على مر العصور، حلم البشر بإنشاء آلات قادرة على التفكير والتعلم فيما يشبه الذكاء الاصطناعي حاليًا، وقد تجسدت هذه الرغبة في العديد من الحكايات الشعبية والأعمال الأدبية التي استحضرت آلات ذكية يمكنها مساعدة الإنسان في شتى المجالات.
ومع مرور الوقت، لم يعد هذا الطموح مجرد فكرة نظرية، بل أصبح محورًا لتطور علمي وتقني غير مسبوق. ومن أبرز محطات هذا التطور كانت إصدارات نماذج GPT من شركة OpenAI، والتي تجسدت في نموذج GPT-3، المليء بالقدرات اللغوية الهائلة، حيث يضم 175 مليار مُعامل ويستطيع أداء مهام متعددة تتراوح بين توليد النصوص، المشاركة في المحادثات، وكتابة الأكواد البرمجية، مع قابلية التعلم من عدد محدود من الأمثلة، مما عزز من فعاليته في التطبيقات التجارية مثل المساعدين الافتراضيين وروبوتات الدردشة.
وفي وقتنا الحالي، بات الذكاء الاصطناعي عنصرًا أساسيًا في تفاصيل حياتنا اليومية، من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي إلى إدارة العمليات التجارية المعقدة. ومع استمرار تقدم التقنية بوتيرة متسارعة، من المتوقع أن يتسع نطاق تأثيره أكثر فأكثر.
ولمعرفة كيف وصلنا إلى هذا الواقع، من الضروري استعراض المحطات التاريخية الرئيسية التي أسهمت في تشكيل تطور الذكاء الاصطناعي عبر العقود.
قبل القرن العشرين.. بدايات الحلم
1726 آلة جوناثان سويفت التخيلية
في كتابه الشهير "رحلات جاليفر"، تخيل الكاتب جوناثان سويفت جهازًا ميكانيكيًا يستطيع توليد الأفكار وكتابة النصوص من خلال تدوير مكعبات محفور عليها كلمات مختلفة. وصف سويفت هذا الاختراع كأداة تساعد الإنسان على تأليف مؤلفات في مجالات الفلسفة والرياضيات والقانون دون الحاجة إلى موهبة خارقة أو سنوات طويلة من الدراسة. وقد شكل هذا التصور خطوة تمهيدية مهمة نحو فهم إمكانية تصميم آلات قادرة على إنتاج النصوص بطريقة خوارزمية، وهو المفهوم الذي أصبح أساسًا في نماذج الذكاء الاصطناعي الحديثة.
النصف الأول من القرن العشرين.. اختراقات مبكرة
1914 أول آلة شطرنج مؤتمتة
في المعرض العالمي بباريس، عرض المهندس الإسباني ليوناردو توريس إي كيفيدو جهاز "إل أجيدريسيستا"، أول آلة شطرنج تعمل بمغناطيسات كهربائية بالكامل. وكان الجهاز قادرًا على تنفيذ نقلات قانونية تلقائيًا وتحقيق كش ملك، دون تدخل بشري، وهو ما شكل خطوة مبكرة نحو تطوير آلات قادرة على محاكاة عمليات التفكير البشري.
1921 ولادة كلمة "روبوت"
قدمت مسرحية "روبوتات روسوم العالمية" للكاتب كارل تشابيك أول ظهور لمصطلح "روبوت"، مستوحى من الكلمة التشيكية "روبوتا"، التي تشير إلى العمل الإجباري. وسرعان ما أصبح هذا المصطلح عالميًا، ليشير إلى الأجهزة الميكانيكية أو الاصطناعية التي تؤدي مهام محددة، وهو أساس المفهوم الحديث للروبوتات.
