ليست القصة في إيران اليوم مجرّد صراع على السلطة أو على الشارع. وفق تقرير Foreign Policy، هناك تحوّل أعمق.. صراع على "المعنى"، من يعرّف المقدّس؟ ومن يملك لغة الأخلاق التي تُقنع الناس بالشرعية؟
وفي وقت تُظهر الدولة قبضتها الأمنية، وتُشدّد على تفاصيل الحياة اليومية، تُقدَّم إيران خارجياً، وفق TehranTimes، بوصفها "قلباً أخلاقياً" لخطاب عالمي صاعد بعد حرب غزة.
فبين الداخل والخارج.. تتشكل مفارقة واحدة: أخلاق الدولة في مواجهة أخلاق المجتمع.
يرى تقرير Foreign Policy أن إيران ما زالت قادرة على السيطرة "المادية" عبر الأجهزة الأمنية وشبكات النفوذ، لكنها لم تعد تتحكّم بـ"الكون الرمزي" الذي كان يرسّخ شرعيتها.
خلال 15 عاماً، تشكّل تدريجياً ما يسميه التقرير "ديناً مدنياً" قاعدياً لا يقوم على "التضحية الثورية"، بل على ثلاثية: الكرامة، استقلالية الجسد، وقول الحقيقة، حتى عندما تكون الحقيقة عن ضحايا الدولة.
من "شهيد الدولة" إلى "شهداء المجتمع"
يستعيد تقرير Foreign Policy محطات صنعت الفجوة:
2009: مقتل نِدا آغا-سلطان وتحولها سريعاً إلى "شهيدة" وطنية خارج اعتراف الدولة.
2019: قتل مئات في احتجاجات اقتصادية، ورفض عائلات الضحايا الصمت.
2020: إعدام المصارع نويد أفكاري وتحوّل كلماته إلى مرثية وطنية متداولة.
2022: وفاة مهسا أميني وما تلاها من حركة "امرأة، حياة، حرية".
بحسب التقرير، لم يعد المجتمع ينتظر الدولة لتعريف القداسة: مزارات مرتجلة، وقفات شموع، قصّ شعر، شعارات، وطقوس حداد تتسرّب إلى الحياة اليومية. الدولة قد تستعيد الشارع، لكن "اللغة الأخلاقية" لم تعد حصرية لديها.
كيف يحافظ "النظام" على التماسك؟
ورقة ICT تشرح "فن إدارة الدولة" في إيران بوصفه منظومة متداخلة:
دين + قومية + سردية "ضحية/مقاومة" + ضبط إعلامي + اقتصاد رعائي/محسوبية + عسكرة وتعبئة.
الهدف، وفق الورقة، ليس الحكم فقط، بل تشكيل الهوية والتأطير المعرفي. تحويل الخلاف السياسي إلى انقسام أخلاقي بين "ذات" بارّة و"آخر" خبيث، واستدعاء مظالم تاريخية لصناعة عقلية حصار جمعية تبرر التشدد وتكبح الاعتراض.
وتضيف الورقة أن مرونة النظام لا تقوم على القمع وحده، بل على دمج "الواجب الأخلاقي" مع الاعتماد المادي عبر شبكات اقتصادية، وعلى ضبط النقاش العام عبر الإعلام والرقابة، وعلى أدوار مؤسسات مثل الحرس الثوري والباسيج بوصفها أدوات إنفاذ أيديولوجي.
"تمشية الكلاب جريمة".. التشدد كعلامة داخلية
في مثال يومي مكثّف، تروي New York Times تشديد حملة حظر تمشية الكلاب، مدّعون عامّون في ما لا يقل عن 20 مدينة تعهدوا بتكثيف التطبيق، مع قيود تشمل التمشي والقيادة بصحبة الكلاب. ونقلت الصحيفة عن مدّعي مشهد قوله إن "تمشية الكلاب جريمة واضحة"، مع إنذارات وغرامات وقد تصل إلى مصادرة.
تبريرات الحملة تتراوح، وفق ما نُقل عن الإعلام الرسمي، بين الصحة العامة و"القيم الدينية والاجتماعية"، وصولاً إلى ربطها بسلوكيات تُصنّف جرمية.
وفي المقابل، ينقل التقرير صوت أطباء بيطريين يعتبرون هذه "خططاً موسمية" تتكرر، وأن تربية الحيوانات الأليفة باتت جزءاً من ثقافة أسر كثيرة، حتى المتديّنة، وأن الاتجاه "لا يمكن إيقافه".
هنا يظهر خط تماس واضح، الدولة تحاول ضبط المجال العام.. والمجتمع يتوسع في أنماط حياة لا تنسجم مع حساسيات السلطة.
هناك معركة على الشرعية، لكنها ليست انتخابية أو مؤسساتية فقط، بل رمزية وأخلاقية.
تقرير Foreign Policy يرى أن "ثورة المعنى" قد لا تُسقط النظام قريباً، لكنها تنقل مركز الأخلاق خارج الدولة وتترك أثراً طويل المدى على المستقبل السياسي.
وورقة ICT تضع شروطا قد تُفكك المنظومة إذا تلاقت. تراجع مؤسسي، أزمة اقتصادية وفقد شرعية، تشظي نخبة، و"حدث محفّز".. مع مثال مهسا أميني كمحفز سابق.
هذا المحتوى مقدم من Blinx - بلينكس
