الجنوب يغادر محطة الوحدة.. استعادة الدولة خيار لا عودة عنه

في منعطف تاريخي حاسم، تقف قضية شعب الجنوب اليوم على أعتاب مرحلة جديدة، مرحلة لا تشبه أي شيء سبقها منذ الإعلان المشؤوم للوحدة اليمنية في مايو 1990.

لم يعد الحديث عن استعادة الدولة الجنوبية مجرد شعار يُرفع في الساحات، أو حلم يراود ذاكرة جيل عاش تجربة دولة مستقلة ذات سيادة وهوية بل تحول إلى مشروع وطني متكامل، له حامله السياسي، وقوته العسكرية الضاربة على الأرض، وإرادته الشعبية الجارفة التي أعلنتها صراحةً: لقد وصلت القضية إلى نقطة اللاعودة.

إنها لحظة الحقيقة التي يؤكد فيها الجنوبيون، من المهرة شرقاً إلى باب المندب غرباً، أن قطار الجنوب قد غادر محطة الوحدة إلى غير رجعة، وأن وجهته الوحيدة هي استعادة الدولة الجنوبية الفيدرالية كاملة السيادة على حدود ما قبل 22 مايو 1990.

هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل هو تتويج لعقود من النضال المرير والتضحيات الجسيمة وخلاصة تجربة قاسية مع وحدة تم الانقلاب عليها في حرب صيف 1994، وتحولت إلى احتلال عسكري وسياسي واقتصادي ممنهج، سعى لطمس هوية الجنوب ونهب ثرواته وتهميش إنسانه.

اليوم، ومع بزوغ فجر جديد يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي، الممثل الشرعي لشعب الجنوب، فإن أي حديث عن التراجع أو القبول بحلول منقوصة لا تلبي تطلعات هذا الشعب الأبي، لا يُعد مجرد خطأ سياسي، بل هو خيانة لدماء آلاف الشهداء وتضحيات أمة بأكملها.

هذا التقرير لا يرصد الأحداث فحسب، بل يغوص في عمق التحولات ليؤكد حقيقة واحدة: إن مسار استعادة الدولة الجنوبية هو قدر لا مفر منه، وأي محاولة لعرقلته ستتحطم على صخرة الإرادة الجنوبية.

*جذور الغضب من الوحدة

لم تكن الوحدة اليمنية التي أُعلنت في 22 مايو 1990 مشروعًا قائمًا على أسس متينة من الشراكة الحقيقية والعدالة. بالنسبة للجنوبيين، كانت الوحدة أملاً في بناء دولة قوية ومستقرة، لكنها سرعان ما تحولت إلى كابوس.

منذ اللحظات الأولى، بدأت الخلافات السياسية والأيديولوجية بين شريكي الوحدة تلقي بظلالها القاتمة وتم التعامل مع الجنوب كغنيمة حرب وليس كشريك متساوٍ.

حيث بدأت من الأيام الاولى عمليات الاغتيالات السياسية التي تستهدف الكوادر الجنوبية في صنعاء، وتصاعد الخطاب الديني المتطرف الذي كفّر الجنوبيين واعتبرهم "شيوعيين ملاحدة"، مما مهد الأجواء لحرب قادمة.

كانت حرب صيف 1994 هي المسمار الأخير في نعش الوحدة فلم تكن حربًا أهلية كما يصورها نظام صنعاء، بل كانت عدوانًا غاشمًا واجتياحًا عسكريًا منظمًا لدولة الجنوب (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقًا).

صدرت الفتاوى الدينية التي تبيح دماء الجنوبيين وأموالهم وأعراضهم، وتم اجتياح العاصمة عدن وتدمير مؤسسات الدولة الجنوبية بشكل ممنهج وبعد الحرب، بدأت أبشع عملية نهب منظم في التاريخ الحديث؛ تم تسريح عشرات الآلاف من الكوادر العسكرية والمدنية الجنوبية قسرًا، وصودرت الأراضي والمصانع والممتلكات العامة والخاصة، ووُزعت كغنائم على المتنفذين في نظام صنعاء.

فُرضت على الجنوب ثقافة سياسية واجتماعية غريبة عنه، قائمة على الفساد والمحسوبية والقبلية، وسعى النظام إلى طمس الهوية الجنوبية وتاريخها النضالي المشرق

من رحم هذه المظلومية وهذا القهر، وُلدت حركة الاحتجاج السلمي "الحراك الجنوبي" كحركة ثورية شعبية عارمة مطلبها الوحيد هو التحرير والاستقلال واستعادة الدولة.

وكانت حرب 1994 هي الشرارة التي أوقدت نار الثورة الجنوبية التي لم تنطفئ حتى اليوم.

*المجلس الانتقالي الجنوبي

ظل الحراك الجنوبي السلمي لسنوات يفتقر إلى قيادة سياسية موحدة تستطيع ترجمة التضحيات الشعبية على الأرض إلى مكاسب سياسية على الساحة الدولية.

جاءت حرب 2015 ضد المليشيات الحوثية وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح لتكون نقطة تحول فاصلةفبرزت المقاومة الجنوبية كقوة عسكرية فاعلة، وبدعم من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، تمكنت من تحرير عدن ومعظم محافظات الجنوب وأثبت الجنوبيون أنهم الشريك الأكثر موثوقية وفعالية على الأرض في مواجهة المشروع الإيراني.

