في آسفي، لست أدري لماذا يشوبُ حنيني إلى هذه المدينة بعض الأسى؟ كآبة تتلبّسني كلما جئت إلى هنا.
أحسّ أن هذه المدينة مُتخلّى عنها. حاضرة عريقة ظلمها الجميع: مسؤولوها، منتخبوها، وأبناؤها.
سألتُ الأديب المغربي الراحل إدمون عمران المليح مرّة: أنت ابن آسفي، و ولد باب الشعبة ، فلماذا كتبت عن الصويرة وعن أصيلة ولم تكتب كفايةً عن آسفي؟ .
قال لي: لأنها ليست مدينة كتابة. الصويرة مدينة كتابة، وأصيلة أيضا. أمّا آسفي..
فيا أسفي على آسفي
أكتب الآن من مقهى بسيدي بوزيد بعد جولة في المدينة.
تجوّلت قليلا في الجريفات وعزيب الدرعي ودوار الصّفا وقرية الشمس وجنان المستاري وتراب الصيني ثم توجّهتُ إلى شارع بناصر، الشارع الخلفي الموازي لشارع الرباط، حيث سينما الأطلس والمارشي وسوق السمك.
لم يتغيّر شيء.
كأنّنا يا بدر لا رحنا ولا جينا . نفس الرّائحة التي ظلت تلحُّ عليّ منذ الطفولة: رائحة الخبز، عطانة أحشاء السمك المرمية للقطط السّائبة، رائحة شبّاكية رمضان رغم أننا مازلنا في رجب، وروائح أخرى لا تأتيني إلّا هنا.
روائح غامضة ربما لها علاقة بـ(ماروك شيمي) وبما ينفثه هذا المركّب الكيماوي في هواء المدينة من سموم.
في آسفي، لا الكأس تسعف، ولا السّرد ينفع، فأينكم يا شعراء المدينة؟ لماذا تركتم روكسي يتيمة؟ لماذا غادرتم، كما لو في انسحاب جماعي من ساحة معركةٍ، شارِعَ الرباط؟
سلامًا من آسفي.. مدينة الأسف الكبير..
ورحم الله شهداء فيضانات حاضرة المحيط، فقد بلغ عددهم الآن 37 شهيدًا.
من (مدائن معلقة: تدوينات العابر)
*ياسين عدنان- آسفي / 16 يونيو 2012
هذا المحتوى مقدم من Le12.ma
