ثلاثة أسابيع في السجن جعلت من ساركوزي كاتباً تراجيدياً

من يواكب المشهد السياسي في فرنسا، لن يُفاجأ بإقدام رئيس فرنسي على نشر كتاب بين الفينة والأخرى، فذلك يندرج ضمن تقليد فرنسي، تتداخل فيه السياسة بالثقافة، ويغدو فيه الحدث الثقافي، في أحيان كثيرة، على قدرٍ مماثل من الأهمية للحدث السياسي نفسه.

كثيراً ما تتشابك الممارسة السياسية مع الحياة الفكرية، وخير مثال على ذلك مذكّرات الرئيس التاريخي لفرنسا، الجنرال شارل ديغول، وكُتب زعيم اليسار خلال ولايتين رئاسيتين (1981–1995)، فرانسوا ميتران، المعروف بولعه بالأدب والكتابة. إذ تجاوزت هذه الأعمال حدودها السياسية الصرفة، لتغدو نصوصاً أدبية مكتملة، ذات قيمة فكرية وجمالية قائمة بذاتها.

لم يخرج الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، المنتمي إلى اليمين الجمهوري (2007–2012)، عن هذا التقليد. إذ سبق له هو الآخر أن نشر عدداً من الكتب. غير أن عمله الأخير، الصادر الأسبوع الماضي عن دار فايار تحت عنوان "يوميات سجين"، تحوّل إلى حدث سياسي وثقافي راهن. 

3 أسابيع في السجن

جاء هذا الكتاب بعد أن مكث لثلاثة أسابيع في السجن، كعقوبة مؤقّتة بانتظار البتّ في مرحلة الاستئناف، على خلفية اتهامه بتلقّي أموال من الخارج، لتمويل حملته الانتخابية الرئاسية. وهي سابقة تاريخية في فرنسا، شطرت الرأي العام إلى معسكرين، وأثارت سيلاً من الجدل والكتابات والتعليقات التي ما تزال متواصلة حتى اليوم.

بالنسبة إلى قارئ غير فرنسي، يقدّم الكتاب صورة مغايرة عن فرنسا، وعن الحياة السياسية فيها، وعن بعض صانعيها في المرحلة الراهنة. وقد يستوقفه البعد الحكائي الذي يظلّ في مجمله، من دون مفاجآت كبرى، ويميل إلى العادية. 

غير أن صدور الكتاب بحدّ ذاته، يشكّل درساً بليغاً في قوّة الكتابة بما هي كتابة، وقدرتها على جذب الأنظار وإثارة ردود فعل متناقضة، ومتباينة إلى حدّ التنافر.

ويكفي دليلاً على ذلك أن جميع الصحف، ومعظم القنوات السمعية البصرية، تناولته بالنقاش والتحليل، على الصعيدين الفرنسي والأوروبي. فضلاً عن حملات التوقيع في المكتبات، التي تشهد إقبالاً غير مسبوق، بحضور نيكولا ساركوزي نفسه.  ففي النهاية، يبقى السياسي سياسياً، مهما تغيّرت الساحات وتبدّلت الأوضاع.

غلاف الكتاب - franceinfo.fr

اللجوء إلى الكتابة 

إن الاطلاع على الصفحات الخمسين الأولى من الكتاب، كفيل بأن يضع القارئ في حيرة. إذ تتجاور فيه ثلاث شخصيات متعاقبة في شخص واحد: السياسي أولاً، والسجين ثانياً، والكاتب ثالثاً. حالات ثلاث تمنح النص جاذبية ما، وتُكسبه شرعية الوثيقة التي يمكن الاستناد إليها في أي تحليل، لما جرى لمؤلِّفه وعلاقته بخصومه السياسيين.

ولعلّ هذا المقطع الوصفي دليل على ذلك: "كان عليّ أن أتعلم كيف أتعامل مع رتابة الوحدة والصمت تناولتُ إحدى الأوراق البيضاء التي كنت قد حملتها معي. جلستُ على الكرسي غير المريح أمام طاولة العمل الصغيرة. وللحظة، استحضرتُ في ذهني مكتب الجنرال ديغول الذي كان مكتبي طوال خمس سنوات في قصر الإليزيه. عظمة وانحدار!"

أضاف: "ثم وقعت المعجزة: جاءت الجملة الأولى، وتلتها جمل كثيرة. شرعتُ في كتابة مذكّرات سجين. كتبتُ لساعات طويلة، مرّ بعد الظهر سريعاً، وبفضل الكتابة تحرّرت، وتمكّنت من تجاهل كل ما كان يحيط بي".

شرع الرئيس الأسبق في الكتابة منذ اللحظات الأولى التي وطأت فيها قدماه الزنزانة الانفرادية، وكأنّ التذكير جاء منذ البدء: فالسجين هنا ليس شخصاً عادياً، بل رئيس دولة كبرى شغل، لسنوات، مكتب زعيم تحرير فرنسا من الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية. 

يتجلّى هذا المعطى في سياق وصفه لليوم الأول في السجن بملابساته كلها: مرارة الفراق عن الزوجة والأبناء، لحظة الاستقبال في سجن "لاسانتي" الذي يُودَع فيه أخطر السجناء، التجرّد القسري من كل ما هو ثانوي والاكتفاء بما يتيحه السجن. ثم اكتشاف الزنزانة، وبدايات العلاقة مع المسؤولين والحراس، وصولاً إلى أصوات الأبواب الموصدة والهمسات والصراخ التي تملأ الليل. كل هذا مع وجود حرّاس شخصيين في الزنزانة المجاورة.

خيار البوح 

اتّخذ.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من الشرق للأخبار

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من الشرق للأخبار

منذ 3 ساعات
منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ 11 ساعة
منذ 49 دقيقة
منذ ساعة
قناة العربية منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 16 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 10 ساعات
قناة العربية منذ ساعتين
قناة العربية منذ ساعتين
قناة العربية منذ 21 ساعة
قناة العربية منذ 5 ساعات
قناة العربية منذ 16 ساعة