فورين أفيرز: استراتيجية ترمب تقوم على تمجيد القوة الفردية وتقديم شخصية الرئيس كعامل حاسم في تشكيل النظام الدولي

ملخص تكشف استراتيجية ترمب للأمن القومي عن رؤية آنية تقصي التاريخ وتعلي من دور الشخصية في صنع السياسة، مقدمة عالماً تتحكم فيه قوة الزعيم لا المؤسسات. الوثيقة، المصممة لزمن وسائل التواصل الاجتماعي، تمنح الرئيس سلطة أكبر في توجيه المشهد الدولي، فيما يقف العالم مترقباً خطواته المقبلة في نظام دولي يتراجع فيه الإقناع وتتصدره القوة الخشنة والقرارات الفردية.

خلال توليه رئاسة الولايات المتحدة للمرة الأولى وأثناء حملته الانتخابية من أجل إعادة انتخابه في 2024، ظهرت أمام العيان مجموعة متنوعة من النزعات التي تحرك دونالد ترمب. كان أولها تثمينه للقوة لذاتها، فالقوة هي التي تحرك العالم برأي ترمب، وليس المبادئ. وكانت النزعة الثانية نظرة ترمب إلى الازدهار باعتباره مبدأ سحرياً ناظماً للسياسة الخارجية، وقد قطع عهداً عام 2016 عندما قال "سوف نجعل أميركا غنية مجدداً، من الضروري أن تكون ثرياً لكي تصبح عظيماً". أما النزعة الثالثة، فهي اقتران السياسة بالشخصية. وقد أعلن ترمب في مؤتمر الحزب الجمهوري لترشيح الرئيس في 2016، "أنا وحدي القادر على إصلاح الوضع".

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more تجمع استراتيجية الأمن القومي الجديدة التي نشرت في أواخر الأسبوع الماضي بين هذه النزعات الثلاث وتضفي عليها طابعاً رسمياً، فتطرحها على أنها المحركات الضرورية للنظام الدولي. وتلفت استراتيجية الأمن القومي إلى "طبيعة أمتنا، التي بنيت عليها قوتها وثروتها وكرامتها"، وتوكل حماية هذه الطبيعة إلى الرئيس نفسه وإلى "فريقه"، الذي "نجح (خلال ولايته الأولى) في حشد مواطن قوى أميركا العظيمة بغية تصحيح المسار وفتح الباب أمام عصر ذهبي جديد لبلدنا". إن شخصية ترمب وقوته ومؤيديه، هي العناصر التي جعلت من تحقيق هذا العصر الذهبي أمراً ممكناً.

وتعتبر هذه الوثيقة الاستراتيجية كذلك تعبيراً عن الطابع المحافظ في أميركا، فالحزب الجمهوري في عهد ترمب ليس كما كان في عهد جورج دبليو بوش ولا رونالد ريغان، الرئيسين اللذين ربطا السياسة الداخلية المحافظة بالليبرالية الدولية. فالحزب برئاسة ترمب تحركه رغبة كبيرة في الفصل بين الأصدقاء والأعداء، وهو تمييز يجمع بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية. وتفرض هذه النظرة الثنائية رفضاً شاملاً لإدارة بايدن (التي ينسب إليها ترمب، في رسالته التمهيدية في استراتيجية الأمن القومي "أربع سنوات من الضعف والتطرف والفشل القاتل")، واهتماماً بنقاء الأمة وبالتالي بتلوثها من العنصر الأجنبي، ورغبة في دعم المبادئ الحضارية "في أوروبا والعالم الأنغلوفوني [الناطق بالإنكليزية] وبقية العالم الديمقراطي".

إن هذه الاستراتيجية الجديدة تعكس الواقع الدولي الحالي وتشوهه في آن معاً، من خلال تأكيدها أهمية الشخصية - وهو ما تشير إليه اللغة المستخدمة في المستند على أنه "الدبلوماسية الرئاسية" - فهي تلفت إلى عالمنا الذي يحركه الإعلام، إذ تتمتع القيادات الفردية بحضور واسع وسلطة عظيمة ومجال كبير للغاية للتحرك، هذا هو العالم الذي ساعد ترمب في إيجاده. تتعارض استراتيجية الأمن القومي مع الواقع الدولي من خلال إعطاء الأولوية للقوة الصرفة وليس الإقناع، وتركيز السياسة الخارجية الأميركية في المقام الأول على نصف الكرة الغربي، على رغم أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ أصبحت مركز الثقل الاقتصادي للعالم (كما تشير الوثيقة) وأن الحرب التي تشكل سابقة في أوائل القرن الـ21 تدور رحاها في أوروبا.

تحتفي الوثيقة بالقوة الأميركية وتهدف جزئياً إلى الحفاظ عليها وتعزيزها، لكن في أحيان أخرى، يبدو أن الهدف منها هو كبح طموحات الولايات المتحدة. ومن غير المرجح أن تفسر الوثيقة الاستراتيجية قرارات ترمب اليومية، إلا أنها تصف نظاماً عالمياً طموحاً، وهو ليس نظاماً تقوده الولايات المتحدة، وليس نتيجة تنافس بين القوى العظمى أو صدام بين الحضارات، ولا قائماً على القواعد، بل هو وليد شبكة مكثفة من العلاقات الشخصية التي تتجاوز أي تحالفات أو أي تقسيم للبلدان على أساس الديمقراطية أو الاستبداد.

