مسقط في 15 ديسمبر 2025 /العُمانية/ في زمنٍ تتسارع فيه الصور وتتنافس الحكايات على لفت الانتباه، تبرز السينما الوثائقية العُمانية كنافذة هادئة تُطل على عمق المكان وثراء الإنسان. من جبال الحجر الشاهقة إلى سواحل بحر العرب، ومن الأسواق الشعبية إلى الحكايات المنسية في القرى، تتحول الجغرافيا العُمانية إلى لغة بصرية تنبض بالحياة.تعد الجغرافيا العُمانية بتنوعها الفريد، من السواحل الممتدة إلى الجبال الشاهقة والصحاري الواسعة، مادة خامًا غنية للسينما الوثائقية، حيث لا يقتصر دورها على كونها خلفية بصرية فحسب، بل تتحول إلى لغة سردية تُسهم في بناء الحكاية وتشكيل الإيقاع البصري للفيلم. وفي هذا السياق قال الدكتور محمد بن سليمان الكندي، مخرج أفلام وثائقية وعضو الجمعية العُمانية للسينما: "إن التنوع المناخي الذي تمتلكه سلطنة عُمان يميزها عالميًّا، ويكسبها تنوعًا بيئيًّا؛ البحر والشجر والبشر والحجر ومدارات الشمس والقمر، كلها عناصر تنعكس على تنوعها الجغرافي المتفرد لتصبح مادة سردية بصرية ثرية للأفلام الوثائقية من خلال التقاء الصحراء ذات الرمال الناعمة المتناغمة في الألوانبالبحر الذي بدوره يتناغم من الجهة الأخرى مع الجبل الذي تتشكل عليه التضاريس الطبيعية من كهوف وسهول ووديان والتضاريس الحضارية التي صاغها المعمار العُماني.وأضاف الكندي: "بلا شك، تعد هذه الموجودات إحدى أهم أدوات صناعة الفيلم الوثائقي، فهي عناصر بناء الحكايات التي تمنح العمل أصالة وعمقًا."ووضح أن الموقع الاستراتيجي لسلطنة عُمان من الجهة البحرية يعد مكونا ثقافيًّا بحد ذاته، حيث يمتد الساحل العُماني لأكثر من 3165 كيلومترًا، وهو ما يوجد ثراء في تبادل الثقافات الشرقية والشمالية والجنوبية. وبين أن هذه السواحل شكلت عبر التاريخ ملاذًا آمنًا للسفن المرتحلة من الشرق إلى الشمال ومن الشمال إلى الغرب مخترقة الجنوب، وهذا هو أحد أهمالعوامل التي أسهمت في نقل الثقافات العربية والأجنبية المحملة من الهجرات الراسية في سواحل سلطنة عُمان.وأكد الكندي على أن إدماج الصورة البحرية مع الصورة الصحراوية يشكل رمزًامتفردًا لسلطنة عُمان، خاصة إذا تكاملت الصحراء مع واحات النخيل الباسقات لتشكل جماليات بصرية متفردة للسينما الوثائقية العُمانية، وينسج من خلالها الموروث المرتبط بالبحر والسفر، لتحاك قصص وحكايات جديدة تعكس الهوية العُمانية.وبين أن الصحراء ذاتها تشكل قصصًا متفردة لحياة الإنسان في سلطنة عُمان تضفي على الأفلام الوثائقية العُمانية ترفًا في الجمال البصري والسرد القصصي، تتجلى في مشاهد البر والبحر والسهل والجبال، وأن الحضارة العمانية التي صاغها الأجداد أصبحت واقعًا وصورة بصرية أخاذة في حاضرنا ليصاغ منها تاريخ آخر تحكيه الأجيال في المستقبل، لاسيما أن السينمائي العُماني يتمتع بثقافة عالية تؤهله لصياغة أعمال ذات مشتركات ثقافية وأدبية وتكنولوجية متطورة، ما يمكنه من عرض منتجاته عبر المنصات العالمية والمحلية وفق لغة سينمائية حديثة.