1939 حاسوب أتاناسوف- بيري (ABC)
أنشأ جون فنسنت أتاناسوف وطالبه كليفورد بيري أول حاسوب رقمي إلكتروني، استخدم النظام الثنائي والدوائر الإلكترونية بدلاً من الميكانيكية، وفصل وحدة المعالجة عن الذاكرة، مما شكل الأساس للحوسبة الحديثة. وكانت هذه الآلة قادرة على معالجة المعادلات بسرعة غير مسبوقة، ووضعت مفاهيم أساسية لتطوير أجهزة الحاسوب المستقبلية.
1943 الأساس للشبكات العصبية
نشر وارن إس. ماكولوتش ووالتر بيتس بحثًا رائدًا حول الحساب المنطقي للنشاط العصبي، موضحين إمكانية فهم الدماغ البشري كنظام حاسوبي. وقدم البحث فكرة الشبكات العصبية الاصطناعية، التي أصبحت لاحقًا عنصرًا أساسيًا في الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق.
1950 اختبار تورينج
في ورقة بعنوان "آلات الحوسبة والذكاء"، طرح آلان تورينج السؤال: "هل تستطيع الآلات التفكير؟" واقترح اختبار تورينج كطريقة عملية لقياس ذكاء الآلة عبر قدرتها على محاكاة سلوك الإنسان بشكل مقنع. وأصبح هذا المفهوم حجر الزاوية في تقييم الذكاء الاصطناعي.
من الخمسينيات وحتى الثمانينيات - تأسيس النظرية والتطبيق
1951 شبكة عصبية اصطناعية أولية
بنَا مارفن مينسكي ودين إدموندز جهاز SNARC لمحاكاة تعلم الفأر في المتاهة، مستفيدين من شبكة أنابيب مفرغة لمحاكاة الخلايا العصبية، ما شكل بداية تجربة التعلم المعزز لدى الآلات.
1952 برامج محاكاة حل المشكلات
طوّر ألين نيويل وهربرت سيمون برامج Logic Theorist وGeneral Problem Solver، لمحاكاة حل المشكلات البشرية باستخدام الحسابات المنطقية.
1955 1956 ميلاد مصطلح "الذكاء الاصطناعي"
قدم جون مكارثي ورفاقه اقتراحًا لورشة عمل صيفية في دارتموث، اعتُبرت نقطة الانطلاق الرسمية لمجال الذكاء الاصطناعي بعد صياغة هذا المصطلح، حيث اجتمع فيها علماء من هارفارد وIBM ومختبرات بيل.
1957 1959 تطورات الشبكات العصبية والتعلم الآلي
ابتكر فرانك روزنبلات البرسيبترون للتعرف على الأنماط، وطوّر جون مكارثي لغة البرمجة Lisp لمعالجة المعلومات الرمزية، بينما أظهر آرثر صموئيل إمكانيات التعلم الآلي من خلال تحسين أداء الحاسوب في لعبة الداما.
1965 1969 أدوات الذكاء الاصطناعي الأولى
نشر هوبرت دريفوس كتابه "الخيمياء والذكاء الاصطناعي"، منتقدًا محاكاة الحدس البشري. في المقابل، أنشأ جوزيف وايزنباوم برنامج ELIZA لمحاكاة المحادثة البشرية، ونظام DENDRAL لمحاكاة اتخاذ القرار في الكيمياء، وابتكر روبوت شيكي للروبوتات المتنقلة. كما طُورت خوارزمية الانتشار العكسي لتحسين الشبكات العصبية المتعددة الطبقات.
1970 1973 تطبيقات اللغة الطبيعية والأنظمة الخبيرة
ابتكر تيري وينوغراد برنامج SHRDLU لفهم اللغة الطبيعية، ونظام MYCIN لدعم التشخيص الطبي. وفي بريطانيا، أدى تقرير جيمس لايت هيل إلى تراجع التمويل الحكومي، ما تسبب في "شتاء الذكاء الاصطناعي" الأول.