وقد تتيح هذه الشبكة المجال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين كي ينهي الحرب في أوكرانيا وفق شروطه الخاصة، وقد تساعد الرئيس الصيني شي جينبينغ في تحقيق مخططاته العظيمة لبلاده، لكن الأهم هو أنها تتلاءم مع تصرفات رجل يرى العالم من منظور شخصي بحت، وهو قادر على تغيير آرائه والتزاماته بسهولة وسرعة، ويفكر في إبرام الصفقات السريعة أكثر من إجراء المفاوضات والمعاهدات. وهذا أكثر من العالم الذي يريده ترمب فحسب، بل إنه العالم الموجود بين يديه.

قوة الزعيم إن ترمب مرتاح للدبلوماسية في القرن الـ21، فعلى مدى العقد الماضي، انحسر نفوذ المؤسسات المتعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فيما أصبحت الدبلوماسية المنظمة والمرحلية طويلة الأمد أقل شيوعاً. جرى التوصل إلى اتفاق هلسنكي النهائي لعام 1975، الذي عزز البنية الأمنية المدعومة من الولايات المتحدة في أوروبا الغربية، نتيجة مفاوضات دقيقة خاضها دبلوماسيون مجهولون، وقد أصبحت الآن شيئاً من الماضي. فالبيروقراطيات والمؤسسات ووزارات الخارجية تفقد مكانتها، مع ظهور قادة طموحين يعززون مركزية السلطة يتمتع بعضهم بالجاذبية، فيما ينحو آخرون نحو الاستبداد ويجمع بعضهم الآخر بين الصفتين - في عدد من أكبر دول العالم. يهيمن ترمب وبوتين وشي، إلى جانب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على السياسات الخارجية لبلدانهم.

وفيما لا تزال وسائل الإعلام في عصرنا قادرة على إضفاء طابع ديمقراطي على إمكان الوصول إلى المعلومات، غير أنها تعزز في الوقت نفسه مظاهر القوة الفردية. في العالم الرقمي، يجسد ترمب الولايات المتحدة، فيما يجسد بوتين روسيا، ويجسد شي الصين، ويجسد مودي الهند، ويجسد أردوغان تركيا. ويتعامل الجمهور على النطاق الوطني والدولي بصورة مباشرة مع هؤلاء القادة، الذين يحددون شكل العلاقات الدولية من خلال أفعالهم وتصريحاتهم وتفضيلاتهم. سواء كان هؤلاء القادة فعالين أم غير فعالين في تحقيق أهدافهم، فإنهم يستحوذون على اهتمام العالم، ومن المستحيل تجاهلهم، إذ يمكن أن تصبح نزواتهم في مصاف قانون. في هذا النظام، تعتبر الاتفاقات الملزمة بعيدة المنال بقدر ما تكون المصالح المتبادلة شائعة.

من السمات البارزة في هذه الاستراتيجية تركيزها على الحاضر، فباستثناء ادعاءاتها بوجود خلل قبل عهد ترمب وإشاراتها المعجبة بمبدأ مونرو، فإنها تفتقر إلى خلفية تاريخية. وتغيب عنها حجة تاريخية شائعة، وهي أن الولايات المتحدة قامت بعد الحرب العالمية الثانية بإرساء بنية مؤسسية تساعد في تحقيق الأمن والازدهار والحرية. ولا تطرح الوثيقة أي تاريخ بديل، إذ إنها إستراتيجية أمنية مصممة لعصر الشبكات الاجتماعية، وثيقة تتحرك مع الزمن الحاضر المتحول بلا توقف، وكأنها قابلة للتعديل في كل لحظة. وإذا ما اقترب هذا الانطباع من الواقع، فإنه يضع بين يدي الرئيس قوة مضاعفة: على العالم أن ينتظر بصبر، مترقباً الخطوة التالية التي سيتخذها.

تحمل الاستراتيجية في طياتها تناقضات متعددة، فهي تحتفي بالسياسة الاقتصادية التي تمارس بالوسائل العسكرية (إن اقتضى الأمر) في نصف الكرة الغربي ومن خلال فرض تعريفات جمركية في أماكن أخرى، وبالتطبيق الانتقائي للقوة العسكرية، مثل الضربات التي شنتها الولايات المتحدة الصيف الماضي التي يقول ترمب في توطئته إنها "قضت على قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم". ومن جهة أخرى، تدافع الوثيقة عن مبدأ الانكفاء وتحديد أولويات. وتزعم الوثيقة أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991 "أقنعت نخبة السياسة الخارجية الأميركية نفسها بأن الهيمنة الأميركية الدائمة على العالم بأسره هي في مصلحة بلدنا". لكن بالنسبة إلى إدارة ترمب، فإن العالم غير الأميركي "لا يهمنا إلا إذا كانت أنشطته تهدد مصالحنا بصورة مباشرة". وبالتالي، يجب وضع حدود للقوة الأميركية، ويجب عدم الإفراط في فرضها.

كلما زادت الحاجة إلى كبح القوة الأميركية، يصبح على واشنطن أن تتقن.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 4 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ ساعتين
منذ 9 ساعات
منذ 43 دقيقة
قناة العربية منذ ساعة
أخبار الأمم المتحدة منذ 15 ساعة
سكاي نيوز عربية منذ 11 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 10 ساعات