مادة إعلانيـــة تحليل الخطاب ليس مجرد قراءة سطحية للمفردات، بل هو عملية تفكيك إستراتيجي تهدف إلى الكشف عن البنى العميقة والمقاصد الكامنة وراء النص. من هذا المنطلق، يمثل خطاب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، في واشنطن مادة خصبة للتحليل، حيث يكشف مُحلل الخطاب اللساني عن المهارة القيادية في توظيف اللغة لخدمة الأهداف الإستراتيجية للمملكة العربية السعودية. لقد جاء هذا الخطاب ليؤكد على الانتقال من علاقة تقليدية إلى «مرحلة ذات أهمية في تاريخنا»، وهو تحول لا يمكن فهم أبعاده الكاملة إلا من خلال التحليل الإستراتيجي للخطاب الذي يجمع بين المقاربة اللسانية ومقاربات العلوم السياسية والاقتصادية والأمنية. إن مهمتنا هنا هي إبراز كيف أطرّ سمو ولي العهد، العلاقة الثنائية؛ لتعكس قوة المملكة وثقلها على الساحتين العالمية والمحلية، فنجد في المقاربة اللسانية التأطير الإستراتيجي للغة؛ فيكشف التحليل اللساني عن احترافية سياسية بالغة في صياغة الرسالة وتوجيهها، وتوظيف اللغة لإعادة تعريف العلاقة عبر آليات لسانية محددة. فمن جهة، تم تأطير العلاقة الثنائية ضمن مفهوم «الإطار الإستراتيجي المؤسسي» و«الصلة التاريخية» الممتدة لتسعة عقود، وهذا التأطير يرسخ الارتباط الثنائي كإطار عمل متفق عليه وليس مجرد تفاهم عابر، ويضع المملكة كـطرف فاعل ومؤثر في صياغة المستقبل. ومن جهة أخرى، تم استخدام لغة الثقة والإيجابية بشكل مكثف، عبر عبارات مثل «خطوة تاريخية»، «نمواً غير مسبوق»، و«نحن نؤمن بمستقبل لنا وللولايات المتحدة»، وهذه اللغة لا تخاطب العقل فحسب، بل تستهدف الجانب العاطفي لدى الجمهورين المستهدفين، وهما الجمهور الأمريكي (السياسي والاقتصادي) لإظهار المنفعة الاقتصادية المباشرة، والجمهور السعودي والإقليمي؛ لتأكيد قوة وثقة القيادة وإبراز نجاح رؤية 2030، مما يخلق صورة ذهنية إيجابية عن التحالف وعن المملكة كـقوة دافعة.
وعبر المقاربة السياسية نلمح ترسيخ مكانة «الكيان المؤثر» فقد أظهر الحوار مكانة المملكة كـقوة عظمى إقليمية لا يمكن تجاوزها، وكـكيان مؤثر ومبادر على الساحة الدولية. فقد تم تقديم العلاقة ليس كعلاقة تبعية أو بيع وشراء، بل كـتعاون إستراتيجي يقوم على المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة، وهذا التقديم يخدم هدف الإعلاء من شأن المملكة وتقديمها كـند قوي في المفاوضات. ويتجلى ذلك بوضوح في الإشارة إلى قدرة المملكة في الاقتصاد الأمريكي، مما يمثل ورقة ضغط سياسية واقتصادية إيجابية، حيث يُترجم هذا الثقل الاقتصادي إلى نفوذ سياسي يجعل المملكة طرفًا لا غنى عنه في تحقيق «النمو الاقتصادي ومزيد من الأعمال التجارية للولايات المتحدة». ويُضاف إلى ذلك، أن الإشارة غير المباشرة إلى دور المملكة في «السلام العالمي» يضعها ضمن سياق القوى الفاعلة التي تسعى للاستقرار الدولي، ويؤكد مكانتها كـعنصر استقرار إقليمي وعالمي، وهو هدف سياسي إستراتيجي بامتياز.
أما المقاربة الاقتصادية، فتؤكد أن البعد الاقتصادي هو الركيزة الأساسية التي بُني عليها الخطاب، حيث تم توظيفه كأداة لسانية وإستراتيجية في آن واحد. فمن ناحية، استخدم سمو ولي العهد، الأرقام الضخمة (تريليون دولار) كأداة قوة اقتصادية وبيان قوة صريح، وهذا الرقم لا يعكس فقط القدرة المالية، بل يعكس أيضًا الثقة في التعاون والرغبة في اغتنام الفرص الجاذبة، مما يرسخ فكرة الترابط الاقتصادي كضرورة لكلا الطرفين. ومن ناحية أخرى، فإن التركيز على قطاعات مثل «الدفاع والطاقة والذكاء الاصطناعي والمعادن النادرة».....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الوطن السعودية
