فلسطين.. حين يتحول ترميم التراث إلى مشروع اقتصادي يعيد القرى إلى الحياة

في ظل التحديات اليومية التي تواجهها القرى والبلدات الفلسطينية، يبرز نموذج مختلف للتعامل مع التراث العمراني، يقوم على اعتباره مورداً يمكن أن يسهم في الاقتصاد المحلي، وليس مجرد عنصر ثقافي محافظ عليه شكلياً، خلال مقابلة مع CNN الاقتصادية، شرحت الدكتورة سعاد العامري، مؤسسة مركز رِواق والفائزة بجائزة نوابغ العرب 2025 عن فئة العمارة والتصميم، كيف تحوّل الترميم إلى مسار عملي يهدف إلى دعم المجتمعات، وتحديداً الفئات التي تأثرت بفقدان الوظائف خلال العقدين الماضيين.

الترميم كوسيلة لخلق فرص العمل تؤكد العامري أن نقطة التحول كانت مطلع الألفية، حين فقد أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني مصدر دخلهم، في ذلك الوقت، لم يتعامل رِواق مع الترميم على أنه مشروع خاص بالمباني التاريخية أو بالمتاحف، بل اعتبره فرصة اقتصادية، ومن هنا جاء قرار إلزام المقاولين بتوظيف العمال من القرية التي يجري فيها العمل، ما أدى إلى دمج الترميم في الدورة الاقتصادية المحلية.

وأسهم هذا التوجه في خلق فرص عمل واسعة في القرى، فقد تمكن رِواق من ترميم 150 مبنى خلال فترة قصيرة، ثم أطلق مشروع خمسين قرية، الذي جمع بين الحماية العمرانية وتوفير وظائف إضافية وإعادة تدريب عدد كبير من الحرفيين الذين فقدوا أعمالهم.

تحديات ميدانية لا تعطل التنفيذ تشرح العامري أن وصول فرق العمل إلى المواقع لم يكن أمراً بسيطاً، بسبب الحواجز وكثرة المستوطنات، إلا أن المشروع استمر نتيجة الاعتماد الكبير على سكان القرى أنفسهم، ما حدّ من أثر القيود المفروضة على الحركة، وبهذا أصبح المجتمع المحلي عاملاً أساسياً في ضمان استمرارية المشاريع وعدم تعطّلها.

إحياء مواد البناء التقليدية والحرف المرتبطة بها أحد الجوانب التي ركز عليها رِواق هو استخدام المواد المحلية في عمليات الترميم، مثل الحجر، الطين، والبلاط المصنوع في فلسطين، وتوضح العامري أن هذا التوجه لم يكن فقط حفاظاً على الطابع العمراني التقليدي، بل وسيلة لإعادة تشغيل ورش محلية وإحياء حرف مهددة بالاختفاء، ما زاد من الأثر الاقتصادي للمشاريع.

تحسين البيوت من خلال نماذج تشاركية وبسبب استحالة تحويل المراكز التاريخية في القرى الفلسطينية إلى وجهات سياحية كبيرة بفعل الظروف السياسية، اتجه رِواق إلى التركيز على الاحتياجات المباشرة للسكان، أحد أبرز النماذج كان برنامج تحسين المساكن القائم على المشاركة، حيث يدفع السكان نصف التكلفة ويتكفل رِواق بالنصف الآخر، هذا النموذج، بحسب العامري، عزز قبول المجتمع لعمليات الترميم وضمن استدامتها.

المجتمع في قلب التجربة تقول العامري إن أحد التحديات في التعليم الهندسي في المنطقة هو غياب التدريب على العمل مع المجتمعات المحلية، غير أن تجربة رِواق أظهرت أن نجاح مشاريع الترميم يعتمد على مشاركة السكان، سواء في التنفيذ أو في تحديد الأولويات، وهذا جعل المشاريع أكثر واقعية وقابلة للتطبيق.

جائزة نوابغ العرب.. اعتراف بدور ممتد لعقود سلّط فوز العامري بجائزة نوابغ العرب 2025 الضوء على تجربتها المهنية الطويلة، وقد أشاد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بإسهاماتها في الحفاظ على التراث الفلسطيني وإعادة توظيف المباني التاريخية، مؤكداً أن العمارة تمثل جزءاً مركزياً من هوية الشعوب،

شاركت العامري في إعداد واحد من أكبر مشاريع التوثيق العمراني في فلسطين، والذي يضم أكثر من خمسين ألف مبنى تاريخي، كما قادت مشاريع لإحياء مراكز تاريخية عدة، منها القلب التاريخي لبيرزيت، وأسهمت من خلال كتبها وأبحاثها في توثيق أنماط البناء، المواد المستخدمة، وتحوّلات القرى الفلسطينية.

تعزيز حضور التجربة في المشهد العربي تأتي جائزة نوابغ العرب ضمن مبادرة تستهدف دعم العقول العربية المؤثرة مادياً ومعنوياً من خلال تقديم تمويل يسمح بتوسيع نطاق المشاريع، وبالنسبة لمركز رِواق، يمثل هذا الدعم فرصة لتعزيز برامجه، زيادة عدد القرى المستفيدة، وتطوير مسارات جديدة للتدريب وخلق فرص العمل.

توضح تجربة رِواق، كما عرضتها العامري في حديثها، أن التراث يمكن أن يلعب دوراً عملياً في التنمية، خصوصاً في البيئات التي تعاني من نقص الموارد، فالمباني القديمة باتت جزءاً من مشروع اقتصادي يوفر وظائف، ينعش الحرف التقليدية، ويمنح المجتمعات أدوات تساعدها على الاستمرار.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 3 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 20 دقيقة
قناة CNBC عربية منذ 18 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 4 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 14 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 8 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 21 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 4 ساعات