وفي سياق الحديث عن المدى الذي تعكس فيه الأفلام الوثائقية العُمانية الموروث الثقافي والحضاري، من العادات اليومية إلى الحرف والفنون، وعن مدى استطاعة المخرج الوثائقي الموازنة بين الأصالة المحلية والطرح الإنساني العالمي في السرد، قال الدكتور رشيد بن عبدالله اليافعيعضو مجلس إدارة الجمعية العُمانية للسينما ومخرج أفلام وثائقية:إن الأفلام الوثائقية العُمانية تتميز بارتباطها الوثيق بالبيئة الطبيعية والإنسان، فهي ليست مجرد إنتاج بصري، بل جزء من مشروع ثقافي أوسع. فهي تستند إلى قضايا واقعية وبيئة خصبة لصنّاع الأفلام، حيث تحضر الهوية بشكل كبير سواء في عرض الممارسات التقليدية أو في توثيق الموروث الثقافي، وذلك استجابة لضرورة الحفاظ على الإرث وإظهاره بالصورة الجمالية المتكاملة التي تبرز عمق التجربة العُمانية الممتدة عبر قرون، وتعيد تشكيل الانتماء والذاكرة وتسويقها للعالم بلغة بصرية تجذب المشاهد ليبحث بنفسه عن الفسيفساء المكوّنة لهذا التنوع الفريد من الإنسان والمكان.وأكد أن الأفلام الوثائقية العُمانية تُظهر درجة كبيرة من الارتباط بالموروث الثقافي والحضاري، إذ تركز على الإنسان في تفاعله مع المكان وعلى تفاصيل الحياة اليومية التي تحمل في جوهرها دلالات عميقة عن الهوية. وحين يقدم الفيلم الوثائقي الإنسان بوصفه شخصية تتعامل مع تحديات الحياة وتحمل مشاعر وآمالًا وقصصًا إنسانية، يصبح قابلًا للفهم عبر مختلف الثقافات من خلال السرد البصري واستخدام لغة سينمائية تمنح الفيلم خصوصيته المحلية وتجعله جاذبًا للمشاهد الخارجي. وبهذا يصبح الفيلم قادرًا على تقديم ذاته بوصفه خطابًا إنسانيًّا دون أن يفقد هويته التي تمثل روحه.وأوضح أن المشهد العُماني يمتلك ثراءً بصريًّا يمكن للمخرج الوثائقي تحويل العديد من عناصره إلى رموز جمالية تُسهم في تعريف العالم بسلطنة عُمان ثقافيًّا وسياحيًّا، حيث تكمن هذه الرموز في تفاصيل الذاكرة البصرية التي تثير فضول المتلقي العالمي. فهذا الإرث ليس مجرد موضوع للتصوير، بل هو هوية حضارية وبصرية متعددة الأبعاد تدمج بين الأصالة وتطرح الإنساني باستخدام جماليات المكان والعناصر الثقافية التي يستطيع الفيلم الوثائقي أن يحولها إلى جسور ثقافية تعرّف العالم بسلطنة عُمان، وتُرسخ صورة حضارية غنية تستند إلى تاريخ عريق.وبين أن الفيلم الوثائقي العُماني برز من خلال تلفزيون سلطنة عُمان منذ أوائل السبعينات، حيث كان له أثر كبير في المشهد الوثائقي عبر أفلام مختلفة الموضوعات شكّلت الرافعة الأكثر حضورًا في هذا المجال، وشاركت العالم حضارة عُمان وإرثها الثقافي من خلال المهرجانات الدولية. كما أضاف أن الجمعية العُمانية للسينما شكّلت تحولًا فريدًا في المشهد الوثائقي، وجعلت منها الوجهة الأولى لرعاية المواهب السينمائية وتنمية شغف الشباب في مجال صناعة الأفلام، وذلك عبر تبني الكثير من صنّاع الأفلام وانتشار أعمالهم داخليًّا من خلال مهرجان مسقط السينمائي الدولي ومهرجانات المحافظات، وخارجيًّا عبر المشاركة في مهرجانات عربية ودولية نقلت الهوية والثقافة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من وكالة الأنباء العمانية
