هل يعود عصر "قارئات القرآن" في مصر؟. في الماضي كان للقارئات صيت كبير ونافسن كبار المشايخ، وقد قرأت بعضهن في الإذاعة. لكن التوجهات المتشددة نجحت في إبعادهن. القصة كاملة في هذا التقرير

ملخص ربما لا يعرف كثر أنه في عصر مضى كان في مصر قارئات للقرآن كن ملء السمع والبصر وذاع صيتهن في مصر وخارجها ونافسن الرجال في التلاوة وكن جزءاً من برنامج الإذاعة المصرية، كان هذا في عصر لم يشهد جماعات متشددة ولا محاولات مضنية لإبعاد النساء من المشهد العام كله وليس فقط تلاوة القرآن

على مر العصور تعاقبت أجيال من القراء في مصر حملت آيات القرآن في قلوبها وانطلقت حناجرها ترتل في خشوع، وفي القرن الـ20 مع ظهور وسائط التسجيل المختلفة وصلت إلينا أصوات كثير من القراء كانوا دعائم لمدرسة التلاوة المصرية، التي لاقت استحسان المسلمين في كل أنحاء العالم، لتعرف مصر بدولة التلاوة.

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more وفي الآونة الأخيرة شهدت مصر مسابقة لتلاوة القرآن عبر برنامج تلفزيوني حقق نجاحاً ساحقاً، جذب المتابعين من كل أرجاء الوطن العربي، وأصبح "تريند" في خلال أيام من بدء إذاعته، إذ انبهر المستمعون بروعة الأصوات المشاركة القادمة من كل أنحاء البلاد، وتنوع المشاركين بين كل المراحل العمرية من الكبار إلى الأطفال الذين جمعهم حسن الصوت وجمال الأداء.

ومع الإشادة الكبيرة بالبرنامج والمتسابقين، وتأكيد أن مصر مليئة بالمواهب التي لا تنضب، تركت بعض الأصوات المتشددة كل شيء، وانبرت تشن هجومها حول كيف تقدم مثل هذا البرنامج مذيعة وليس مذيعاً، على رغم أن مقدمة البرنامج مشهود لها بالكفاءة، وهي نموذج يحتذى في عملها الإخباري سابقاً قبل برنامج دولة التلاوة.

ربما لا يعرف كثر أنه في عصر مضى كان في مصر قارئات للقرآن كن ملء السمع والبصر وذاع صيتهن في مصر وخارجها، ونافسن الرجال في التلاوة، وكن جزءاً من برنامج الإذاعة المصرية، كان هذا في عصر لم يشهد جماعات متشددة ولا محاولات مضنية لإبعاد النساء من المشهد العام كله وليس فقط تلاوة القرآن، لم تكن أفكار مثل أن صوت المرأة عورة لها وجود بين المصريين، بل كان الناس يستمتعون بجمال التلاوة بخشوع وتدبر سواء كان القارئ رجلاً أو امرأة، فالأصل هنا هو الموهبة لا الحسن.

رحلة بين أصوات الماضي قارئات مصريات كثيرات تعاقبن عبر العصور، قطاع كبير منهن لا نعرف عنه شيئاً، وطوى الزمن أسماءهن، باعتبار أنهن عشن في عصر لم يكن فيه أي وسيلة لتسجيل الأصوات ولا اهتمام بالتوثيق، غير أن أقدم قارئة يمكن أن تشير إليها المصادر عرفت بالشيخة أم محمد وكانت في عهد محمد علي باشا تقرأ في قصر الوالي وتحيي الليالي القرآنية، وكان لها شأن عظيم، حتى إن محمد علي باشا أرسلها إلى إسطنبول للقراءة في قصر السلطان العثماني، وعندما توفيت أمر لها بجنازة مهيبة ودفنت في مقبرة بنيت خصيصاً لها في مقابر الإمام الشافعي.

مع بدايات القرن الـ20 حدثت نقلة كبيرة بظهور الأسطوانات وإتاحة تسجيل الصوت، مثّل هذا طفرة كبيرة وأتاح لنا حالياً التعرف إلى جوانب من التراث، ومن بينه تراث القارئات في مصر الذي وصل إلينا نذر يسير منه، سواء عن طريق الأرشيفات المختلفة أو عن طريق مقتنيات جامعي ومحبي التراث.

