«سوق السبائك جبر».. «المصري اليوم» ترصد«معركة الخديعة» بين «المزورين» ومصانع الذهب

في ظهيرة أحد أيام يوليو الحارة، دخلت سيدة ثلاثينية إلى أحد محال الذهب بميدان الجامع فى حى مصر الجديدة، ممسكة بباكيت صغير يحوى سبيكة ممهورة بعلامة تجارية مشهورة، تتحدث بلباقة عن سوق الذهب والتذبذبات فى الأسعار التى تشهدها من حين لآخر، وقالت إنها تريد بيع السبيكة. التاجر الذى اعتاد التعامل السريع مع سبائك ومشغولات متعددة، تفقد الغلاف ودمغته ووزنها على ميزان المحل أو هكذا ظنّ، ودفع الثمن وبعد أيام، وحين راجع التاجر بعض الأوراق وعاين السبيكة مرة أخرى اكتشف أنها مختلفة وأن قلبها من معدن رخيص، تغلفها طبقة رقيقة من الذهب. الربح السريع تحوّل إلى خسارة ومساءلة، وفى الأسابيع التى تلتها تبيّن أن الواقعة ليست حالة منفردة، حيث امتلأت سوق السبائك بقطع مزيفة ودمغات مقلدة، وباتت الخديعة روتينا يوميا.

بيشوى نادر، صاحب محل ذهب بميدان الجامع، قال، لـ«المصرى اليوم»، إن «غش السبائك صار شبه يومى، البيع والشراء يحدث أحياناً دون نزع الغلاف، تلاقى سبيكة قشرها ذهب والباقى نحاس، أو يبدّلوا العيار من 24 إلى 18 ويخلطوا القشرة بعيار أعلى، حتى الباكيت تغيّر والشركات بتغيّر شكله وعلبته كل شويه علشان تواجه الغش». وأضاف بيشوى أن هناك مجموعات على منصات التواصل تتبادل الأسعار والطرق، ما يسهّل عمليات النصب.

خلال الأعوام الماضية حاولنا رصد ضبطيات وزارة الداخلية لغش الذهب فى حملات مختلفة فى أرجاء القاهرة، وفى نوفمبر عام 2023 تم ضبط قضية كبرى فى ورشة بالجمالية، تخصص أصحابها فى تزوير المشغولات الذهبية المختلفة بعيارات متدنية، بعدها تم تزوير الدمغات واتخاذ الإجراءات القانونية حيال أفراد التشكيل العصابى وبحوزتهم أختام الدمغات المزورة، وما يزيد على 4 كيلوجرامات من الذهب قبل إعداده فى صورة سبائك ومشغولات.

جولة داخل ورشة تصنيع الذهب

كى نتعرّف على مراحل تصنيع الذهب وشكل الصنعة، انتقلت «المصرى اليوم» إلى ورشة ومصنع واصف فى مدينة العاشر من رمضان، يديره أحد أقدم المصنعين، الدكتور وصفى أمين واصف، شيخ المصنعين، رئيس شعبة الذهب السابق، حيث يبدو المكان من الخارج كسكن عادى، لكن داخله تختبئ سبع مراحل دقيقة لصناعة السبائك: الصهر، التنقية، السبك، الطرق الحرارى، التشكيل، التلميع، والدمغ النهائى.

الدكتور وصفى، الذى ورث التجارة عن جده ووالده وطوّرها عبر أجيال، قال لـ«المصرى اليوم»: «الذهب منذ قديم الأزمنة يجذب الطمع كما يجذب الناس، لذلك التزييف كان دومًا جزءًا من دائرة السوق»، لافتا إلى أن أساليب التزوير تطورت مع الزمن: «قبل كده، كان التزوير يمر بطرق بسيطة، لكن دلوقتى فى تقنيات تغليف ودمغات مزيفة، وفى قلب معدنى مختلف والظاهر ذهب لكن بالمقابل، الحِرفة عند التجار تطورت فى طرق فحص وطرق كشف دقيقة».

