هناك أحداث قليلة الأهميّة إلاّ أنّ قلّة أهميّتها هي تحديداً ما يمنحها الأهميّة. والمقصود هنا تغيير اسم «حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ» في لبنان إلى «حزب الراية الوطنيّ».
أمّا مصدر الأهميّة الأوّلُ فانتماء الحدث المذكور إلى تلك الحالات القليلة التي لا يُلمس حضورها إلاّ عند احتضارها. ذاك أنّ الانتباه إلى هذا الحزب، الذي لا يُرى إلاّ بالمجهر، لم يحصل إلاّ بعد تغيير اسمه.
وأمّا مصدر الأهميّة الثاني فمفارقةٌ تتعلّق بالاسم نفسه. فقد لا يكون مألوفاً وجود أجسام بلا أسماء، غير أنّ وجود أسماء بلا أجسام فهذا يشبه المستحيل. صحيحٌ أنّ الأحزاب النضاليّة كثيراً ما تحايلت على استحالة كهذه، واندفعت بعيداً بقوّة العُظام الممزوج بتزوير الواقع: فلطالما شاهدنا بضعة شبّان يسمّون أنفسهم «حزباً» للطبقة الكادحة الفلانيّة، أو «طليعة» للحركة المناضلة العلاّنيّة، أو «جبهة» تنضوي فيها تيّارات وقوى جماهيريّة شتّى... لكنّ الصحيح أيضاً أنّ حزب البعث في لبنان يبقى أمراً أشدّ تعقيداً. فهو امتداد لحالة بالغة الجدّيّة حكمت بلدين عربيّين كبيرين لعشرات السنين، وقطعت شوطاً بعيداً في تدميرهما. إلاّ أنّ «البعث» بقي، في شائع الوعي العامّ، شيئاً لا يحصل في لبنان. فهذا الأخير ليس المكان الصالح للانقلاب العسكريّ الذي احترفه ضبّاط «البعث» في البلدان المجاورة. وقد سبق لحزب آخر، هو «السوريّ القوميّ الاجتماعيّ»، أن تمتّع بذكاء حادّ دفعه، في 1949 وفي 1961، إلى تنفيذ انقلابين تحوّلا مهزلتين مطنطنتين. كذلك فشعار الوحدة العربيّة العابرة للحدود لم تنشأ له في لبنان قاعدة صلبة تسعى إلى استبدال بلدها بتلك الوحدة، وإن ظهرت قوى تستخدم ذاك الشعار لأغراضها الفئويّة. وفي المقابل، لم يستطع «البعث» اللبنانيّ، ولأسباب عدّة، أن يكون الطرف الذي يمثّل التذمّرات الطائفيّة ويقودها، وإن استطاع دائماً أن يلتحق بالأطراف التي تمثّل تلك التذمّرات، أو تُجيد توظيفها، كالمقاومة الفلسطينيّة و»حزب الله» وأجهزة الأمن الأسديّة.
والحال أنّ تغيير اسم الحزب، وهو على ما يبدو أهمّ ما فيه، لم يترافق مع تغيير القائد الذي هو السيّد علي حجازي، علماً بأنّ الأخير لم يتسنّ له الانتساب إلى صنف «القادة التاريخيّين الخالدين» ممّن لا يمتازون عنه، والحقّ يقال، بأيّ من الصفات والمزايا. فكيف، والحال هذه، فقدَ الحزب تماسّه مع أوضاع جديدة فيما لم يفقد قائده هذا التماسّ؟
ولا بدّ، بالمناسبة، من التعريج على العلاقة بين الاسم والمهمّات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشرق الأوسط
