آباء وأمهات يتحدثون عن أبناء في المراهقة أو الشباب، سلوكياتهم صادمة، اختياراتهم مقلقة، وشخصياتهم لا يفهمونها، او لا يعرفونها، وكأن أبناءهم تحولوا بين ليلة وضحاها من تلك المخلوقات الوديعة التي لا يزال الآباء يتذكرون فرحتهم لحظة ولادتهم، إلى كائنات غريبة لا يستطيعون استيعابها رغم أنهم يعيشون تحت سقف البيت ذاته، ويتحدثون اللغة نفسها، بل لربما كان بعضهم أقرب للنسخ الكربونية من أشكالنا وصفاتنا الجسدية، بل، ولعل الكثيرين من الآباء لا يدركون ذلك أو لا يريدون تصديقه، فهؤلاء الذين لا نفهمهم قد يكونون أقرب الناس لنا فكراً وطبعاً وسلوكاً.. ومزاجاً!
كلما شهدت حوارات من هذا النوع، يتبادر إلى ذهني دائماً سؤال واحد، أين كنتم عندما كانوا صغاراً، فما أعرفه هو أن الشخصية لا تُبنى في يوم وليلة، والسلوك لا ينبت فجأة كالفطر بعد المطر، بل هو نتاج سنوات من البناء البطيء، لبنة فوق لبنة، وتجربة تلو تجربة، وما نراه اليوم من سلوكيات مفاجئة هو في الحقيقة حصاد زرع قديم، بذور غُرست عندما كانوا صغاراً، ونمت في صمت بينما كنا مشغولين عنهم بالحياة ومتطلباتها.
أين كنا عندما كان الطفل يحاول أن يحكي عن يومه في المدرسة ونحن ننظر إلى الهاتف؟ أين كنا عندما كان يطرح أسئلة صعبة عن الحياة والموت والله والحب، فكانت إجاباتنا: «عندما تكبر ستفهم»؟ أين كنا عندما بدأت تظهر عليه بوادر الغضب أو الانطواء أو الكذب، فتجاهلناها معتقدين أنها مرحلة وستمر؟
نحن نعيش في زمن الأبوة والأمومة عن بُعد، نوفر لأبنائنا كل شيء إلا أنفسنا، ونملأ غرفهم بالألعاب لكننا نحرمهم حواراً حقيقياً، ونغدق عليهم الأموال لكننا نبخل عليهم بالاستماع الصادق، نحن نظن أن التربية هي توفير المأكل والملبس والتعليم، وننسى أنها في جوهرها عملية بناء علاقة عميقة تسمح لنا بمعرفة من هم أبناؤنا حقاً، ماذا يحبون، مم يخافون، بماذا يحلمون، ما الذي يؤلمهم، ومازلت أذكر صديقاً سألني منذ عقود عن لون بنتي المفضل فاستسخفت سؤاله، وإذ به يفاجئني برد لم أفهم قيمته إلا بعد حين، حين قال:
«إذا ما تعرف لون طفلتك المفضل.. فأنت لا تعرفها»!
هي تلك التفاصيل الصغيرة التي تتراكم أمامنا ولا نعيرها اهتماماً، وتلك الأيام التي تمضي ونحن نؤجل.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة القبس
