في الحياة دروس لاتنسي. نقول أننا اصبحنا نملك ذاكرة السمك.. لكن درس الرجل الذي مات يقينا يقول لا ! "بنتريق"على نفسنا ..فشعبنا هو الإمام في السخرية.. ننسى بمزاجنا ونتذكر بمزاجنا.. ونتجاهل أو نهتم أو نشكر أو نش(kh)ر حتى بمزاجنا. المصريون يفعلون كل شيء بمزاجهم.. بإرادتهم الحرة و لو كانوا "مقيدين" .. حتى في ممارسة القهر.. يتبادلونه مع الحياة .. مع أنفسهم.. ومع السلطة.. وربما هذا مايسميه الباحثون عن تفسير بالـ "تكيف"
أحد زملائنا مثلا دعا إلى نسيان أبشع المذابح التي إستقر وجعها وألمها ونزيفها في الضمير.. مذبحة البقر .. تجاهل الناس دعوته.. حتى المطبلين والزمارين والمطبعين.. لم يستخدموها في قاموسهم ولم يروجوا لها. أماتوا كلماته وأشبعوها موتًا!
إحدى كاتباتنا دعت ضمنا إلى نسيان هذا الرجل الذي ظلم "الطفلة الصغيرة"! لم يستجب أحد لا لهذه ولا لذاك.. ففي ليلة عارمة بالمحبة والتقدير احتشدوا في جامع عمر مكرم ليودعوه بوضوح وبصراحة وعلنا.. قالوا له نحن نحبك ونقدرك ونتذكرك ولن ننساك.. رغم كل ماقيل عنك وفيك! انه درس شعبنا.. ودرس الرجل الذي كان موته مذكرًا لنا به.
جمال عبد الناصر لم ينسه المصريون، حتى الرؤساء لا ينسونه عندما يقارنون أنفسهم به. قبل ساعات نقلت الأنباء صورة لعبد الناصر تتصدر لوحة الاعلان الرئيسية في احد الاستادات الإفريقية، تقديرًا وعرفانا لدوره في تحرير أفريقيا من الاستعمار. بعضنا هنا يهيل التراب على ناصر جهلا وعتهًا وظلمًا.. مع أن هؤلاء يعيشون أتعس الأيام، غلاء وإذلالًا وبيعًا وقلة قيمة، بعد ما كانوا موضع حفاوة العالم.. يسألونك باعتزاز: إنت من بلد عبد الناصر؟ سمعنا هذا ممن هم أكبر منا ونقلوه إلينا وعندما نقارن ما قام به، على ضوء حريات فقدناها وسلطة أمعنت في المثقفين والمفكرين والمناضلين أصابعها المغموسة بالقوة والقهر.. مع ماتحقق لمصر في مقابل ذلك، كنا ندرك أن مايفعله عبد الناصر كان عن قناعة منه.. وإن اختلفنا معها بعمق.. إيمانه بالديمقراطية الاجتماعية كان أكبر بكثير من إيمانه بالديمقراطية السياسية. عجبًا لم نسمع العاديين يتحدثون عن التعذيب والاعتقالات والسجون، وانما نسمعهم يتحدثون عن المدرسة والكلية والجامعة وابنهم الطبيب وابنتهم المهندسة.. التعليم المجاني والعلاج والكهرباء.. السد العالي والألف مصنع الخ.
لاينسى الناس كيف كان وداع عبد الناصر.. ولا كيف قتل السادات في لحظة غضب عارمة جعلت الغالبية العظمي لايأسفون على رحيله ويسخرون من وصفه كـ "بطل الحرب والسلام"! ولا ينسى الناس أن مبارك رغم كل ما وجه اليه من انتقادات - كسلطة شاخت في مقاعدها بتعبير للأستاذ هيكل، والجمود الذي أوقف نمو وحراك المجتمع المصري في العقد الأخير من حكمه - لم يحملهم فوق طاقتهم وقدرتهم على الاحتمال في قوتهم الضروري ومستلزمات الحياة العادية من ملبس ومواصلات وعلاج. تلك حقائق الأمور.. لذلك لن ينسى الناس ما لا ينسى أبدًا.
الذين يسمعون عمر كمال وحمو بيكا وحتى محمد رمضان من باب قضاء الوقت.. أي وقت.. وربما تجد رجالًا ونساء.. فلاحين وعمالا أو من كريمة المجتمع، يرقصون على إيقاع أغانيهم.. ومع هذا فإن حياتهم اليومية العادية حافلة بأم كلثوم (وعبد الوهاب وحليم وفريد ونجاة وشادية وفايزة إلى آخره.) مازالوا يتذكرونها ويسمعونها.. الست العظيمة البديعة.. ساكنة وجدان المصريين.. قيل في أم كلثوم العِبرْ.. لم يعبأ الناس بما قيل ويقال الآن، بمناسبة فيلم الست الذي يعرض حاليًا، حيث ظهرت أم كلثوم بالسيجارة.. وهي تختلف على المال والميراث مع آسرتها.. وهي تتحدث بلغة غير مألوفة منها. الخ، وكأنها كان يجب أن تكون قديسة، تغني وتذهب بعد الغناء إلى محراب أو قلاية!! لم ينس الناس صوتها البديع وأغنياتها الجميلة بكلماتها وألحانها التي تهز الوجدان وتسري مع الدماء في الأجساد كأنهار عذابٍ. يتذكرون منديلها الشهير وتسريحتها الأشهر المسماة "السد العالي" والميكروفون المتدلي من آعلى، وإشارات الأيدي وعلو القامة مع صداح الموسيقى.. كما لم ينسوا وجودها على الجبهة وحفلات دعم المجهود الحربي. كوكب الشرق.. ثومه كما ندللها.. دفعت ضريبة الوطنية كاملة، لذلك سيتذكرها الناس وينسون من لم ينفذ إلى جوهر روحها كإنسانة.. لها سماتها الشخصية وحياتها الخاصة التي يصيب فيها الإنسان أو يخطيء.. ولا تنتقص منه شيئا.
يمتليء المسرح بالجمهور، سعيًا للاستمتاع بفن وصوت وغناء على الحجار، الذي صمد طوال سنوات في مواجهة ألوان و "سكك" من الغناء.......
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة المشهد المصرية
