مجلس المنافسة: المغرب الأخضر أخفق في تحقيق الأمن الغذائي للحبوب

كشف مجلس المنافسة، في رأي تحليلي حديث حول السير التنافسي لسوق المطاحن بالمغرب، عن حصيلة مقلقة لسياسات الحبوب، خلصت إلى أن مخطط المغرب الأخضر فشل في تحقيق أحد أهدافه الاستراتيجية الكبرى، والمتمثل في تقليص التبعية للأسواق الدولية وتعزيز الاكتفاء الذاتي، رغم ما رُصد له من موارد مالية ومؤسساتية وُصفت بالضخمة.

التقرير، الذي يأتي في سياق دولي يتسم باضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع المخاطر الجيوسياسية والمناخية، يضع المغرب في موقع بلد مستورد بنيوي للحبوب، خصوصاً القمح اللين، حيث يحتل المرتبة السادسة عالمياً ضمن أكبر مستوردي هذه المادة الحيوية، بما يعكس هشاشة متزايدة في منظومة الأمن الغذائي الوطني.

إنتاج محدود وتبعية هيكلية

وبحسب معطيات مجلس المنافسة، فإن الإنتاج الوطني لا يغطي سوى أقل من نصف الحاجيات الداخلية، إذ لم تتجاوز نسبة تغطية الطلب خلال الفترة ما بين 2018 و2023 نحو 43 في المئة بالنسبة للقمح اللين، و59 في المئة للقمح الصلب، و69 في المئة للشعير، في حين تعتمد الذرة بشكل شبه كلي على الاستيراد. وبهذا، لا يتعدى معدل التغطية الإجمالي للحبوب 42 في المئة، مقابل 58 في المئة يتم تأمينها من الخارج.

وتُظهر الأرقام المسجلة خلال السنوات الأخيرة حجم هذا الاعتماد، حيث تراوحت واردات المغرب من الحبوب بين 50 و70 مليون قنطار ما بين 2019 و2023، مع تسجيل ذروة قاربت 70,23 مليون قنطار سنة 2022. في المقابل، ظل الإنتاج الوطني متذبذباً بشدة، منتقلاً من أكثر من 103 ملايين قنطار سنة 2021 إلى حوالي 34 مليون قنطار سنة 2022، قبل أن يرتفع نسبياً إلى نحو 55 مليون قنطار سنة 2023، دون أن ينعكس ذلك على تقليص ملموس للواردات.

حصيلة ثقيلة لـ المغرب الأخضر

ويُذكّر مجلس المنافسة بأن مخطط المغرب الأخضر ، الذي نُفذ بين 2008 و2020، خصّص عقد برنامج لسلسلة الحبوب خلال الفترة 2009 2020 بغلاف استثماري ناهز 29 مليار درهم، ساهمت الدولة فيه بحوالي 8 مليارات درهم. وكان الهدف المعلن هو رفع الإنتاج من 50 إلى 70 مليون قنطار، وتحسين المردودية، وتقليص واردات الحبوب بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة.

غير أن التقييم الذي يقدمه التقرير يُظهر أن هذه الأهداف لم تتحقق في بعدها الاستراتيجي المرتبط بالأمن الغذائي. فرغم تحسن المردودية من نحو 12 إلى 17 قنطاراً للهكتار بين 2003 و2019، فإنها ظلت دون المعدلات الدولية التي تتراوح بين 30 و50 قنطاراً للهكتار في عدد من الدول، ما يعكس محدودية الأثر الهيكلي للإصلاحات المنجزة.

ويربط التقرير هذا التعثر بعوامل متعددة، من بينها التقلبات المناخية، وضعف الإرشاد الفلاحي، وتجزئة الملكيات الزراعية، وصعوبات الولوج إلى التمويل والتكنولوجيا، خصوصاً لدى صغار الفلاحين، الذين ظلوا الحلقة الأضعف في سلسلة الحبوب.

هيمنة القمح اللين واختلال التنويع

ومن بين أعطاب السياسات الفلاحية التي توقف عندها مجلس المنافسة، التركيز شبه الحصري على القمح اللين، الذي يستحوذ على نحو 44 في المئة من المساحة المزروعة بالحبوب، مقابل 35 في المئة للشعير و21 في المئة للقمح الصلب. هذا التوجه، بحسب التقرير، أضعف تنويع المحاصيل، وحوّل الشعير والذرة تدريجياً إلى محاصيل علفية، ما زاد من هشاشة المنظومة الغذائية وقدرتها المحدودة على امتصاص الصدمات المناخية والسوقية.

كما سجل التقرير تقلص المساحات المزروعة بالحبوب من حوالي 5,1 ملايين هكتار سنة 2007 إلى نحو 3,67 ملايين هكتار في موسم 2022/2023، بفعل الجفاف من جهة، وتوجّه عدد من الفلاحين نحو محاصيل أكثر ربحية في إطار اختيارات المغرب الأخضر ، من جهة أخرى، وهو ما انعكس سلباً على القدرة الإنتاجية الإجمالية.

سوق الاستيراد وهيمنة الفاعلين الخواص

وفي ما يتعلق بالاستيراد، يشير مجلس المنافسة إلى أن المغرب اختار نموذجاً ليبرالياً نسبياً، تاركاً استيراد الحبوب في يد فاعلين خواص، خلافاً لبلدان مغاربية أخرى تعتمد احتكاراً عمومياً. هذا الاختيار أفرز سوقاً يهيمن عليها عدد محدود من المستوردين المنتظمين، الذين باتوا يشكلون مزودين لا يمكن الاستغناء عنهم بالنسبة للمطاحن، ما يجعل جزءاً حساساً من الأمن الغذائي الوطني رهيناً بسلوكهم التجاري، خاصة في فترات الأزمات وارتفاع الأسعار الدولية.

رهان المراجعة الاستراتيجية

ويخلص مجلس المنافسة، رغم تسجيله لبعض التحسن في مؤشرات المكننة واستعمال البذور المنتقاة وبرامج الدعم، إلى أن هذه الجهود لم تُترجم إلى قفزة نوعية في الإنتاجية أو إلى تقليص حقيقي لفاتورة الاستيراد. وهو ما يضع المغرب، بحسب التقرير، أمام رهان استراتيجي مفتوح، يتمثل في إعادة النظر في نموذج الحبوب، وتنويع المحاصيل، وتقوية موقع الفلاح الصغير، والحد من هيمنة القمح اللين، بما يحقق قدراً أكبر من السيادة الغذائية في مواجهة تقلبات المناخ والأسواق العالمية.


هذا المحتوى مقدم من أشطاري 24

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من أشطاري 24

منذ 14 دقيقة
منذ 19 دقيقة
منذ 11 ساعة
منذ 10 ساعات
منذ ساعتين
منذ ساعتين
2M.ma منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 5 ساعات
هسبريس منذ 15 ساعة
هسبريس منذ 7 ساعات
هسبريس منذ 4 ساعات
هسبريس منذ 6 ساعات
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 3 ساعات