كيف وصلت "معاداة السامية" إلى الشارع الأسترالي؟. شبهات بـ"حرب ظل" وإيران في قلب المشهد... #أستراليا

ملخص لم تعد معاداة السامية في الغرب مجرد ظاهرة عنصرية هامشية أو خللاً أخلاقياً في الخطاب العام، بل المرحلة الأولى من حرب غير معلنة تخاض ضد الدول الديمقراطية من داخلها، فهي لا تظهر كاجتياح عسكري ولا كتمرد مسلح، بل كاختبار بطيء لقدرة المجتمعات على تمييز الخطر قبل انفجاره.

شكل الهجوم الذي استهدف تجمعاً يهودياً قرب شاطئ بوندي في سيدني واحدة من أخطر الحوادث المعادية للسامية التي شهدتها أستراليا، حيث قتل ساجد أكرم وابنه نافيد، وهما من الجنسية الباكستانية، 16 شخصاً أصغرهم فتاة تبلغ 10 سنوات توفيت في مستشفى للأطفال، بينما أكبرهم يبلغ 87 سنة، خلال عملية إطلاق نار جماعي استهدفت احتفالاً يهودياً بعيد الأنوار اليهودي (حانوكا).

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more ووصفت السلطات الأسترالية الهجوم بأنه عمل إرهابي معاد للسامية لكنها لم تقدم تفاصيل حول خلفية الاعتداء، وفي حين لا تزال الشرطة تحاول تجميع خيوط تحركات المتهمين قبيل الفترة التي سبقت إطلاق النار، أعلن رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي أن أيديولوجية تنظيم "داعش" هي الدافع لهذا الاعتداء الإرهابي، وبأن الرجلين جُندا قبل ارتكاب مذبحة جماعية، مضيفاً "يبدو أن ذلك كان مدفوعاً بأيديولوجية تنظيم 'داعش' التي كانت سائدة لأكثر من عقد والتي أدت إلى أيديولوجية الكراهية هذه، وفي هذه الحال إلى الاستعداد للدخول في القتل الجماعي". وفي حديث سابق قال ألبانيزي إنه "مع صعود 'داعش' ومنذ أكثر من عقد أصبح العالم يعاني التطرف وهذه الأيديولوجية"، مشيراً إلى أن نافيد أكرم (24 سنة) وهو عامل بناء عاطل من العمل، لفت انتباه وكالة الاستخبارات الأسترالية عام 2019 "بسبب صلته بآخرين"، لكن لم يُعد تهديداً وشيكاً وقتها، وزاد "لقد حققوا معه ومع أفراد أسرته، وحققوا مع أشخاص محيطين به لكنه لم يُعتبر في ذلك الوقت شخصاً محل اهتمام".

وكان ألبانيزي نبه أيضاً إلى أن "ما رأيناه بالأمس كان عملاً من أعمال الشر المحض، معادياً للسامية وإرهابياً على شواطئنا في موقع أسترالي أيقوني"، وأن بلاده ستبذل "كل ما هو ضروري للقضاء على معاداة السامية، ولن تخضع أبداً للانقسام أو العنف أو الكراهية، وسنتجاوز هذا معاً، ونرفض أن نسمح لهم بتقسيمنا كأمة"، قائلاً "سنخصص كل مورد مطلوب للاستجابة لهذا الأمر، كان حقاً يوماً مظلماً في تاريخ أمتنا لكننا كأمة أقوى من الجبناء الذين فعلوا ذلك"، معلناً عزم حكومته طرح تشديد قوانين حيازة السلاح على جدول أعمال الاجتماع الوطني للحكومة.

رد فعل نتنياهو من جهته اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القادة الدوليين بـ"التقاعس عن مواجهة معاداة السامية"، معتبراً أن "ما حدث في أستراليا أمر بشع وهو قتل بدم بارد وعدد القتلى يزداد"، وأن الحادثة "نتاج توقف القادة عن مواجهة معاداة السامية"، واصفاً ذلك بـ "السرطان الذي ينتشر عندما يصمت القادة ولا يتحركون"، ومضيفاً أنه "قبل أشهر عدة أرسلت رسالة لرئيس الحكومة الاسترالية قلت فيها إن سياسة بلاده تشجع على كراهية اليهود ومعاداه السامية في شوارع أستراليا، وعليكم تغيير هذه السياسة واستبدال الضعف بالقوة، وهذا لم يحدث".

بدوره أصدر الجيش الإسرائيلي إرشادات جديدة لجنوده الموجودين خارج البلاد في أعقاب الهجوم الدامي، وفقاً لقناة 12 الإسرائيلية، التي ذكرت أن مديرية العمليات في الجيش عممت هذه التعليمات "في خطوة تهدف إلى تعزيز وعي الجنود بالأخطار المحتملة أثناء وجودهم خارج إسرائيل"، بينما أكدت مصادر عسكرية في حديثها أن هذه الخطوة لا تعد تشديداً للإجراءات بل تحديثاً وتحسيناً للإرشادات القائمة، مشددة على ضرورة الإبلاغ الفوري للقادة عن أية حادثة غير اعتيادية قد يتعرض لها الجنود.

