من يبني إفريقيا ومن يعرقلها: من يخدم القارة ومن يستخدمها؟

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في ظل التحولات المتسارعة التي تعرفها القارة الإفريقية، لم تعد السياسات الخارجية تُقاس بخطابها المعلن، بل بنيّتها الاستراتيجية ونتائجها الفعلية على التنمية والاستقرار الإقليمي. وفي هذا الإطار، يبرز اختلاف جوهري في الرؤية بين المغرب وبعض الفاعلين الإقليميين، خصوصًا في ما يتعلق بمفهوم الشراكة الإفريقية وحدودها.

المغرب: رؤية قارية قائمة على المصالح المشتركة

يعتمد المغرب، منذ سنوات، مقاربة تنطلق من اعتبار أن استقرار وتنمية إفريقيا شرط أساسي لتنميته الوطنية. لذلك، ركزت دبلوماسيته الاقتصادية على الاستثمار في قطاعات حيوية داخل القارة، مثل البنوك، الفلاحة، الطاقات المتجددة، التكوين المهني، والبنية التحتية.

هذه المقاربة لا تُقدَّم باعتبارها نفوذًا سياسيًا مباشرًا، بل كشراكة تنموية طويلة الأمد، تقوم على نقل الخبرة وبناء قدرات محلية. وهو ما يفسر قبولًا واسعًا للمشاريع المغربية في عدد من الدول الإفريقية، التي ترى فيها فرصًا حقيقية للنمو وليس أدوات صراع جيوسياسي.

من هذا المنظور، يبدو أن الرباط تراهن على إفريقيا قوية ومتكاملة، باعتبارها رافعة جماعية في مواجهة التحديات العالمية، لا كساحة تصفية حسابات إقليمية.

الجزائر: السياسة الخارجية بين الإرث الأيديولوجي والرهانات الداخلية

في المقابل، يشير عدد من المراقبين إلى أن السياسة الخارجية الجزائرية ما تزال، إلى حدّ كبير، أسيرة إرث أيديولوجي يعود إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث طغت اعتبارات الصراع الإقليمي على منطق التكامل الاقتصادي. ويُلاحظ أن جزءًا من هذا التوجه مرتبط بدور المؤسسة العسكرية في رسم الخيارات الاستراتيجية، ما جعل بعض الملفات تُدار بمنطق أمني سياسي أكثر منه تنموي.

في هذا السياق، يُطرح تساؤل جوهري حول ما إذا كانت بعض السياسات الإقليمية الجزائرية تخدم بالفعل مصالح الشعب الجزائري، أو مصالح الدول المجاورة، أو حتى الرهانات التنموية للقارة الإفريقية. فغياب مشاريع اقتصادية إقليمية كبرى، وضعف المبادرات الاستثمارية العابرة للحدود، يعكسان محدودية الرؤية الاقتصادية مقارنة بالخطاب السياسي المعلن.

الصراع بدل التكامل: كلفة إقليمية

يرى محللون أن استمرار التعامل مع المغرب من زاوية التنافس الصفري، ومحاولة تحجيم دوره الإقليمي، يعكس امتدادًا لتصورات تعود إلى مرحلة الرئيس الراحل هواري بومدين، حيث كان الصراع الجيوسياسي يُقدَّم على منطق التعاون المغاربي. غير أن هذا النهج، في سياق عالمي جديد، لا يبدو فقط متجاوزًا، بل مكلفًا اقتصاديًا وتنمويًا لدول المنطقة بأكملها.

فالرهان على إضعاف فاعل إقليمي بدل الاندماج معه، لا يؤدي إلى تعزيز السيادة أو التنمية، بل إلى تعطيل فرص النمو المشترك في فضاء يعاني أصلًا من هشاشة اقتصادية وتحديات اجتماعية عميقة.

إفريقيا بين نموذجين

تعكس التجربة المغاربية اليوم نموذجين مختلفين:

نموذج يراهن على بناء النفوذ عبر التنمية والشراكات الصادقة،

-،وآخر لا يزال يتعامل مع الجوار والقارة بمنطق الصراع والاحتواء السياسي.

وبين هذين الخيارين، تُطرح مسألة جوهرية: هل تحتاج إفريقيا إلى استراتيجيات تنافسية قائمة على الإقصاء، أم إلى مشاريع تكاملية تضع مصلحة الشعوب في صلب القرار السياسي؟

خاتمة

في عالم لم يعد يعترف إلا بالفاعلين القادرين على خلق القيمة، تبدو الدبلوماسية القائمة على المشاريع والاندماج القاري أكثر قابلية للاستمرار من تلك المبنية على الحسابات الأيديولوجية القديمة. ومن هذا المنطلق، فإن مستقبل المنطقة المغاربية، بل وإفريقيا ككل، سيُحسم بمدى قدرة قادته على تجاوز منطق الصراع، والانتقال إلى منطق التنمية المشتركة.


هذا المحتوى مقدم من جريدة أكادير24

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة أكادير24

منذ 34 دقيقة
منذ 22 دقيقة
منذ ساعة
آش نيوز منذ 7 ساعات
Le12.ma منذ 3 ساعات
آش نيوز منذ ساعة
2M.ma منذ 20 ساعة
هسبريس منذ 15 ساعة
هسبريس منذ 21 ساعة
موقع بالواضح منذ 14 ساعة
هسبريس منذ 14 ساعة