بيتهوفن.. عبقرية تحدت الصمم وغيرت وجه الموسيقى إلى الأبد

تحل اليوم ذكرى ميلاد لودفيج فان بيتهوفن، أحد أعظم عباقرة الموسيقى في التاريخ، الذي لم يكن مجرد مؤلف موسيقي، بل قائد ثورة فنية كسرت القوالب الكلاسيكية التقليدية، ومهدت لمرحلة جديدة في عالم الموسيقى، ورغم ابتلائه بالصمم في ذروة عطائه الإبداعي، ظل بيتهوفن قادرًا على تحويل المعاناة إلى إبداع خالد، ومعزوفات لا تزال حتى اليوم تحرك الوجدان الإنساني.

بدايات مبكرة وموهبة استثنائية

نشأ بيتهوفن في أسرة موسيقية؛ فجده ووالده كانا يعملان في الموسيقى، وبدأ تدريباته الأولى في سن الرابعة بدافع من والده. سرعان ما ارتبط بالموسيقى ارتباطًا وجدانيًا عميقًا، واعتبرها شغفًا متبادلًا، ما دفعه إلى إتقانها مبكرًا.

وفي 26 مارس عام 1778، أعلن والده عن أول حفل موسيقي لابنه، وكان لم يتجاوز السابعة من عمره، واتخذ بيتهوفن من الموسيقار النمساوي فولفغانغ أماديوس موزارت قدوة له، ليؤلف أولى مقطوعاته الموسيقية وهو في الثانية عشرة.

محطات قاسية صنعت الأسطورة

شكل عام 1787 نقطة تحول في حياة بيتهوفن بوفاة والدته، التي كانت أقرب أصدقائه، ما أدخله في حالة حزن عميق وأجبره على تحمل مسؤولية إعالة إخوته، ثم جاء عام 1791 ليشهد وفاة مثله الأعلى موزارت، قبل أن يعرض عليه الموسيقار جوزيف هايدن الانتقال إلى فيينا، عاصمة الموسيقى آنذاك، إيمانًا بموهبته بوصفه امتدادًا لعبقرية موزارت، وبعد عام واحد فقط، فقد والده أيضًا، دون أن يتمكن من حضور جنازته.

وفي فيينا، كرس بيتهوفن نفسه لدراسة الموسيقى على أيدي كبار موسيقيي عصره، وحقق شهرة واسعة كعازف بيانو، غير أن وفاة شقيقه كاسبر عام 1815 أدخلته في حالة اكتئاب حادة، لم يتجاوزها إلا بعد توليه حضانة ابن شقيقه كارل، بحسب كتاب Beethoven: Anguish and Triumph للكاتب جان سوافورد.

حب بلا اكتمال

عرفت حياة بيتهوفن العاطفية خيبات متتالية؛ فقد أحب المطربة ماجدالينا فيلمان عام 1795، وكتب لها رسالة بعنوان «إليكِ يا حبيبتي الخالدة»، وعزف لها مقطوعة Adelaide، لكنها رفضت الزواج منه. ثم تعلّق بأنطوني برينتانو، التي رفضته بدورها لعدم انتمائه إلى طبقة النبلاء.

الصمم بداية أعظم الإبداعات

في سن السادسة والعشرين، بدأ بيتهوفن يفقد سمعه تدريجيًا عام 1796، مصحوبًا بطنين حاد جعله يتجنب التواصل الاجتماعي. ورغم غموض السبب الطبي، رجّح الأطباء إصابته بالتيفوس أو أحد أمراض المناعة الذاتية. وفي رسالة مؤثرة عام 1801، عبّر عن معاناته النفسية، قبل أن ينتقل عام 1802 إلى ضاحية هيلنستات قرب فيينا، حيث راودته أفكار الانتحار، لكنه قرر في النهاية مواجهة مصيره.

وبحلول عام 1814 فقد سمعه تمامًا، واستخدم «دفاتر المحادثة» للتواصل، إلا أن هذا الصمت لم يمنعه من الإبداع، بل كتب خلاله أعظم أعماله، وعلى رأسها السيمفونية التاسعة، التي لم يسمع منها نغمة واحدة.

تصفيق لا يُسمع وخلود لا ينتهي

عند العرض الأول للسيمفونية التاسعة عام 1824، وقف الجمهور يصفق بحرارة خمس مرات متتالية، ولوّحوا بالقبعات والمناديل، ليشاهد بيتهوفن مظاهر الإعجاب التي لم يعد قادرًا على سماعها.

رحل بيتهوفن، لكنه بقي رمزًا لإرادة لا تنكسر، ودليلًا على أن الموسيقى ليست مجرد أصوات تُسمع، بل مشاعر تُكتب، وتُخلّد في ذاكرة الإنسانية.


هذا المحتوى مقدم من بوابة دار الهلال

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من بوابة دار الهلال

منذ ساعتين
منذ 50 دقيقة
منذ 50 دقيقة
منذ 50 دقيقة
منذ 50 دقيقة
منذ 51 دقيقة
صحيفة المصري اليوم منذ 12 ساعة
صحيفة اليوم السابع منذ 9 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 13 ساعة
مصراوي منذ 3 ساعات
بوابة الأهرام منذ 17 ساعة
صحيفة اليوم السابع منذ 13 ساعة
صحيفة اليوم السابع منذ 3 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ 7 ساعات