يقول الباحث في التراث وأحد أشهر جامعي التراث السمعي في مصر، عصمت النمر، "أقدم تسجيل وصل إلينا لقارئة مصرية كان عام 1905 للشيخة مبروكة، ويقال إنها أول قارئة لها تسجيل موثق للقرآن الكريم بصوتها بحسب المتعارف عليه حتى الآن، إذ لم يرد إلينا تسجيل أقدم، هذا المجال يحتاج إلى بحث طويل، وأزمته أن معظم التراث مفقود أو غير موثق من الأساس، فمن المؤكد أن هناك قارئات كان لهن شهرة واسعة، ولم يصل إلينا عنهن أي أثر، بحلول عام 1896 بدأ ظهور الأسطوانات في مصر، وانتشرت نسبياً في العقد الأول من القرن الـ20، لكن من سجلوا القرآن بصوتهم على أسطوانات من الرجال والنساء على السواء في هذا الزمن كان محدوداً جداً".

يضيف النمر، "في هذه الحقبة وقبل ظهور الميكرفونات كان القارئ سواء كان رجلاً أو امرأة لا بد من أن يمتلك صوتاً قوياً قادراً على الوصول إلى الناس، وكان هذا من معايير النجاح عند القارئ والمنشد والمغني، فلا بد من أن يكون ذا صوت قوي قادر على الانتشار، وحتى بعد ظهور الإذاعة فإنه في المرحلة الأولى لم تكن التسجيلات الإذاعية قد ظهرت فكان القارئ أو القارئة يقرأ على الهواء مباشرة، فيقدمه المذيع ثم يبدأ في التلاوة، وهذا يحتاج إلى قراء متمكنين لأنه لا مجال للخطأ وللأسف لم تصل إلينا أي من هذه القراءات في هذا الزمن لا للقراء ولا للقارئات لأنها لم تسجل، فكل من جاء قبل زمن التسجيلات لم يصل إلينا عنه شيء".

ثلاثية التلاوة والإنشاد والغناء لم تكن الحدود فاصلة سابقاً بين التخصصات وكان كثير من المطربين والملحنين قادمين من خلفية دينية، والأمر نفسه بالنسبة إلى النساء، فالبداية تكون مع حفظ القرآن والإلمام بالأحكام، ثم ربما لاحقاً الإنشاد الديني وتلاوة القرآن، ومن بعدها أحياناً الغناء الطربي، كان هذا شائعاً في هذا الزمن، ومن أشهر الأمثلة هي أم كلثوم التي حفظت القرآن، ثم أنشدت مع أسرتها، ولاحقاً اتجهت إلى الغناء.

يوضح الباحث في التراث، عبدالرحمن الطويل، "بعض المطربات جمعن بين التلاوة والإنشاد ومن أشهرهن ودودة المنيلاوية، ولها تسجيلات كمطربة إضافة إلى تسجيلات نادرة كقارئة يبدو منها أنها قرأت على مشايخ وأجادت، الشيء نفسه مع الشيخة سكينة التي كانت مطربة، ولها أغنيات في الإذاعة، إلى جانب تسجيلها القرآن على أسطوانات، وقد كانت ذروة نشاطها في العشرينيات والثلاثينيات، ومع ظهور الإذاعة كان للقارئات حضور فيها وكثيرات منهن كانت تلاواتهن جزءاً من البرنامج الإذاعي اليومي مثل خوجة إسماعيل وعطيات الحضري وكريمة العدلية ونبوية النحاس، لكن أشهرهن على الإطلاق كانت منيرة عبده".

ويتابع، "حضور القارئات كان مقبولاً مجتمعياً، وكن منتشرات في كل أنحاء البلاد للقراءة في مجالس النساء وفي المحافل العامة، حتى إنه يروى عن قارئة تعرف بالشيخة أسمهان توفيت في بداية الثلاثينيات أنها قرأت مع الشيوخ الرجال في السرادق نفسه، وقد قرأ معها الشيخ محمد رفعت في صغره في المكان نفسه، فبعض القارئات خرجن من إطار التلاوة في المجالس النسائية إلى السياق العام، ولم يلاقِ هذا اعتراضاً من المجتمع".

ويضيف الطويل، "هناك قارئات وصلت إلينا أسماؤهن، لكن لم يصل إلينا أي تسجيل صوتي لتلاوتهن على رغم أن بعضهن قرأت في الإذاعة، مثل الشيخة عائشة زهران والشيخة وهيبة سالم، وهناك شيخة تعرف بفطومة البسطية الطنطاوية التي غالباً لم تدرك الإذاعة وكانت ذروة نشاطها في العشرينيات، وكانت ذات شهرة واسعة، مع حلول النصف الثاني من القرن الـ20 قلّ عدد القارئات بشكل ملحوظ، لكن بقيت بعض القارئات التي وصل إلينا معلومات عنهن، مثل الشيخة زاهية التي بدأت في الأربعينيات، والشيخة ليلى في أسيوط التي توفيت في التسعينيات، ولها تسجيل فيديو نادر تقرأ في سرادق عزاء للرجال".

