عجيبٌ أمْرُ رئيس الحُكُومَة، وحزب رئيس الحكومة، والحُكُومَة، كامِلَةً، رغم أنَّ بَعْضَهَا لا يُصَدِّق جُلَّهَا، ويرى، صامتاً مُمْتَعِضاً، أنَّ ما يُقال غير الواقع، وواجِب التَّحفُّظ، فرض على هذا الواحِد أن يبقى صامتاً، رغم أنَّه في أكثر من مَرَّة، انْتَقَد، وقال ما قَالَه، دون أن يكونَ لَهُ رأي واضِح حول ما جرى في التعليم، وفي الصِّحَّة، وفي الاقتصاد، وفي التِّجارة، وفي الأمن المائِي، والأمن الغذائِي، والثَّرْوَة الحيوانيَّة. وإذن، فهذه حكومة سورياليَّة في تركيبتها، بل مُكَعَّبَة، مثل كائنات بيكاسو التي فيها ترى ملامح الإنْسان، لكن، بمُكَعَّبَاتٍ، فيها الخيال والاستهام، حين نراهُمَا بالواقع، لا نُصَدِّق بيكاسو، كما لن نُصدِّق رئيس الحكومة، رغم مسافة العلاقة بين الخيال الذي هو فَنّ، وواقع السَّياسة الذي هو تدلِيسٌ وتَغْلِيسٌ.
في آخِر تَجَمُّع حزبِيّ، عاد هذا الرئيس، وبِوَجْهٍ أحْمَر، كما كانت تقُول لِي والِدَتِي حِينَ أكْذِبُ، أو أُلْبِسَ الباطِلَ لِبَاس الحَقّ، ليَقُول لَنا جميعاً، دُون أيّ تَحَفُّظ، لقد تَمَّ الوفَاء بالالتزام الخَاصّ بإصلاح قِطَاع التَّعْلِم، وإعادة الاعتبار للأستاذ بالزيادة التي دخلت جَيْبَهُ، وأحْصَى عدد المدارس التي بُنِيَتْ في الوسط القَرَوِيّ، وما كان من نَقْل مدرسي، وأقسام داخلية، وغيرها من الأمُور التي هي أرقام، وأقوال، وهي مُجَسَّمَات سوريالية، أو تكعيبية، العبث فيها، هو اللَّوْنُ الطاغِي، وهو، مع الأسف، لونٌ وَرْدِيّ، لا يليق باللَّوْحَة التي يراها من هُم في داخِلِهَا، بغير ما هي عليه من لون في حقيقتها.
ونسأل هذا الرئيس:
ـ هل حين تربط الإصلاح بالزيادة في رواتب الأساتذة، تعني أنَّ مُشْكِل التعليم في رواتب الأساتذة، في الوقت الذي توجد في التَّعْلِيم طبقات من الأساتذة، وطبقات من الأطر، ووضعيات إدارية ووظيفية فيها حَيْفٌ وظُلْم، وسَطْوٌ على حقوق فئات
من هؤلاء، منذ سنوات لَم يُسَوَ شيء من ملفاتهم العالقة؟
ـ المدارس في البوادي، قُلْ لنا ما تكون، في بنياتها، وفي بنائها، وفي المساحات التي تشغلُها، وفي تجهيزاتها، وفي الشروط والظُّرُوف التي يعمل فيها الأساتذة، وينتقل فيها التلاميذ من الدُّوَار إلى القِسْم، أم قَرَّبْتُم الدُّوار من المدرسة، كما قال لنا وزير التعليم، ليدرس أبناؤنا في ظروف جَيِّدَة، والأسْتاذ «لَمْكَفَّس» بتعبير هذا الوزير العالم الجَهّبَذ النِّحْرير، ماذا فعلتُم به، وكيف تَسَلَّل إلى التعليم، وبأي الامتحانات، وفي أي الظُّرُوف، بل وبأي شهادة وتكوين. وهل الأقسام مُجَهَّزَة بِكُل الوسائل
التعليمية الأساسية، وبسخَّانات تَحْمِي التلاميذ والأساتذة من القَرِّ الشَِّديد الذي يُلَوِّح في الخَلاء بصفيره المُرْعِب؟
ـ وهل يعني هذا أنَّ الاحتجاجات التي عَمَّتْ المغرب بكامله، وكانت في الدواوير والجهات النائية، عن انحطاط التعليم
وانحطاط الصحة، والتَّغْطِيَّة الصِّحية، والوضع المُهْتَرِئ للمستشفيات، وسوء الاستقبال، والمُعاملات غير اللائقة، هذا كُلّه كذب وبُهَتان، وعدمية، وتَحامُل على إنجازاتكم العظيمة التي لم يعرف المغرب مثلها، وأنَّ الحقيقة ما تقُولُه الحكومة، لا ما يجري على الأرض من فساد وتبذير في تدبير التَّعْلِيم، وفي تبذير الصِّحَّة الأموالَ الطَّائِلةَ التي كان من الممكن أن تبنوا بها مدينة مدارس وجامعات، ومصحات ومستوصفات، بما لا يخطر لأحد في البال.
لا نقد، ولا اعتذار في كلام رئيس الحكومة عن الإخفاقات، والفَشَل في هذا المشروع أو ذاك، وفي هذا البرنامج أو ذاك، وهذه هي الحكومة السَّعِيدَة، التي في كَنَفِهَا يعيش الشعب السَّعِيد، والباقي، مجرَّد تضليل، وتَحامُل، لا غير!
هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى
