في مدينة الفجيرة، حضرتُ المؤتمرَ الفكري الهام حول المواطَنة والآخر والوجود الإنساني الذي نظمته جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية وبيت الفلسفة، الأسبوع الماضي. ولا شك في أن هذه الإشكالية هامة ومحورية، وبقدر ما توجه النظرَ لإشكال فلسفي أساسي تحيل إلى رهان أساسي من رهانات الوضع العربي الحالي، حيث نعيش في مناطق عديدة انهيارَ الدولة المركزية وتراجعَ معايير المواطَنة والغيرية المتسامحة.
وليس من الغريب أن تحتضن دولة الإمارات مثل هذا النشاط الفلسفي الأساسي، باعتبار تجربتها الرائدة في الهندسة السياسية وما تقوم عليه من توطيد وشائج المواطَنة وتكريس قيم السلْم الأهلي والتسامح الثقافي والاجتماعي. ذلك ما أوضحته الكلمةُ الفلسفية المتميزة التي افتتح بها مديرُ جامعة محمد بن زايد الدكتور خليفة الظاهري أعمالَ الندوة، مستلهماً الجدلَ الفكري الكثيف حول الغيرية في مناحيها المختلفة المتعلقة من جهة بالوضع الوجودي للإنسان، ومن جهة أخرى بالهوية المدنية في مجتمع متضامن تتأسس فيه رابطة المواطنة الفاعلة.
ولا يمكن فصل هذا الجدل الفلسفي عن السياق السياسي العربي الراهن، الذي يشهد - كما بين الظاهري - تنامي أفكار التطرف الديني التي حولت الإسلام إلى أيديولوجيا سياسية تتعارض مع نموذج الدولة المركزية وقيم المواطنة. في الندوة قدمت أبحاث هامة، ركز بعضها على الأسئلة المحورية التي يطرحها تحدي الغيرية على الوعي الذاتي (ثنائية الوجود والاختلاف التي شغلت الفلاسفة المعاصرين من هيغل إلى تشارلز تايلور)، وركز البعض الآخر على العلاقة الإشكالية المعقدة بين مقتضيات الهوية الجماعية المتضامنة وآليات ومسالك ضبط التعددية القيمية والمجتمعية داخل الدولة الوطنية وفي السياق العالمي الأوسع.
وقد بدا لي من الضروري النظر إلى إشكالية المواطنة والغيرية في مستويات ثلاثة متمايزة: المستوى الأول: يتعلق بفكرة المواطَنة ذاتها، والتي عادة ما تختزل في منطق الولاء للدولة السيادية المركزية التي هي النمط الحديث لتدبير الحقل السياسي. ووفق التحديدات التي تعود إلى فيلسوف الحداثة السياسية هوبز، تتأسس فكرة المواطَنة على سردية الخروج من حالة الطبيعة الفوضوية التي هي حالة الحرية المجردة المطلقة (لكن المستحيلة عملياً) إلى الوضع المدني الناتج عن اختيار إرادي لكنه يفضي بالضرورة إلى إلغاء الحقوق الطبيعية الأصلية......
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية
