تحدث الكاتب ومؤلف فيلم «الست» أحمد مراد. الذى يروى السيرة الذاتية لأسطورة الغناء العربي أم كلثوم. عن رحلة طويلة وشاقة امتدت نحو 3 سنوات لتقديم الفيلم، بدأت بالبحث الدقيق فى مذكرات أم كلثوم وكتب متخصصة، وصولًا إلى كتابة السيناريو ومرحلة التحضير والتصوير.
وأوضح «مراد» فى حوار خاص لـ«المصرى اليوم » أن الهدف من الفيلم كان تقديم أم كلثوم ليس كمطربة فحسب، بل كشخصية إنسانية متكاملة، مليئة بالصراعات واللحظات التى شكّلت مسيرتها من فتاة بسيطة فى قرية طماى الزهايرة إلى أيقونة الغناء العربى.
وأكد «مراد» أن اختيار منى زكى لتجسيد الشخصية كان منذ البداية، لما تمتلكه من خبرة عالية والتزام وشغف قادر على تقديم تفاصيل دقيقة لشخصية بهذا الحجم، وإلى نص الحوار:
بداية.. كيف وُلدت فكرة كتابة فيلم «الست» الذى يتناول السيرة الذاتية لأم كلثوم؟
- البداية جاءت حينما كنت أعمل على فيلم «كيرة والجن»، وبدأت أبحث فى المصادر التى تناولت فترة العشرينيات، تحديدًا من 1919 إلى 1924. كان مهمًّا بالنسبة لى أن أتعامل مع هذه المرحلة بمصداقية شديدة، وأن أعتمد على شخصيات حقيقية عاشت تلك الحقبة التى يعرفها كل المصريين والعرب، حتى يظل الإحساس الفنى حاضرًا ومقنعًا فى العمل.
وأثناء البحث، ظهرت أمامى أسماء كثيرة لها ثقل فنى وتاريخى، مثل سيد درويش، نجيب الريحانى، ومحمد عبد الوهاب. كنت أفتّش فى التفاصيل الصغيرة المتعلقة بأحداث الفيلم؛ مثل: هل من الممكن أن يكون شخص ما جلس فى «كافيه ريش» فى ذلك الوقت، أو مرّ بجواره أحمد كيرة مثلًا؟ كل هذه التفاصيل كانت تحتاج دقة ومصداقية. ومن هنا بدأت أبحث فى المذكرات، ووجدت أن الشخصية الأبرز فى هذا الزمن كانت أم كلثوم، وأنا بشكل شخصى أحبها ومتربى على أغانيها مع والدىّ، فأنا من مواليد 1978، ومن الجيل الذى تربّى على أم كلثوم وعبدالحليم.
متى شعرت أن رحلة بحثك عن أم كلثوم لم تعد مجرد جمع معلومات، بل تحوّلت إلى اكتشاف شخصية درامية تستحق أن تُقدَّم فى فيلم كبير؟
- رحلة البحث تحوّلت تمامًا عندما بدأت أقرأ بعمق فى مذكرات أم كلثوم، ثم صادفت كتابًا للكاتبة الجزائرية الفرنسية إيزابيل عن حياتها. كان كتابًا شديد العمق، يغوص فى الجوانب الإنسانية والنفسية لشخصية أم كلثوم، ومن هنا بدأت حالة الانبهار الحقيقى. حتى إننى بدأت أفتّش فى تفاصيل صغيرة، مثل سؤال بسيط: هل غنّت أم كلثوم فى كافيه ريش؟ ووجدت أنها غنّت فعلًا، لكن المعلومات المتاحة كانت قليلة لأن وجودها فى القاهرة وقتها لم يكن قد ترسّخ بعد. ومع استمرارالقراءة شعرت أننا أمام شخصية درامية من العيار الثقيل، غنية بالتفاصيل الإنسانية والنفسية. وعندما جلست مع المخرج مروان حامد وسألنى: «لقيت حاجة تخص كافيه ريش؟» قلت له: «لا.. لكن لقيت أم كلثوم نفسها، وشخصيتها المركّبة»، فقال لى: «تعال نقعد ونتكلم»، وبالفعل جلسنا، وحكيت له ما توصلت إليه، فقال مباشرة: «ده فيلم»، فقلت له: «أكيد.. لكنه محتاج إنتاج ضخم جدًّا»، بعد ذلك دخلنا فى مرحلة نقاش طويلة استمرت ستة أشهر قبل بدء التحضير الفعلى. وخلال هذه الفترة استطاع مروان تأمين القدرة الإنتاجية اللازمة، لأن فيلمًا بهذا الحجم يحتاج ميزانية هائلة. ومن هنا بدأت الرحلة الرسمية للمشروع.
