن منذ 5 ساعات
صحيفة عدن الغد منذ 14 ساعة
مأرب برس منذ 13 ساعة
عدن تايم منذ 21 ساعة
صحيفة عدن الغد منذ 15 ساعة
صحيفة عدن الغد منذ 20 ساعة