رغم أن الأطوار الأخيرة من دعوى مولاي هشام ضد اليوتوبر رضى الطاوجني، والتي تم تأخير البت في ملفها بعدما تم تأجيل الجلسة استجابة لطلب تقدّم به دفاع المشتكى به، اتسمت بـ طابع سلبي على حد قول النقيب الجامعي، محامي مولاي هشام، إلا أن خرجة الأمير كانت موفقة أمام المحكمة، في تصريح مقتضب حول النيابة العامة التي حمته من القذف والتشهير والسب الذي تعرض له طيلة عشرين سنة ، مع اعتبار أن ما يقع ما هو إلا جزء من ضريبة الديمقراطية ..
من هنا يجرنا الحديث حول الديمقراطية ، انطلاقا مثلا من قضية المهداوي ومدى قدرة النميمة داخل القاعات( )، والبراعة في اختلاق التهم لكل من يفسد المخططات( )، أو يفضح المناورات، حتى عرفنا وفهمنا إلى أي حد بإمكان الواحد تقطيع الآخر إربا إربا.. فقط إن لم يكن متفقا معه، وكيف يمكن لـ الكروش الضخمة وأصحابها، ممارسة تقنية الصبع من تحت الجلابة خوفا فقط من رد الضربة بمثلها.
نحن نؤيد تصريح مولاي هشام الأخير حول آرائه تجاه الديمقراطية.. لكن ماذا نعمل بديمقراطية أصبحت فراشا وغطاء لحالة تمارس فيها النخبة المحظوظة، الدخول إلى كل ملعب مرغوب فيه( )؛ هذه الكلمة الغير عربية التي نختارها كمهرب نسلكه كلما تعظمت مشاكلنا.. فباسم الديمقراطية يريدون الحكومة لوحدهم، وباسم الديمقراطية يريدون حرية التعبير لوحدهم، وباسم الديمقراطية يريدون الميزانيات لهم، وباسمها القروض لشركاتهم.. فأي ديمقراطية هاته يا مولاي هشام؟ وحتى إذا جاءتنا الديمقراطية في حلة بهية تراودنا إلى حد أن تشبثنا بها بطريقة أزلية لا محيد عنها، فلأن أملنا كبير فقط في أن يكف يوما مذهب الذين يعتقدون أنها من حقهم وحدهم، ويأتي جيل مقتنع تماما بأن الديمقراطية من حق الجميع.
كم من فضيحة شاهدناها ودُفنت..؟ كم من قضية عشناها وحُجِبت..؟ كم من ملفات سمعنا عنها وسُتِرت..؟ كم من حالة كانت استقالة واحد فيها دواء لداء العديدين؟ وكم من مرة طالب الشعب مسؤولا بالاستقالة لأنه لم يحسن تعاملا أو تسييرا؟ ومع ذلك، لم نر ولو حالة استقالة واحدة في أي منصب كان، منذ استقلال المغرب إلى اليوم.. لكن كما أن الزمان ينصح سارق الصومعة بأن يحفر لها بئرا ، فالديمقراطية لن تمد أحضانها كاملة للمغرب، وستظل ممارستها ضعيفة لدى الإنسان المغربي، ونغمة الهيمنة والتسلط تزغنن في الدماغ المغربي، ما دام أن أي وطني لم يتناول بها جرعة الاستقالة، ولم يفهم أي سياسي محترم( ) بأن الاستقالة عنصر أساسي من عناصر التعامل الإنساني مع المسؤولية..
وحتى لا نتيه في دهاليز الفلاسفة الذين اختلفوا قبلنا حول جدوى الديمقراطية.. فلا ديمقراطية دون استقالة.. وحتى الحسن الثاني، المقتنع بنفس النهج( )، نفسه راودته فكرة ربط الاستقالة بالديمقراطية، لكن سرعان ما عرف كيف يعزل حالة الملكيات من المعادلة بمنتهى الدهاء، قائلا في مذكراته: أرادت الملكة إليزابيث التقاعد لفائدة ابنها شارل، فقال الشعب أنه ليس لها الحق في التنازل، فنحن الذين نصبناها هناك ونحن الذين بعد الله يمكن أن نضع حدا لمهمتها.
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الأسبوع الصحفي

