واصلت الجلسةُ العلمية الثالثة المقامة ضمن فعاليات الندوة الدولية الثانية، التي تنظمها دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم -تقديمَ نقاشات موسعة حول أثر الفتوى في ترسيخ القيم الأخلاقية وتحصين الهُوية في زمن العولمة.
وتناول الدكتور عمرو الورداني أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، وعضو اللجنة الاستشارية العُليا لفضيلة المفتي، خلال الندوة، العلاقة المركَّبة بين الوعي الحضاري والمرجعية الإفتائية، في سياق التحوُّلات الرقمية المتسارعة، من خلال مقاربة تحليلية فلسفية لمفهومَي المعنى والذاكرة الجمعية؛ بوصفهما ركيزتين متلازمتين في حفظ الهوية واستمرار الوعي التاريخي للمجتمع، بما يحُول دون تفكُّكه أمام موجات السيولة الثقافية واختلال المرجعيات.
وعرض أمينُ الفتوى بدار الإفتاء بحثًا بعنوان: "هندسة الأمن الحضاري للوعي: الإفتاء كآلية لترسيخ المعنى وحفظ الذاكرة الجمعية في زمن التحولات الرقمية"، أكَّد خلاله أن التحولات الرقمية لم تعد مجرد أدوات تكنولوجية، بل تحولت إلى قوة ضاغطة تُعيد تشكيل المجال الإدراكي للمجتمع، وتُسهم في تآكل قدرة الفرد على فهم ذاته وسياقه، بما يفتح المجال أمام اختزال الوعي واختلاله؛ وصولًا إلى احتلاله بأنماط معرفية عابرة للسياق الثقافي والحضاري.
وقدّم د. الورداني، تصورًا تأسيسيًّا لإعادة تموضع الإفتاء الرشيد، لا بوصفه ناقلًا للأحكام فحسب، بل باعتباره جهازًا حضاريًّا معنيًّا بترسيخ المعنى وصون الذاكرة الجمعية، عبر اشتباك واعٍ ومسؤول مع الفضاء الرقمي، وانطلق البحث من نموذج تحليلي يقوم على دراسة الوعي في ستة مستويات رئيسية: الذات، والسياق، والقدرات، والتهديدات، والآفاق، والأثر. باعتبارها إطارًا لفهم التحديات الإدراكية التي تُواجه المجتمعات في عصر السيولة الرقمية، وإعادة صياغة العلاقة بين المرجعية الشرعية والفضاء الرقمي العالمي.
كما ناقش التحوُّلَ من الإفتاء التقليدي إلى الإفتاء الحضاري، مستعرضًا آليات الفتوى في تثبيت المعنى داخل بيئة رقمية سائلة، ودورها في صون الذاكرة الجمعية وبناء الهوية، إلى جانب تحليل التحديات التي تواجه المؤسسات الإفتائية في البيئات الرقمية العابرة للحدود.
واختتم الدكتورُ عمرو الورداني، عرضَه بالتأكيد على مجموعة من التوصيات الاستراتيجية الهادفة إلى تفعيل الدَّور الحضاري للإفتاء في هندسة الأمن الحضاري للوعي؛ وذلك عبر صياغة سياسات عامة تُعنى بحماية الوعي المجتمعي، وتطوير أدوات عملية لبناء وعي قادر على مقاومة التفكيك الثقافي، إلى جانب تعزيز الشراكات المؤسسية والمجتمعية، وبناء منظومة متكاملة لقياس الأثر وتقييم الوعي، بما يدعم صمود الدولة ويعزِّز تماسكَ المجتمع في مواجهة التحوُّلات الرقمية المتسارعة.
وفي هذا الإطار، عرضت الدكتورة آمال عثمان محمد الجمل -مدرس العقيدة والفلسفة المساعد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بكفر الشيخ- بحثًا بعنوان: "تحديات الهوية الإسلامية في البيئة الرقمية: دراسة كلامية فلسفية في دور الخطاب الإفتائي المعاصر".
وتناولت خلال البحث الكيفية التي تشكَّلت بها الهوية الإسلامية عبر تفاعل العلوم الإسلامية وتكاملها، ولا سيما الفقه وعلم الكلام والفلسفة، موضحةً دَور هذه العلوم في بناء العقل الإسلامي وترسيخ ثوابته المعرفية، مع الإشارة إلى النماذج التأسيسية التي جمعت بين عمق النظر الفقهي والوعي الكلامي والفلسفي، مثل الإمامَين أبي حنيفة والشافعي.
كما ناقشت د. آمال التحديات النوعية التي تواجه الهوية الإسلامية في ظل العولمة الرقمية، وما تفرضه من تعدُّد مصادر الخطاب الديني وتباين التأويلات، بما قد يؤدي إلى ممارسات دينية دخيلة تُغيِّر من ملامح الهوية الإسلامية، وركَّزت على دَور الخطاب الإفتائي المعاصر في مواجهة هذه التحديات؛ من خلال الاستفادة من الإرث الكلامي.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من موقع مبتدا