يروي الكاتب الراحل محمود السعدني في كتابه "ألحان السماء" أن الشيخة منيرة عبده كانت من أشهر قراء عصرها، وكان لها صيت كبير خارج مصر، وأنه في عام 1925 عرض عليها أحد الأثرياء من تونس أن تمضي شهر رمضان في صفاقس بأجر 1000 جنيه، وكان هذا بمعايير وقتها مبلغاً ضخماً جداً، إلا أنها رفضت العرض فما كان من الثري التونسي إلا أن قدم إلى القاهرة للاستماع لتلاوتها طوال شهر رمضان.

قارئات في كل المحافظات بحسب الحكايات المتواترة وما وصل إلينا من وثائق، إضافة إلى الأرشيفات الشعبية بصورها المختلفة فإنه كان هناك لكل منطقة أو محافظة شيخة شهيرة يكون صيتها ذائعاً في نطاق المنطقة، قد تنتقل بعدها للتلاوة في القاهرة أو حتى خارج مصر، لكن البداية كانت تأتي من الشهرة في نطاقها المحلي بالقراءة أولاً في مجالس النساء، ثم في محافل عامة.

يوضح الباحث في تراث التلاوة والإنشاد، هيثم أبو زيد، "من المفارقات هنا أن بعض القارئات دخلن في ما يشبه المنافسات حالياً مع شيوخ كبار، ومن القصص التي تواترت إلينا ما يحكى عن أن الشيخ شلبي طوبار، وهو من أقوى أصوات عصره دخل في ما يشبه المعركة القرآنية مع الشيخة الأشهر في دمياط التي كانت ذائعة الصيت حينها وكانت تعرف بالشيخة زوزو، حين اجتمعت الحشود للاستماع للمنافسة بينهما وكان الشيخ شلبي حينها من أشهر قراء عصره وأقواهم صوتاً، وهو جد المنشد نصر الدين طوبار، لم يستنكر أحد حينها قراءة النساء، بل إن الجماهير تدفقت لحضور ومشاهدة هذا الحدث".

ويزيد أبو زيد، "بعض القارئات ما وصل إلينا من تسجيلات لهن كان في مراحل متأخرة من عمرهن بعدما ضعف صوتهن، وفقد بعض قوته مثل الشيخة سكينة حسن، التي وصل إلينا عنها من أرشيف عراقي أنها ذهبت في رحلة لبغداد عام 1915، واستقبلتها حشود هائلة من الرجال والنساء العراقيين جاؤوا للاستماع إليها، وكان هناك حال من الانبهار غير المسبوق بالقارئة المصرية، مما يدلل على أن بعض القارئات امتدت شهرتهن خارج مصر وكان لهن جماهير غفيرة خارجها".

ويتابع، "تراث قارئات القرآن في مصر المفقود فيه أكثر من الموجود بكثير، فقبل عصر التسجيلات والإذاعة وصلت إلينا سيرة بعض القارئات عن طريق النقل عن ثقات أو الحكايات المتواترة بين الناس أو خبر مكتوب أمكن توثيقه، لكن من المؤكد أنه كان هناك قارئات كثيرات لم نعرف عنهن، ولم يصل إلينا منهن أي خبر أو تسجيل".

منذ افتتاح الإذاعة المصرية والقارئات مثلن جزءاً من مشهد التلاوة في مصر، وكان وجودهن أمراً مقبولاً، وليس مستنكراً من المستمعين، لكن بحلول عام 1940 صدر قرار مفاجئ بمنع النساء من القراءة في الإذاعة والاقتصار على المشايخ الرجال، على رغم أنهن كن ذوات أصوات قوية وقراءة صحيحة وبعضهن كن ذائعات الصيت، ولهن.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 5 ساعات
منذ ساعة
منذ 44 دقيقة
منذ 3 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 7 ساعات
سكاي نيوز عربية منذ 3 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 7 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 12 ساعة
أخبار الأمم المتحدة منذ 18 ساعة
سكاي نيوز عربية منذ 14 ساعة
قناة العربية منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 4 ساعات
قناة العربية منذ 13 ساعة