يوضح أحمد جاد، صائغ، أن السبائك بعلامات تجارية باتت ظاهرة تسويقية جذابة للمستهلك: اسم تجارى، ختم متقن، عبوة سلوفان وحافظة أنيقة، جميعها عوامل تضفى شعوراً بالأمان لكن هذه الواجهة السطحية سمحت للمزورين بالاختباء خلف مظهَرٍ محترف. الأساليب المتبعة حالياً تتنوع بين تغليف سبيكة قلبها معدن رخيص بطبقة ذهبية رقيقة، وصنع سبيكة بعيار أدنى ثم طلائها أو تلميعها لتبدو مثل «عيار 24»، أو حتى تزييف دمغات وشعارات الشركات. وتابع جاد: «أحد السيناريوهات التى وثقناها هو وصول سبيكة مغلّفة جيدًا إلى المحل، تبدو على ميزان البائع سليمة، لكن عند كشط جزء صغير من السطح أو عمل اختبار بسيط بالليزر أو الـXRF تظهر الحقيقة: وزن أقل، تركيبة معدنية مختلفة، وهذا يوضح نقطة مهمة الاعتماد على العين والميزان وحدهما قد لا يكفى أمام الخدع الحديثة، خاصة حين تُستخدم مواد ثقيلة مثل التنجستن لتقليد وزن الذهب».

«ل. ح»، تاجر وقع ضحية، قال إن السبيكة يغطيها الغلاف، والختم موجود، لن تنخدع أبدا، فالسبيكة تبدو حقيقية 100٪، والزبونة تحصلت على قيمتها، وأوضح أن أغلب البائعين والمشترين يعتمدون على العلامة التجارية والشكل الخارجى وسمعة المكان، ولا يطلبون فحصا مختبريا أو محضر إطلاق فحص فى الحال، لأن مثل هذه الإجراءات تأخذ وقتًا وتكلفة وربما تهدر صفقة على الطرفين، وهنا يستغل المزورون السرعة والضغط. فى نوفمبر من العام الماضى، تمكن قطاع الأمن العام بمشاركة مديرية أمن الدقهلية من ضبط مالك محل لبيع المصوغات الذهبية ونجله، وعنصر إجرامى سبق اتهامه فى عدد من القضايا الجنائية وبحوزتهم 2 سبيكة ذهبية مغشوشة، بتهمة غش وتقليد السبائك الذهبية وبيعها بعيار مغاير لعيارها الأصلى من خلال صهرها وإعادة خلطها بمعدن الفضة بالورشة ملك الأخير.

إنذار فى السوق

شعبة الذهب والغرفة التجارية أصدرت تحذيرات متكررة من انتشار حالات تزوير فى سبائك بعلامات تجارية ودمغات مقلدة، التحذير الأساسى يتكرر «لا تثق فى الغلاف وحده، واطلب فاتورة ودمغة رسمية، ويفضل فحص السبيكة أو (XRF) قبل إتمام صفقات كبيرة»، بعض التجار أبلغوا عن حالات متتالية فى مناطق محددة: «ميدان الجامع، ميدان النصر، وأسواق الصاغة التقليدية»، ما جعل الشعبة توصى بإجراءات حماية للمتعاملين وتعزيز مسارات الشكوى والتحقيق.

لكن الشكاوى تواجه عقبات غياب فحوص إلزامية قبل إتمام الصفقات الكبيرة، ونقص توعية المستهلك، كما أن بعض الجهات الرقابية لا تمتلك آليات سريعة لسحب عينات وفحصها من السوق بالكامل على مستوى الجمهورية مما يؤخر الإجراءات القانونية ويمنح المزور فرصة الهرب. الخبراء يشيرون أيضًا إلى ضرورة تشديد العقوبات على عوامل الترويج والعبوات المزوّرة التى تستخدم للشبهة، وليس الاقتصار على التعامل مع بائع التجزئة فقط.

فى المقابل شركات السبائك الشرعية تتدارك الخطر، بعضها قرر تغيير تصميمات السبيكة والغلاف بصفة دورية، إدخال رموز أمنية مسجلة فى الفواتير، وربط السيريال.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة المصري اليوم

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة المصري اليوم

منذ 6 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 8 ساعات
مصراوي منذ 10 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ 13 ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 9 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 12 ساعة
بوابة الأهرام منذ 9 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 16 ساعة
صحيفة اليوم السابع منذ 18 ساعة
مصراوي منذ 9 ساعات