تبدو الورقة الخاصة بالشرق الأوسط فى استراتيجية الأمن القومى الأمريكية الجديدة أقرب إلى إعادة ترسيم للعقيدة الأمريكية نفسها، لا مجرد تحديث تقنى لمنطقة تتغير موازينها. فالنص الذي صاغته مؤسسات صنع القرار فى واشنطن - لا البيت الأبيض وحده - ينتمى إلى مدرسة «إدارة الانكفاء المدروس»، تلك التي ترى أن الشرق الأوسط لم يعد مسرحًا لحروب كبرى، بل مساحة يمكن احتواؤها بقدر من الردع، ومنع المخاطر، وإبقاء خطوط الملاحة والطاقة والمؤسسات الصديقة فى حالة تشغيل دائم. ما تكشفه هذه الورقة، أكثر من أى شيء آخر، هو انتقال الولايات المتحدة من مرحلة «التورط الاستراتيجى» إلى مرحلة «التحكم عن بُعد»، من خلال وكلاء إقليميين، وشبكات تحالفات مرنة، وأدوات قوة ذكية، بديلة عن الجيوش التي استُنزفت فى العراق وأفغانستان.
قراءة السطور تكفى لفهم الرسالة، لكن قراءة ما بين السطور تكشف الاتجاه. فالوثيقة لا تعلن خفض أهمية الشرق الأوسط فقط لأنها ترى أن الطاقة لم تعد محركًا للسياسة الأمريكية، بل لأنها تعترف ضمنيًا أن الزمن الذي كانت فيه المنطقة مركزًا للأمن الدولى قد انتهى. وللمرة الأولى تقدم واشنطن المنطقة كفضاء «قابل للإدارة» بدلًا من كونها مصدر تهديد دائم. وهو تحول بنيوى يعكس تغيرًا فى أولويات المؤسسة الأمريكية، التي باتت تنظر إلى آسيا والمحيطين الهندى والهادئ، وإلى منافسة الصين، بوصفها الاختبار الحقيقى للقرن الجديد. أما الشرق الأوسط، فبات يُعامل كملف يجب ألا يشتعل أكثر مما ينبغى، لكنه ليس بحاجة إلى حلول كبرى أو تدخلات ثقيلة.
ويهم هنا مقارنة هذا النهج مع استراتيجيات سابقة. فاستراتيجية بوش الابن (2002) بنت رؤيتها على «الهندسة الجيوسياسية بالقوة»، ومحاولة إعادة تشكيل المنطقة بالقوة الناعمة والخشنة معًا، عبر نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب من منابعه. أما استراتيجية أوباما (2010-2015) فذهبت إلى تقليل الانكشاف، مع محاولة تحقيق توازن جديد بين إيران والخليج، والتوصل إلى اتفاق نووى يعيد ضبط الصراع. ثم جاءت استراتيجية ترامب الأولى (2017) لتعود إلى الواقعية الصلبة. أمن إسرائيل، ومحاصرة إيران، وتوسيع التحالفات الخليجية، دون أى التزامات إصلاحية. غير أن الوثيقة الحالية تختلف عن هذه جميعًا فى أمر جوهرى،إنها لا تحاول إعادة تشكيل الشرق الأوسط، بل إعادة تعريفه باعتباره ساحة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من بوابة روزاليوسف
