أثار فيلم «الست»، المعروض حاليا بدور العرض السينمائي، حالة واسعة من الجدل منذ طرحه، باعتباره أحدث عمل سينمائي يتناول سيرة كوكب الشرق أم كلثوم، وتقوم ببطولته الفنانة منى زكي، في تجربة فنية أعادت فتح ملف العلاقة الشائكة بين السينما وأسطورة تجاوزت حدود الفن لتصبح جزءًا من الوعي الجمعي المصري والعربي،الفيلم لم يمر كعمل سينمائي عادي، بل تحول سريع إلى مادة نقاش محتدمة بين الجمهور والنقاد، بين من رأى فيه تجربة جادة تحترم عقل المشاهد، ومن اعتبر الاقتراب من سيرة أم كلثوم مغامرة محفوفة بالمخاطر، لا تحتمل اختلاف الرؤى أو كسر الصورة الذهنية الراسخة.

«لعنة» تطارد أفلام كوكب الشرق

يرى الناقد عماد يسري، في تصريحات خاصة لـ «بوابة دار الهلال»، أن ما يحدث مع فيلم «الست» يعيد إلى الأذهان تجربة فيلم «كوكب الشرق» للمخرج الكبير محمد فاضل، مؤكدا أن هناك نمط متكرر يمكن وصفه بـ«اللعنة» التي تصيب أي فيلم سينمائي يتناول سيرة أم كلثوم.

وأوضح عماد يسري أن فيلم «كوكب الشرق»، الذي قدم قبل نحو 25 عاما، واجه مشكلات حادة وقت عرضه، ولم يستمر في دور السينما سوى أسبوع واحد، وسط حديث عن مؤامرات عطلت وصوله للجمهور، وهو السيناريو نفسه الذي يتكرر اليوم بشكل مختلف مع «الست»، حيث انقسمت الآراء بشكل حاد وصل إلى حد الاتهامات المتبادلة بين المؤيدين والمعارضين.

زلزال في مفهوم شباك التذاكر

ويؤكد عماد يسري أن فيلم «الست» أحدث ما وصفه بـ«زلزال» داخل صناعة السينما المصرية، ليس بسبب تقييمه الفني فقط، ولكن لأنه كسر فكرة سائدة عن ذوق الجمهور، خاصة فئة الشباب.

وأشار إلى أنه رصد بنفسه حضورا لافت لشباب في العشرينات من العمر، من محافظات مختلفة، يواصلون مشاهدة الفيلم كاملا رغم اقتراب مدته من ثلاث ساعات، على عكس ما يحدث في أفلام أخرى لنجوم كبار، يغادر فيها الجمهور القاعة قبل النهاية، معبرا عن سخطه من مستوى بعض الأعمال.

وأضاف أن التفاعل الواسع مع الفيلم على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوص التيك توك، يعد نجاح حقيقي لصناعة السينما، حتى مع وجود اختلافات حول بعض التفاصيل الفنية أو التاريخية.

إشادة تقنية وتحفظات درامية

من جانبه، قال الناقد أحمد سعد الدين، إن فيلم «الست» يعد عملا متقدما جدا على المستوى التقني، مشيدا بالإخراج والتصوير والمونتاج والإضاءة، واصفا المخرج مروان حامد بأنه من أبرز المخرجين القادرين على تقديم صورة سينمائية متقنة.

وأوضح سعد أن أزمة الفيلم الحقيقية تكمن في المضمون، وليس في الصناعة، مشيرا إلى أن العمل حاول تقديم أم كلثوم بوصفها إنسانة تواجه أزمات وتفاصيل شخصية، وهو طرح كان يتطلب، بحسب رأيه، معالجة أعمق وأكثر إقناعا.

أم كلثوم.. الرمز الذي لا يقبل التفكيك

وأضاف أحمد سعد أن أم كلثوم ليست مجرد مطربة، بل كيان فني وثقافي مستقل، تحولت إلى رمز وطني، ما يجعل الجمهور،خاصة الأجيال الأكبر سنا،غير مهيأ لتقبل تقديمها بصورة إنسانية تكشف تفاصيل حياتها الخاصة.

وأوضح أن الجمهور لم ير أم كلثوم إلا في صورتها القوية على المسرح، ولم يتعامل مع تفاصيل حياتها الشخصية، وهو ما يخلق حالة من الرفض المسبق لأي معالجة تخرج عن الإطار التقليدي.

منى زكي تحت الاختبار

وحول أداء منى زكي، يرى أحمد سعد أنها قدّمت الدور باحتراف، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في طبيعة الشخصية نفسها، مؤكدا أن تجسيد سيرة ذاتية لشخصية بحجم أم كلثوم يضع أي ممثلة أمام اختبار بالغ الصعوبة.

وأشار إلى أن الحكم النهائي على نجاح الفيلم جماهيريا يحتاج إلى وقت، موضحا أن الإقبال الحالي تحركه حالة الفضول لمعرفة كيفية تقديم الشخصية أكثر من كونه حكما نهائيا على العمل.

مقارنة غير عادلة مع المسلسل

واتفق النقاد أحمد سعد على أن مقارنة فيلم «الست» بالمسلسل التلفزيوني الشهير عن أم كلثوم تعد مقارنة غير منصفة، نظرا لاختلاف المساحة الزمنية، حيث امتد المسلسل إلى 37 حلقة غطت مراحل حياتها كافة، بينما ركز الفيلم على محطات محددة في إطار زمني لا يتجاوز ساعتين ونصف.

طارق الشناوي: اقتراب ذكي من الأسطورة

واعتبر الناقد طارق الشناوي أن نقطة انطلاق الفيلم كانت موفقة، حين افتتح المخرج العمل بمشاهد من مسرح «الأولمبيا» بباريس عام 1967، معتبرا أن هذه اللقطات لم تكن مجرد خلفية زمنية، بل شهادة حية على ظاهرة اسمها أم كلثوم.

وأشار الشناوي إلى أن الفيلم حاول الاقتراب من الإنسانة داخل الأسطورة دون هدم صورتها، كما لم يتجاهل الخلافات الشهيرة مع شركاء النجاح مثل الشيخ زكريا أحمد ورياض السنباطي، وهي خلافات موثقة ومعلنة وصلت إلى ساحات القضاء، ولم تكن خفية عن التاريخ.

هذا المحتوى مقدم من بوابة دار الهلال