من رحم هذه الانتصارات العسكرية، وفي لحظة تاريخية فارقة، وُلد المجلس الانتقالي الجنوبي في 4 مايو 2017، بتفويض شعبي من خلال "إعلان عدن التاريخي".

لم يكن تأسيس المجلس حدثًا عابرًا، بل كان استجابة طبيعية وضرورية لحاجة ملحة: وجود حامل سياسي قوي وموحد للقضية الجنوبية بقيادة الرئيس عيدروس قاسم الزُبيدي.

نجح المجلس في فترة وجيزة في توحيد معظم المكونات السياسية والقوى العسكرية الجنوبية تحت راية واحدة وأصبح المجلس هو الصوت السياسي المعبر عن تطلعات شعب الجنوب، والقوة العسكرية التي تحمي مكتسباته على الأرض.

مثل تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي نقلة نوعية في مسار النضال الجنوبي، حيث انتقلت القضية من مرحلة الاحتجاج الشعبي إلى مرحلة بناء مؤسسات الدولة وتمثيل القضية في المحافل الإقليمية والدولية، فارضًا نفسه كطرف رئيسي لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية قادمة.

*اتفاق الرياض

مثل التوقيع على اتفاق الرياض في نوفمبر 2019 منعطفًا استراتيجيًا في مسيرة المجلس الانتقالي الجنوبي وتعزيز حضوره الدولي كحامل سياسي مفوض من قبل الشعب الجنوبي لتمثيل الجنوب وانتزاع حق الشعب في الحرية والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية.

من وجهة نظر جنوبية، كان الاتفاق بمثابة اعتراف إقليمي ودولي صريح بالمجلس الانتقالي كممثل شرعي لقضية شعب الجنوب، وندٍ مساوٍ للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.

لأول مرة، جلس الجنوبيون على طاولة المفاوضات كطرف رئيسي، وتم النص بوضوح على أن قضية الجنوب هي قضية محورية سيتم حلها في إطار تفاوضي خاص بعد انتهاء الحرب مع الحوثيين.

منح الاتفاق المجلس شرعية سياسية غير مسبوقة، وأدخله شريكًا في حكومة المناصفة، مما أتاح له فرصة العمل من داخل هياكل "الشرعية" لكسب المزيد من النفوذ وتمرير أجندته الوطنية.

لكن في المقابل، نظر الكثير من الجنوبيين إلى الاتفاق بحذر، معتبرين أنه قد يكون "فخًا سياسيًا" يهدف إلى احتواء المشروع الجنوبي وتذويبه داخل بنية الدولة اليمنية.

كانت هناك مخاوف حقيقية من أن الشراكة مع قوى سياسية معادية تاريخيًا لمشروع استعادة الدولة (مثل حزب الإصلاح، الإخوان المسلمون في اليمن) قد تعرقل مسار الاستقلال وكان اتفاق الرياض اختبارًا صعبًا للقيادة الجنوبية، التي كان عليها أن توازن بين تحقيق مكاسب سياسية تكتيكية، والحفاظ على الهدف الاستراتيجي الأسمى المتمثل في استعادة الدولة.

ورغم كل التحديات ومحاولات الطرف الآخر إفشال الاتفاق، استطاع المجلس الانتقالي ببراعة سياسية أن يستثمر الاتفاق لتعزيز موقفه، وتثبيت قواته على الأرض، وفضح نوايا القوى اليمنية التي لا تؤمن بالشراكة وتسعى للهيمنة وخرج الانتقالي من تجربة اتفاق الرياض أكثر قوة وصلابة، وأكثر إدراكًا لحقيقة أن الحل لن يأتي إلا بفرض الأمر الواقع.

*استكمال التحرير واقتراب الخلاص

أدركت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي مبكرًا أن اللغة الوحيدة التي تفهمها القوى المعادية للمشروع الجنوبي هي لغة القوة.

فبعد أن استنفدت كل السبل السياسية لتنفيذ اتفاق الرياض، وواجهت تعنتًا ومماطلة من قبل القوى اليمنية التي كانت تسيطر على شبوة ووادي حضرموت وتحولت إلى بؤر لدعم الإرهاب وتهديد أمن الجنوب، كان لا بد من الحسم العسكري.

جاءت عملية "سهام الشرق" في أغسطس 2022 لتطهير محافظة أبين من التنظيمات الإرهابية، ثم تبعتها عملية "سهام الجنوب" في شبوة، التي قضت على نفوذ القوات الإخوانية المتمردة وأعادت المحافظة إلى حضن الجنوب.

وجهت عملية تحرير وادي حضرموت والمهرة ضربة قاضية لقوى الاحتلال التي وجدت نفسها فجأة أمام واقع مختلف وجنوب محرر بصورة شبه كاملة ..وأكد تحرير الوادي والمهرة أن الجنوب بات قاب قوسين من إعلان الاستقلال.

كانت هذه العمليات.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة 4 مايو

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة 4 مايو

منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 5 ساعات
صحيفة عدن الغد منذ 14 ساعة
صحيفة عدن الغد منذ 10 ساعات
صحيفة عدن الغد منذ 13 ساعة
صحيفة عدن الغد منذ ساعتين
صحيفة عدن الغد منذ 14 ساعة
عدن تايم منذ 7 ساعات
عدن تايم منذ 4 ساعات
صحيفة عدن الغد منذ 8 ساعات