شهد المغرب تفاعلاً علمياً وثقافياً بين العلماء الأمازيغ والعرب المغاربة، داخل بيئة تعلّمية موحّدة، جعلت العربية لغة العِلم والشرع والكتابة.
يقوم هذا التفاعل على معطيات تاريخية موثّقة في مصادر النحو والقراءات وكتب التراث المخطوط. ولم يكن هذا المسار نتاج تفاضل عرقي أو لغوي، بل ثمرة تفاعل جماعي في خدمة العربية، بوصفها لغة جامعة ومشتركاً حضارياً.
وعليه، تبدو التجربة المغربية نموذجاً لإنجاز معرفي، رسّخ التعليم وطوّر الخط داخل أفق علمي واحد.
الإسهام الأمازيغي في ترسيخ التعليم اللغوي يبيّن الباحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي بالمغرب محمد أقديم هذه المسألة قائلاً: "عرف المغرب خلال العصر الموحدي نهضة واسعة في العلوم الأدبية، شملت النحو واللغة والعروض والبيان والتاريخ والسير، بالتوازي مع ازدهار العلوم الشرعية. وأسهم علماء أمازيغ في هذا الحراك، داخل مدارس علمية متعدّدة في مراكش وفاس وتلمسان وسبتة وطنجة، ما يدلّ على رسوخ تقليد تعليمي منظم".
يُعدّ أبو موسى الجزولي من أبرز أعلام هذا المسار؛ إذ ألّف "المقدمة الجزولية" المعروفة أيضاً بـ"القانون"، التي أصبحت مرجعاً تعليمياً في النحو.
ويشير محمد أقديم إلى أن هذه المقدّمة "كانت أساساً اعتمد عليه ابن معطي الزواوي في بناء ألفيته النحوية، قبل أن يستثمرها ابن مالك في ألفيته المشهورة". يكشف هذا الامتداد أن التعليم النحوي في الغرب الإسلامي لم يكن هامشياً، بل مؤسساً لمسار لاحق في الدرس النحوي العربي.
يبلغ هذا الجهد التعليمي ذروته مع ابن آجرّوم الصنهاجي، صاحب "المقدّمة في النحو" التي عُرفت لاحقاً بالآجرومية. ويضيف محمد أقديم أن هذا المتن بلغ من الشهرة ما جعل اسمه مرادفاً للنحو نفسه، حتى قيل إن ذلك "ما لم يبلغه سيبويه نفسه".
الإسهام الأمازيغي في تشكّل الأداء الصوتي القرآني في الغرب الإسلامي لم يقتصر الإسهام الأمازيغي على تقعيد التعليم، بل شمل المجال الصوتي للغة العربية. اضطلع ورش عثمان بن سعيد النفزاوي بدور محوري في نشر قراءة نافع في المغرب والأندلس، حتى أصبحت القراءة السائدة في المصاحف المغاربية.
ويكشف هذا المعطى، أن الصوت القرآني في الغرب الإسلامي تشكّل وفق تقليد علمي راسخ، حافظ على الاستمرارية عبر القرون.
يمثّل هذا الاستقرار الصوتي أحد أوجه التكامل بين التعليم والنقل، إذ لم تكن القراءات شأناً تقنياً فحسب، بل جزءاً من بناء هوية لغوية متماسكة، تُدرّس ويتم تداولها وتُنسخ وفق معايير مضبوطة.
الخط المغربي المبسوط ودوره في نسخ المصاحف والنصوص العلمية أسهم النسّاخ في الغرب الإسلامي، بتطوير الخط المغربي المبسوط، الذي أصبح أداة أساسية في نسخ المصاحف والمتون الفقهية. تشير بعض الدراسات إلى أن التقارب الشكلي بين الخط المغربي المبسوط والزخرفة المحلية، قد يعود إلى تجاور بصري وثقافي داخل البيئة الفنية نفسها، وليس إلى تأثير مباشر.
فالتشابه في بعض العناصر الشكلية لا يكفي لإثبات علاقة سببية. إذ تطوّر الخط بوصفه نظاماً كتابياً وظيفياً تحكمه قواعد النسخ والقراءة، بينما تنتمي الزخرفة إلى حقل جمالي مستقلّ نسبياً.
مساهمة العلماء العرب المغاربة في التحليل اللغوي وبناء تقاليد الكتابة إلى جانب هذا المسار التعليمي والنسخي، برز إسهام العلماء العرب المغاربة في تطوير البُعد التحليلي للغة. فقدّم الشلوبين قراءة نقدية متقدّمة للتراث النحوي، تجاوزت الشرح المدرسي إلى تحليل العلل وربط البنية بالمعنى. كما مثّل السهيلي نموذجاً لدمج النحو بالبلاغة في تفسير النص القرآني، حيث تحوّلت اللغة إلى أداة لفهم المقاصد والدلالات.
أرسى أبو عمرو الداني في مصنّفيه "التيسير" و"المقنع" قواعد واضحة ومنظّمة لضبط النص القرآني ورسمه، لم تقتصر على الجانب التقني، بل اقترنت بوعي تاريخي بتطوّر كتابة المصحف واختلاف تقاليد نسخه، ما أسهم في توحيد.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من الشرق للأخبار
