"الست".. بين حدود الإبداع وسقف الشجاعة

منذ سنوات طويلة لم يثر فيلم مصري قدر الجدل الذي أثاره فيلم "الست"، حتى قبل أن يبدأ عرضه بأيام وأسابيع، ومنذ طرح الملصق الدعائي للفيلم، ثم عقب عرض "الإعلان التشويقي" trailer، وهو جدل مال إلى الانتقاد والسخرية في البداية، ثم سرعان ما تحول إلى موجة من الإعجاب والتقدير عقب سلسلة العروض الخاصة التي بدأت في مهرجان "مراكش"، ثم في مصر؛ جدل شابه الكثير من الانفعالات والمبالغات وحتى الاتهامات المتبادلة، مع أنه، في الأول والآخر، مجرد فيلم يحمل خيال ووجهة نظر صانعيه، حتى لو كان "مستوحى من حياة أم كلثوم"، كما تقول عناوينه.

مجرد فيلم

الجدل الذي أثاره فيلم أم كلثوم، كان متوقعاً، وأثار موضوع الفيلم وإنتاجه الضخم وأسماء نجومه، شهية الجمهور للإقبال على مشاهدته رغبة في الاستمتاع به أو من باب الفضول والمشاركة في الجدل.

وكل هذا يجعل من الصعب على المرء أن يتجرد من تصوراته وأفكاره وانحيازاته العاطفية تجاه اسم أم كلثوم، ليكتب تحليلاً أو تقييماً محايداً ومنصفاً للفيلم، كفيلم، لا يزيد أو يقل عن غيره من الأفلام التي تنتج وتعرض يومياً، من بينها الصالح والطالح، الجيد والرديء، العابر مثل نفخة هواء لا وزن لها، والباقي لا يمحى بمرور الزمن.

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً

صناع فيلم "الست" لــ"الشرق": لا ننافس أعمال سابقة عن أم كلثوم

تحدث صناع فيلم “الست” للمخرج مروان حامد، وبطولة منى زكي، وكتابة أحمد مراد، لـ"الشرق" عن العمل بعد عرضه العالمي الأول ضمن فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.

هل يمكن بالفعل تحليل ونقد فيلم "الست" بعيداً عن الشخصية الحقيقية (وفقاً لما يتوفر من مواد ومراجع عنها)، أو بعيداً عن التصورات "الأسطورية" الشائعة حولها؟ وبالمناسبة هذه الأسئلة تتكرر مع كل عمل يتناول سيرة أي شخصية تاريخية أو فنية أو سياسية أو دينية أو حتى رياضية، حتى باتت تشكل عائقاً نفسياً وذهنياً أمام الدراما التاريخية والسيرة بشكل عام.

لذلك كله حاولت خلال الأيام الماضية الابتعاد بقدر الإمكان عن متابعة الجدل الدائر حول فيلم "الست". وذهبت لمشاهدته في عرض صباحي هادئ قليل المشاهدين، وقلت لنفسي وأنا أجلس في انتظار بدء عرض الفيلم: سأنحي جانباً أي معلومات أعرفها أو مشاعر أكنها تجاه "الست" وعصرها، وأفترض أنني أشاهد فيلماً عن مغنية لا أعرف عنها شيئاً كانت تعيش في زمن آخر في بلد أجنبي.

بداية مبشرة

مع توالي اللقطات الأولى من الفيلم، يضعنا المؤلف أحمد مراد والمخرج مروان حامد أمام لحظة درامية مشوقة؛ عقب حرب 1967 بين العرب وإسرائيل تقرر أشهر المغنيات العربيات أن تحيي حفلاً ضخماً على أكبر مسارح باريس في فرنسا، ضمن جولة يخصص دخلها للمجهود الحربي وإعادة التسليح في بلدها.

يحتشد الآلاف من العرب والفرنسيين وجنسيات أخرى، منهم زعماء وسياسيون وشخصيات عامة، ومنهم يهود من أصل عربي، كما يشدد الفيلم، وبينما يموج المسرح بمشاعر الحماس والترقب، ويصيح الحاضرون باسم المغنية، ويهتف بعضهم بشعارات سياسية، ما يوتر الأجواء، ووسط كل هؤلاء يتحرك شاب غامض، مثير للريبة بسلوكه وملامحه المستفزة، ليهجم على المسرح فجأة، ويتسبب في سقوط المغنية. 

مع صدمة الارتطام بالأرض وهلع الحاضرين يبدأ "فلاش باك" بطول الفيلم، إذ يفترض أن تدور معظم الأحداث في ذهن البطلة خلال الثواني الفاصلة بين سقوطها ونهوضها لاستكمال الحفل من جديد.

استهلال بارع واختيار موفق للحظة البداية، يمهد لدراما صعود تتخلله الصعاب ومحطات من التعثر والنهوض مجدداً، وصولاً إلى اكتمال رحلة البطل المتوج بالخلود.

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً

أحمد مراد لـ"الشرق": منى زكي الأنسب لشخصية أم كلثوم.. و"الست" استغرق 5 سنوات

رأى الكاتب أحمد مراد، أن الفنانة منى زكي، هي الأنسب لتقديم شخصية أم كلثوم، في فيلمه الجديد "الست" للمخرج مروان حامد، المقرر طرحه في دور العرض خلال 2025.

