في لحظة ثقافية مشحونة بالأسئلة والرهانات، جاء ملتقى الوحدة الوطنية في دورته الأولى، الذي نظمته جمعية وشم للثقافة والفن، ليقترح على المشهد المغربي مسارًا مغايرًا للتفكير في الفن، لا باعتباره فعلًا جماليًا معزولًا، بل كقوة رمزية قادرة على إعادة صياغة الوعي الجماعي، وترميم جسور الانتماء داخل الوطن الواحد.
فالملتقى، الذي انعقد تحت شعار «من جماليات التعبير إلى قوة التأثير الفن في قلب الوطن»، لم يكن مجرد تظاهرة احتفالية، بل مساحة للتأمل في أدوار الفن داخل سياق وطني متحول.منذ الجلسة الافتتاحية، بدا واضحًا أن الرهان يتجاوز الشكل نحو الجوهر. ففي كلمتها، أكدت السيدة سناء الهداجي، رئيسة الجمعية ومديرة الملتقى، أن هذا اللقاء ليس محطة عابرة، بل خطوة واعية في درب ثقافي طويل، هدفه إعادة الاعتبار للفن بوصفه لغة جامعة، قادرة على استيعاب الاختلاف وتحويله إلى طاقة خلق وحوار.
وقد عبّرت عن امتنانها للداعمين وضيوف الشرف، معتبرة أن حضورهم يشكل اعترافًا رمزيًا بأهمية الثقافة في بناء المجتمعات المتماسكة.الملتقى جمع نخبة من المبدعين والمفكرين، الذين تقاطعوا حول سؤال محوري: كيف يمكن للفن أن يعكس الوحدة الوطنية دون أن يلغي التعدد الثقافي؟ في هذا السياق، تحولت النقاشات إلى مرايا تعكس غنى الهوية المغربية، بتنوع روافدها وتعدد تعبيراتها، من الفنون الشعبية إلى التجارب المعاصرة، ومن الذاكرة الجماعية إلى أسئلة الحاضر والمستقبل. لقد كان الفن هنا أداة تفكير، لا مجرد عرض، ومجالًا للمساءلة لا للاستهلاك.
ما ميز هذا الحدث هو إصراره على الربط بين الجمالي والوطني، بين الحس الإبداعي والمسؤولية الرمزية. فالفن، كما خلصت العديد من المداخلات، لا يكتفي بتجميل الواقع، بل يملك القدرة على مساءلته، وعلى بناء سرديات مشتركة تعزز الإحساس بالانتماء، في زمن تتنازع فيه الهويات وتتشظى المعاني.في المحصلة، يطرح ملتقى الوحدة الوطنية نفسه كإشارة ثقافية دالة على وعي جديد بدور الفن في المغرب: وعي يرى فيه قوة ناعمة قادرة على التأثير، وعلى فتح مسارات للحوار، وعلى ترسيخ قيم الوحدة دون مصادرة الاختلاف. ويبقى الرهان الحقيقي هو استمرارية هذا الزخم، وتحويله من حدث عابر إلى مشروع ثقافي متجدد، يرسخ مكانة المغرب كفضاء حي للفن، وللوحدة الوطنية القائمة على التعدد الخلاق.
هذا المحتوى مقدم من وكالة الأنباء المغربية