كيف جرت مراحل البحث والكتابة والتحضير للفيلم، خاصة فى ظل حساسية تقديم سيرة أم كلثوم؟
- بدأت الشرارة الأولى للمشروع فى عام 2020 أو بداية 2021، لكن البداية الفعلية للكتابة كانت فى عام 2022. وخلال تلك المرحلة قضيت 6 أشهر كاملة فى بحث موسّع مع فريق متكامل، حتى نستطيع الوصول إلى الحقيقة الكاملة وسط الكم الكبير من الشائعات والالتباسات، لأن سيرة أم كلثوم تحديدًا أحاطتها روايات كثيرة تحتاج إلى تدقيق شديد. تعاملنا مع الأمر كأنه بحث جنائى؛ نراجع الجرائد القديمة، والكتب، وكل ما يمكن أن يساعدنا على فهم ما حدث بدقة. امتدّ عمل البحث تقريبًا لستة أشهر، لكنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل استمر معنا حتى يوم التصوير، لأن كل معلومة حتى لو كانت صغيرة، قد تغيّر شيئًا فى السيناريو. أما كتابة السيناريو نفسه فاستغرقت ما يقارب سنة وشهرين، ثم دخلنا فى مرحلة التحضير لمدة سنة، أعقبها عام كامل من التصوير. وبذلك استغرق المشروع بالكامل حوالى ثلاث سنوات. كانت الرحلة كبيرة وشاقة للغاية، ومليئة بالشكوك من حولنا، واعتراض البعض كان أمرًا متوقعًا للغاية، مثلًا كيف يمكن صنع فيلم عن أم كلثوم؟ فهذا أشبه بحقل ألغام، هل ستظهر بشكل جيد؟ هل ستظهر بشكل غير جيد؟ وكل ذلك خلق لنا الكثير من الإحباط، لأن الجميع كان متشككًا خصوصًا مع نظرة البعض بأن «الموضوع خِلِص» أو أن «ليه تعملوا فيلم عن أم كلثوم دلوقتى؟». لكن المفارقة كانت أن Gen Z نفسه لا يعرف أم كلثوم، وهنا بدأنا ندرك أن الفيلم ليس مجرد مشروع، بل فرصة لإعادة تقديم أسطورة حقيقية لجمهور جديد بالكامل.
منذ اللحظة الأولى لكتابة السيناريو، هل كانت منى زكى الخيار الأول لبطولة الفيلم، أم أن شخصية أم كلثوم مرّت بعدة احتمالات قبل الاستقرار عليها؟
- حينما تبحث عن البطلة أو البطل المناسب لفيلم بهذا الحجم، هناك أربعة عوامل رئيسية. هذه العوامل كلها توافرت فى منى زكى، ولذلك كانت فى ذهنى منذ اللحظة الأولى وكانت الخيار الأول بلا منازع. أول عامل هو الخبرة، فهى تمتلك الخبرة الكافية لتقديم شخصية بحجم أم كلثوم، فهى ليست ممثلة عادية، بل ذكية ودؤوبة وتختار أعمالها وأدوارها بعناية، وكل دور لها يحظى بتقديرالجمهور. العامل الثانى هو الالتزام والانضباط؛ فمنى زكى تتمتع بأخلاقيات مهنية عالية، وقادرة على التركيز والتفانى الكامل أثناء العمل، ما يجعلها مؤهلة للتعامل مع تحديات شخصية مثل أم كلثوم. العامل الثالث، والأهم، هو الشكل والمظهر، كثيرون لا يعرفون شكل أم كلثوم الحقيقى فى الثلاثينيات والأربعينيات، كانت قصيرة القامة وصغيرة الجسم، وترفض التصوير على المسرح حيث كانت تنزعج بسبب ذلك، وبالفعل أبرزت هذه النقاط المهمة فى العمل، وعندما كانت تقبل التصوير، كان يجب أن يتم بطريقة محددة، مثل التصوير من أسفل أو من بعيد، أو ارتداء كعب عالٍ وفستان طويل. كل هذه الأمور كانت متوفرة فى منى زكى، وقدرتها على تجسيد هذه التفاصيل كانت رائعة. وأخيرًا، منى زكى تعمل على تطوير النص نفسه وتضيف إليه، ما يزيد من قوة أداء الشخصية.
تقديم سيرة أيقونة بحجم أم كلثوم يُعد مغامرة كبيرة جدًّا، فكيف واجهت القلق والخوف فى البداية قبل الشروع فى العمل؟
- الخوف والقلق ما زالا يرافقاننى حتى الآن. كنت أنا والمخرج مروان حامد ندرك تمامًا أننا نخوض مخاطرة كبيرة جدًّا، فنحن نتناول أسطورة الغناء العربى ورمزًا لمصر، وهذا بالطبع أمر صعب للغاية. طوال العمل كانت تراودنا لحظات شك وتردد، وطرحنا على أنفسنا كثيرًا من التساؤلات: هل نحن نسير فى الطريق الصحيح أم ارتكبنا خطأ؟ ولكننا رغم الخوف والتوتر لم ندع ذلك يمنعنا من تقديم العمل الذى نؤمن به، وقررنا المضى قدمًا فى هذه المغامرة الفنية.
لاحظ البعض أن الفيلم يبتعد عن تقديم أم كلثوم كـ«مطربة فقط» ويركز أكثر على الإنسانة خلف الصوت، لماذا فضّلت هذا المدخل؟
- التركيز فى الفيلم كان على كيف ترى أم كلثوم نفسها، وليس كيف نراها نحن. العمل جاء من داخل شخصيتها، وهو الأسلوب الأكثر أصالة، فأخذنا اللحظات الإنسانية والتحولات التى مرت بها والقيود التى تحدتْها منذ بداياتها وحتى وفاتها. استطعنا أن نبيّن كيف تحولت فتاة بسيطة من قرية طماى.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة المصري اليوم