وفي السياق تجري السلطات الإسرائيلية تحقيقاً لمعرفة الجهة المسؤولة عن الهجوم الدامي، وبحسب موقع "واي نت" الإسرائيلي فتعد إيران المشتبه به الرئيس، ومع ذلك يتأكد المسؤولون من احتمال تورط جماعات مسلحة بما في ذلك "حزب الله"، و"حماس" و"جماعة عسكر طيبة الباكستانية" المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، في الهجوم، وقد اتهم مسؤول أمني إسرائيلي إيران بتنفيذ الهجوم مشيراً إلى أن "طهران ووكلاءها كثفوا جهودهم لاستهداف مواقع إسرائيلية ويهودية حول العالم".

تنديدات عالمية وإجماع نادر قوبل الهجوم بموجة إدانات دولية واسعة عكست حساسية الحدث وخطورته الرمزية، فدانت حكومات غربية الهجوم بوصفه اعتداء على حرية الدين والتعايش، مؤكدة أن معاداة السامية "لا مكان لها في المجتمعات الديمقراطية"، وبدورها عدت إسرائيل أن ما جرى في بوندي دليل إضافي على أن موجة الكراهية ضد اليهود باتت عابرة للحدود، وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر "صدمت من هجوم إطلاق النار الذي أسفر عن قتلى والذي وقع لمناسبة عيد الحانوكا في سيدني، وهذه نتائج شيوع معاداة السامية في شوارع أستراليا على مدى العامين الماضيين مع دعوات عولمة الانتفاضة المعادية للسامية والتحريضية التي تجسدت اليوم"، فيما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين "صدمت بالهجوم المأسوي الذي وقع على شاطئ بوندي، وأبعث خالص التعازي لعائلات الضحايا وأحبائهم، وتقف أوروبا مع أستراليا واليهود في كل مكان، متحدين ضد العنف ومعاداة السامية والكراهية".

أما مفوضية الاتحاد الأفريقي فقالت إنها ترفض الإرهاب بجميع أشكاله ولا توجد مبررات لاستهداف المدنيين الأبرياء، مشيرة إلى أن "الهجوم يمس قيم السلام والتسامح والتعايش التي تقوم عليها المجتمعات الإنسانية"، ومحذرة من خطورة تصاعد خطاب الكراهية والعنف والتطرف على السلم المجتمعي والأمن الدولي.

ما بعد حرب غزة في أغسطس (أب) الماضي شهدت مدن أسترالية عدة مسيرات تضامنية مع غزة، ونقل الإعلام المحلي عن مجموعة "بالستاين أكشن غروب" أن مدناً عدة شهدت واحدة من أكبر التظاهرات الداعمة لفلسطين في البلاد، حيث بلغ عدد المشاركين 290 ألف شخص، ووفقاً للتقارير "فقد شارك عدد هائل من المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في مسيرات عدة داخل مدن أسترالية، في واحدة من أكبر التحركات في تاريخ الحركة"، وبحسب تقديرات المنظمين فقد شارك في التظاهرة 290 ألف شخص من جميع أنحاء البلاد، منهم 100 ألف في سيدني وملبورن، وما يصل إلى 50 ألفاً في بريسبان.

وخلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أي بعد اندلاع حرب غزة، أشارت تقارير إعلامية إلى أن حوادث معاداة السامية والـ "إسلاموفوبيا"، بما في ذلك الاعتداءات العنيفة والمضايقات عبر الإنترنت، ارتفعت داخل الولايات المتحدة منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وأكد استطلاع أوروبي واسع النطاق نُشر في يوليو (تموز) 2024 أن اليهود "أكثر قلقاً من أي وقت مضى في أوروبا" في مواجهة "المد المتصاعد لمعاداة السامية"، بينما يقوض النزاع في الشرق الأوسط الجهود التي يقودها الاتحاد الأوروبي.

ووفقاً للتقرير الصادر عن "وكالة الحقوق الأساسية" التابعة للاتحاد الأوروبي ومقرها فيينا فإن 96 في المئة من المستطلعة آراؤهم تعرضوا لمعاداة السامية عبر الإنترنت أو في حياتهم اليومية خلال الأشهر الـ 12 السابقة للاستطلاع، ورأت غالبية ساحقة أن "الوضع تفاقم خلال الأعوام الأخيرة"، بحسب ما كتبت رئيسة الوكالة سيربا راوتيو في مقدم التقرير، استناداً إلى استطلاع أجري "قبل هجمات 'حماس' في أكتوبر 2023 والحرب في غزة".

وأكدت أنه في هذا السياق المتوتر قال 76 في المئة من اليهود إنهم "يخفون هويتهم أحياناً" في أوروبا، وهذا هو الحال خصوصاً في فرنسا حيث يقوم 83 في المئة من اليهود بذلك، وفي تحقيق نشرته قناة "فوكس نيوز" اليوم فقد كشف عن بيانات جديدة وعن ارتفاع صادم بنسبة 893 في المئة من الهجمات المعادية للسامية خلال العقد الماضي، وهو ما يسلط الضوء على نحو 9500 حادثة جرى الإبلاغ عنها عام 2024 وحده.

وبالعودة لحادثة شاطئ بوندي فقد وقعت خلال مناسبة ذات طابع ديني واجتماعي يهودي وفي مكان عام مفتوح، مما يضاعف من وقعها الرمزي والأمني، واتسم الهجوم بعناصر عدة خطرة أولها استهداف مباشر لمدنيين على خلفية دينية، واختيار مكان عام وسياحي لا مؤسسة دينية مغلقة، مما يرفع مستوى التهديد، وهذا ما دفع السلطات الأسترالية إلى التعاطي مع الحادثة فوراً بوصفها هجوماً بدافع الكراهية المعادية للسامية، وفتح تحقيقات أمنية واسعة، ولا يمكن قراءة الحادثة كفعل معزول بل كذروة لمسار تصاعدي من التهديدات والتخريب والاعتداءات التي طاولت الجالية اليهودية منذ اندلاع حرب غزة.

وعلى الصعيد الوطني فإن الحادثة شكلت صدمة وكسرت وهم الأمان لسببين أساسين، أولهما أنها أعادت للواجهة سؤال قدرة الدولة على حماية الأقليات في الفضاء العام، وكسر الاعتقاد السائد بأن أستراليا بمنأى عن العنف الأيديولوجي المرتبط بصراعات الشرق الأوسط، واعتبرت الجالية اليهودية أن الهجوم نقلها من مرحلة القلق إلى مرحلة الخوف الوجودي مع مطالبات بتعزيز الحماية الأمنية ومراجعة الخطاب العام الذي سمح، في رأيه، بتطبيع الكراهية تحت عناوين سياسية.

اشتباه بـ"حرب ظل" داخلية منذ اندلاع حرب غزة الأخيرة لم تبق تداعيات الصراع محصورة في الشرق الأوسط، ففي أستراليا، وهي الدولة البعيدة جغرافياً من ساحة الحرب، بدأ يتشكل مسار مقلق مع تصاعد غير مسبوق في الهجمات المعادية للسامية ترافق مع انقسام اجتماعي حاد، قبل أن يصل إلى مستوى دفع الحكومة الأسترالية إلى الحديث صراحة عن تدخل خارجي محتمل تقوده إيران.

تجمع حاشد لتأبين ضحايا هجوم سيدني (أ ف ب)

وفي أغسطس الماضي قال رئيس الوزراء الأسترالي إن طهران تقف خلف حريق متعمد استهدف مقهى لويس كونتيننتال المتخصص بتقديم أطعمة حلال لليهود (كوشير) في ضاحية بونداي بسيدني في أكتوبر 2024، مضيفاً أن الاستخبارات خلصت أيضاً إلى أن إيران تقف كذلك خلف حريق متعمد استهدف كنيس أداس إسرائيل في ملبورن في ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، معلناً أن أجهزة الاستخبارات توصلت إلى "نتيجة مقلقة للغاية" مفادها أن إيران دبرت هجومين "معاديين للسامية" في ملبورن وسيدني، وهذا ما دفع بالعاصمة كانبرا إلى طرد السفير الإيراني أحمد صادقي مثلما سحبت سفيرها من طهران وعلقت عمليات سفارتها هناك، وأدرجت "الحرس الثوري" الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية، على خلفية اتهامه بتدبير الهجمات التي استهدف المراكز اليهودية.

حين انتقلت حرب غزة إلى الشارع الأسترالي خلال الأسابيع الأولى التي تلت اندلاع الحرب امتلأت شوارع سيدني وملبورن بمظاهرات حاشدة، وفي الظاهر كانت هذه التحركات تعبيراً عن الغضب من الحرب في غزة، لكن على الأرض بدأت الحدود بين نقد سياسات إسرائيل واستهداف اليهود كجماعة تتلاشى، وتحدث يهود أستراليون عن مضايقات في أماكن العمل.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 10 ساعات
منذ ساعة
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 23 ساعة
قناة العربية منذ 8 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 7 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 17 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 6 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 15 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 8 ساعات
سكاي نيوز عربية منذ 13 ساعة