يأخذنا الفيلم عبر مشاهده التالية (وحتى منتصف زمن عرضه تقريباً) إلى فصول مختارة بعناية من مسيرة "الست"؛ من طفولتها المحكومة بالشقاء والاستغلال، إلى الفتاة التي تبدأ في إدراك موهبتها وأنوثتها وذاتيتها، وتسعى للاستقلال، والتي تكون قد اشتد عودها، وصلبت قامتها حتى تتحمل الشائعات والصراعات والضربات تحت الحزام، وتنجح، رغم أصولها المتواضعة، في أن تصبح واحدة من أشهر وأقوى نساء الشرق كله.

ينبني الفيلم، إذن، حول لحظة يفترض أن تدور الدراما دائرتها الكاملة حولها، وقد تكشف لنا من الحوادث الدرامية، ما يجعلنا أكثر فهماً وامتلاءً وجدانياً، حين نعود لنرى اللحظة نفسها مجدداً؛ هذا البناء الدرامي المألوف، الذي يختار ذروة صعود، أو سقوط، أو موت البطل، يفترض أن تكون هذه اللحظة مثل الخيط الذي يربط الأحداث معاً ويوضح مغزى الدراما وهدفها؛ وعلى مدار ساعة وثلث الساعة تقريباً، من زمن الفيلم الذي يصل إلى 160 دقيقة، يصحبنا صناع الفيلم بتتابع درامي منطقي وبطلة تتشكل أمامنا بوضوح، محاطةً بشخصيات وبيئة عائلية وعامة مهيأة أحياناً، وعدائية أحياناً، لكنها تساهم في الحالتين في تشكيل هذه البطلة، وتنجح منى زكي خلال هذه الفترة من زمن الفيلم أن تفهم وتتقمص وتؤدي شخصية الفتاة الموهوبة التي تكتشف قوتها، وتتمرد على وضعها وأبيها لتصبح رمزاً ومثالاً لجيل وزمن وتاريخ بلد؛ وبشكل عام يجيد مروان حامد قيادة فريق ممثليه وعناصر الفيلم الفنية خاصة التصوير والمونتاج، على الرغم من كثرة استخدام الموسيقى مرتفعة الصوت التي لا تتوقف.

شجاعة مزدوجة

تتمحور الدراما خلال النصف الأول من الفيلم حول العلاقة المركبة بين أم كلثوم وأبيها، الذي يجسد دوره بإتقان سيد رجب؛ ومن حسنات العمل الطريقة التي يصور بها انتقال الفتاة الصغيرة من الطفولة للمراهقة، ومن الفقر المدقع للثراء، ومن الحياة الريفية الخشنة إلى نعومة حياة المدينة ومغرياتها، وبالأخص من التبعية الكاملة لعالم الأب القديم، إلى الاستقلال والوعي بالذات والقيمة الفردية.

هذه الفكرة هي أجمل ما في فيلم "الست" والتعبير الأكثر نضجاً عن موضوعه وعن مغزى وتأثير هذه المرأة القوية الشجاعة على حياة المصريين والعرب خلال القرن العشرين، ويحسب لصناع العمل جرأتهم في تحدي الأعراف الدرامية وضغوط الرأي العام وإرهاب "المؤرخين" التي تحول معظم كتب ودراما السيرة إلى منشورات دعائية لجمهور من الأطفال، ويكفي أن نشير إلى كتاب نعمات أحمد فؤاد أو مسلسل أم كلثوم، كما يكفي أن نقارن بين ما كتبه طه حسين عن عائلته وحياته الجنسية في مذكراته "الأيام" وبين ما ظهر في المسلسل المقتبس عنها.

 مثال مشابه هنا هو مشهد قيام أحد السكارى في ملهى البسفور برفع مسدسه في وجه أم كلثوم وأسرتها، في المسلسل الذي كتبه محفوظ عبد الرحمن وأخرجته إنعام محمد علي (1999) يهم والد أم كلثوم بضربها، فتنظر إليه بفزع ولوم وينتهي المشهد، بينما في فيلم "الست" يصفعها الأب بشدة، فتسقط على الأرض، وفي غرفتهم بالفندق تخبره بحزم ألا يضربها مجدداً، من الطريف أن صناع فيلم "الست"، وحتى يقطعوا الطريق على "حراس" التاريخ، يضيفون هنا مقطعاً مسجلاً لحوار تروي فيه أم كلثوم الواقعة، وتؤكد أن أبيها لم يكتف بصفعها في الملهى، ولكنه واصل ضربها طوال الطريق.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من الشرق للأخبار

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من الشرق للأخبار

منذ 11 ساعة
منذ ساعتين
منذ 5 ساعات
منذ ساعتين
منذ ساعة
منذ ساعتين
قناة العربية منذ 5 ساعات
قناة العربية منذ ساعتين
قناة العربية منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ 15 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 10 ساعات
قناة العربية منذ 16 ساعة
قناة العربية منذ ساعتين