العشرون عام الأخيرة من القرن الماضي.. الروبوتات والتعلم العميق المبكر
1980 1984 الروبوتات الموسيقية
تم تطوير روبوت WABOT-2 في اليابان، قادر على قراءة النوتات الموسيقية والتفاعل مع البشر، ما مثّل خطوة نحو الروبوتات البشرية الشكل.
1982 1989 الجيل الخامس والانتشار العكسي
أطلقت اليابان مشروع FGCS لتطوير الحواسيب المنطقية، ونشر جيفري هينتون وزملاؤه خوارزمية الانتشار العكسي، ما مهد الطريق لشبكات التعلم العميق. كما ظهرت برامج دردشة متقدمة مثل جابرواكي، ونُقلت أساليب الترجمة الآلية من القواعد إلى الأساليب الاحتمالية.
1993 1998 الذكاء الخارق والروبوتات الاجتماعية
تنبأ فيرنور فينج بمفهوم التفرد التقني، وظهر روبوت فربي كأول حيوان أليف آلي تفاعلي، في حين طوّر يان ليكان وبنجيو تقنيات الشبكات الالتفافية للتعرف على الكتابة اليدوية.
2000 2020.. الذكاء الاصطناعي يصبح جزءًا من حياتنا
2000 2009 الروبوتات والمعالجات الرسومية
قدمت سينثيا بريزيل روبوت "كيسمت" للتفاعل العاطفي، بينما أظهر راجات راينا وأندرو نج أهمية وحدات معالجة الرسومات في التعلم العميق، ما ساعد على تدريب نماذج أكبر وأكثر تعقيدًا.
2011 2016 الإنجازات الكبرى
حقق حاسوب واتسون فوزًا في برنامج Jeopardy!، وأطلقت آبل مساعدها الصوتي "سيري"، وظهرت شبكة AlexNet للتمييز البصري، وفاز برنامج AlphaGo على بطل عالمي في لعبة غو. كما تم تقديم روبوت صوفيا للتفاعل البصري والمحادثة.
2017 2020 التطور اللغوي والتوليدي
درّب باحثو فيسبوك روبوتات على التفاوض، وطرحت OpenAI نموذج GPT-3، قادر على توليد نصوص معقدة ومترابطة من اللغة البشرية. كما قدم AlphaFold 2 دقة غير مسبوقة في التنبؤ بالبنية البروتينية، مما أحدث ثورة في علم الأحياء.
2021 الآن.. عصر النماذج متعددة الوسائط والفيديو
2021 MUM ونظام القيادة الذاتية
قدمت غوغل نموذج MUM متعدد المهام، قادرًا على تحليل النصوص والصور والفيديوهات معًا، بينما أطلقت تسلا النسخة التجريبية لنظام القيادة الذاتية الكاملة، مستفيدًا من التعلم العميق والشبكات العصبية.
2021 2023 DALL-E والفن الرقمي
أطلقت OpenAI نماذج DALL-E 2 و3، لإنشاء صور عالية الدقة من النصوص، مما وسّع نطاق استخدام الذكاء الاصطناعي في المحتوى المرئي والفني.
2024 Gemini وSora وStable Diffusion 3
أطلقت غوغل نموذج Gemini 1.5 للتعامل مع نصوص ضخمة، وأعلنت OpenAI عن نموذج Sora لإنشاء فيديوهات قصيرة من النصوص، بينما أصدرت شركة StabilityAI نموذج Stable Diffusion 3 لتحويل النصوص إلى صور دقيقة وواقعية.
2024 الذكاء الاصطناعي في الطب
قدمت غوغل ديب مايند أدوات جديدة في AlphaFold لتحديد السرطان والأمراض الوراثية، بينما أطلقت IBM سلسلة Granite لمعالجة المستندات والتنبؤ بالسلاسل الزمنية، مع إمكانية توليد التعليمات البرمجية، كل ذلك ضمن بيئة متطورة مفتوحة المصدر.
هذا المحتوى مقدم من العلم
