غمرت مشاعر الأسى والحزن جموع أهل ينبع السعودية أمس، وهم يشيعون أشهر نادل في المدينة الساحلية على البحر الأحمر، بعد أن باغته القدر وهو يوزع الشاي مع البسمات على قاصدي "الكورنيش" في عربة "الفود ترك"، التي صارت أيقونة المدينة حياة النادل إسماعيل صبري ومماته.
LIVE An error occurred. Please try again later
Tap to unmute Learn more وقع ذلك، يوم هبت عاصفة مطرية، وبعثت الرعب في أرجاء المدينة، لكنها لم ترفع إلى السماء غير النادل الصبري، بفعل سقوط جدار، قصده ليحتمي به من هبوب المطر والرياح، ولكنه كان رسول أجل خفي.
راح ضحية الجدار إسماعيل، ومعه زائره من جبال إب اليمنية ابن أخيه "نصر" الذي جاء البلاد معتمراً وزائراً أعمامه في ينبع، فكانت تلك خطاه الأخيرة، في نهاية ظاهرها المأساة، وباطنها الرحمة والتوفيق، حين جاور عمه الذي أحب بعد طول فراق حياً وميتاً، "والحمدلله على كل حال"، كما ردد الأخ والعم الناجي خالد صبري قائلاً "رحل أخي شاباً، ترك أربعة صبية وديوناً، ومعه ابن أخي الذي جاء ليزورنا. كان حدثاً مروعاً، لكن هذا قدر الله".
"أثلج أهل ينبع صدري. كأن العزاء لهم جميعاً والفقيد لكل أب في المدينة وأخ. حديثهم الطيب عن أخي كان خير عزاء. غمروني بفضلهم ومشاعرهم. صاروا هم من يحكيني عن أخ أعرفه، وآخر يعرفونه أكثر مني، لا أدري هل أحزن على مأساتي أم أسعد لما أظهر الله بها من فضائل أخي. لله ما أخذ وله ما أعطى".
في مدينة تتنفس عبر بحرها ومينائها، وتعيش على تداخل القديم بالجديد، نشأ موقع صغير على الكورنيش اكتسب أهميته من عفويته: "جمرة الشاهي". كان يديره الأخوان "الصبري"، وقد أصبحا خلال سنوات جزءاً من تفاصيل المكان، تماماً كما أصبح ميناء ينبع جزءاً من حركتها الاقتصادية والاجتماعية عبر السنين.
الشاي الذي صار نقطة التقاء بدأ الشاب إسماعيل العمل في موقع بسيط على مقربة من البحر. ومع الوقت، لم يعد المكان مجرد نقطة بيع شاي على الجمر، بل محطة ثابتة لمرتادي الكورنيش الممتد، ومعه الحكايات والذكريات.
كانت أصوات الموج على ضفاف المدينة تُشكّل خلفية يومية للمشهد؛ وهالة السفن، وحركة الطرق المؤدية للميناء، والشاحنات، والعمال، والسياح الجميع مروا يوماً بـ"جمرة الشاهي"، بالعربة التي غدت عنوان المزاج والسعد والضيافة، ومن بعد رحيل حارسها الأمين، فاتحة الذكريات وباعثة الحنين.
يقول زيد الفيفي، أحد الزوار الدائمين "لم يكن الشاي وحده ما يجذب الناس. كان حضور الشاب جزءاً من هوية الكورنيش. معظم الناس معتادون على المرور هنا. المحطة كانت نقطة استراحة للكل، على بساطتها".
أسهم الموقع في خلق ارتباط اجتماعي غير معلن. أصبح نقطة التقاء الأضداد، بين شبان المدينة، وسائقين يعملون في الميناء، وعائلات تأتي للمتنزهات البحرية، وسياح يبحثون عن تجربة محلية بسيطة.
كانت العلاقة التي صنعها الأخوان الصبري الحي والراحل مع الناس قائمة على الودّ واحترام المكان. لا إلحاح في البيع، لا صخب زائد. فقط خدمة مستقرة وابتسامة جاهزة.
سلوك خلق نموذجاً غير متكلف لمعنى "الضيافة" في مدينة تجتمع فيها ثقافات عدة بحكم نشاط الميناء، الذي ترك بصمته على مفاصل التاريخ وحروب الألفية الماضية وتجارتها وزخم النهضة السعودية وبحرها الأحمر.
في حديث مالك العربة، وليد القرشي إلى "اندبندنت عربية" بطلب من الأخ المكلوم، يقول "مهما وصفت لك شخصية إسماعيل يبقى تعبيري قاصراً عن روحه، ومغزى نظراته وابتساماته، شخص يألف ويؤلف. حين فجعت بخبر وفاته فكرت في أخ شقيق، وليس صديق مهنة وعمل".
"ظننت أني بحكم علاقة العمل والعشرة والصداقة الوحيد الذي يحتفظ له بوافر التقدير والود الخاص، لكن ما إن أعلنت وفاته حتى صار كأنه ابن أهل ينبع وأخوهم أجمعين، رثاء وحزناً وتضامناً وتشييعاً. لقد ذهلت من كثرة الناس في جنازته كأننا في مسجد جمعة مكتظ بالمصلين في مكة أو.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية
