تحول مشروع حظر مواقع التواصل الاجتماعي على الأطفال دون الـ15 عامًا إلى معركة سياسية مفتوحة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس وزرائه الأسبق جابرييل أتال، في سباق محموم لحسم الأبوة السياسية لهذا القانون الذي يحظى بتأييد 73% من الفرنسيين وفق استطلاع "هاريس إنتراكتيف"، ما يجعله ورقة ذهبية في برلمان مفتت يفتقر لأغلبية واضحة.
معركة التوقيت
وأعلن ماكرون خلال زيارته لمدينة سان مالو مطلع ديسمبر عن تقديم "نص حكومي" في يناير المقبل لحظر منصات تيك توك وسناب شات وإنستجرام على القُصَّر، في توقيت اعتبره مراقبون محاولة واضحة لقطع الطريق على مجموعة "معًا من أجل الجمهورية" البرلمانية التابعة لأتال .
وأثار هذا الإعلان استياء قيادات المجموعة، إذ صرح أحد المسؤولين البارزين لصحيفة "بوليتيكو": "المجموعة لا تفهم هذا الإعلان بينما لدينا نص جاهز"، مشيرًا إلى مواقف أتال المتكررة حول الموضوع عبر السنوات كدليل على الأسبقية.
وكان أتال أعلن الأسبوع الماضي، عبر منشور له بعد نقاش في دائرته الانتخابية بمدينة فانف، أن مشروع قانونه الذي تحمله النائبة لور ميلر، سيُناقَش في 19 يناير، متضمنًا حظر الوصول لمواقع التواصل قبل سن الـ15 وفرض حظر تجول رقمي من الساعة 10 مساءً حتى 8 صباحًا للفئة العمرية بين 15 و18 عامًا.
ودافع مسؤول في مجموعته قائلًا لـ"بوليتيكو": "لدينا معركة قديمة، لذا نمضي قدمًا"، مؤكدًا أن اجتماعاتهم العامة في أنحاء فرنسا حول تأثير مواقع التواصل على الشباب "نُظِمت قبل جولة الرئيس".
طموحات ماكرون
لم يكتف ماكرون بالإعلان عن مشروعه، بل أطلق منذ أكتوبر الماضي "جولة فرنسية" للقاء المواطنين عبر الصحافة المحلية، خصصها لنقاشات مطولة حول "الديمقراطية ومواقع التواصل الاجتماعي"، كرر خلالها أسبوعيًا رغبته في تقييد وصول القُصَّر لهذه المنصات.
وأكد في سان مالو أنه يريد "التصويت عليه في أقرب وقت ممكن"، مشددًا: "أستطيع بسهولة الالتزام بأنه سيُصوَّت عليه قبل نهاية ولايتي، لأن هذا ما أريد فعله وأعتقد أنها مسألة مسؤولية تربوية وصحة عامة".
وحسب "بوليتيكو"، يُلمح قصر الإليزيه إلى أن النص الحكومي سيكون "أكثر طموحًا" من مجرد حظر بسيط، ليشمل موضوعات أخرى على أجندة ماكرون، مثل مكافحة التدخلات الأجنبية وشفافية الخوارزميات، إلا أن فقدان الرئيس لأغلبيته البرلمانية يجعل تمرير مثل هذا المشروع الواسع أمرًا معقدًا، خاصة أمام نص يقدمه حزبه نفسه.
تعقيدات قانونية
أحالت رئيسة الجمعية الوطنية ياييل براون بيفيه مشروع قانون ميلر إلى مجلس الدولة للبت في توافقه مع التشريعات الأوروبية، على أن يصدر رأيه في 8 يناير قبل المناقشة البرلمانية بـ11 يومًا فقط، حسبما علمت "بوليتيكو" من ثلاثة مصادر برلمانية.
ويواجه المشروع تحديًا معقدًا لأنه يخضع للإطار التنظيمي الأوروبي للخدمات الرقمية، وهو العائق ذاته الذي أفشل قانونًا مشابهًا قدمه النائب لوران مارسانجيلي من حزب "هوريزون" عام 2023، إذ صُوت عليه لكنه لم يدخل حيز التنفيذ أبدًا بسبب عدم توافقه مع القانون الأوروبي.
ولم يتردد بعض مستشاري الإليزيه في انتقاد نص ميلر أمام ممثلي القطاع الرقمي، متوقعين له المصير نفسه الذي لاقاه قانون مارسانجيلي، منتقدين صياغته ومتانته القانونية.
منصات مستهدفة
يرى مسؤول في إحدى المنصات الكبرى، حسب "بوليتيكو"، أن "2026 ستكون آخر سنة رئاسية حقيقية لماكرون"، موضحًا: "يرغب في تمرير نص بهدف تحسين حصيلته، لكن أيضًا لأن عينيه على انتخابات 2027، حيث لم يعد التجمع الوطني منافسًا بل المرشح الأوفر حظًا".
وفي المقابل، يعترف ممثل آخر للمنصات الرقمية بأن هذا "الصراع الأبوي" يتيح لهم "كسب الوقت"، مشيرًا إلى أن غياب التنسيق يترك ضبابية حول نطاق المنصات المستهدفة.
فبينما تُذكر صراحةً منصات تيك توك وإكس (تويتر سابقًا) وإنستجرام وفيسبوك في النصوص المقترحة، يبقى الوضع غامضًا بالنسبة لمنصات أخرى مثل يوتيوب وتويتش وكيك، ما يعقد تطبيق أي قانون مستقبلي.
هذا المحتوى مقدم من القاهرة الإخبارية
