ما بعد «قيصر».. هل تمهد المتغيرات الدولية لإعادة بناء الاقتصاد السوري؟

يشكل رفع العقوبات الدولية عن سوريا، وفي مقدمتها قانون «قيصر»، تحولاً لافتاً في المشهد الاقتصادي بعد سنوات طويلة من القيود التي عمّقت أزمات الإنتاج والتجارة والتمويل.

وتأتي هذه الخطوة في ظل متغيرات دولية وإقليمية متسارعة تفتح الباب أمام إعادة تحريك عجلة الاقتصاد، عبر تنشيط التبادل التجاري، وجذب استثمارات محدودة، وتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية والإنمائية، بما يعيد طرح ملف التعافي الاقتصادي، وإعادة البناء كأولوية على الأجندة الإقليمية والدولية لمساندة الحكومة الجديدة التي تشكلت في مارس الماضي.

وصوت مجلس النواب الأميركي الأربعاء الماضي، بالأغلبية لصالح إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب «قانون قيصر» الذي أُقرّ في ديسمبر 2019 لمعاقبة نظام الرئيس السابق بشار الأسد على جرائم الحرب التي ارتكبها بحق السوريين.

«النواب الأميركي» يقر إلغاء عقوبات «قيصر» على سوريا

ويعد «قانون قيصر» أكثر العقوبات صرامة، إذ يمنع أي دولة من التعامل مع الحكومة السورية السابقة، ويقيد أي نشاط قد يُسهم في دعم أفراد هذه الحكومة مالياً أو لوجستياً.

ويؤكد خبيران اقتصاديان تحدثا مع «إرم بزنس» أن هذا التحوّل لن يكون فورياً أو سهلاً، إذ سيواجه تحديات بنيوية عميقة تشمل البنية التحتية المتضررة، والاستقرار السياسي والأمني، وضرورة إصلاح النظام المالي والمصرفي.

ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور عبدالقادر عزوز في حديثه مع «إرم بزنس»، إن هناك فرصة حقيقية لتعافي الاقتصاد، بعد إلغاء «قانون قيصر» من خلال العمل على عدة مسارات متوازية ومنها تحديث البيئة التشريعية لجذب الاستثمار وحماية رأس المال، وتعزيز الشفافية المالية، وإعادة هيكلة القطاع العام الإنتاجي لرفع الكفاءة، وإطلاق خطة وطنية لإعادة الإعمار تركز على الطاقة، والنقل، والصناعة، والزراعة، والتكنولوجيا.

تحسن تدريجي

وأوضح عزوز أن انعكاسات القرار ستظهر في تحسن تدريجي لسعر الصرف نتيجة زيادة التحويلات الرسمية، وارتفاع المعروض من العملات الأجنبية، إضافة إلى انخفاض كلفة الاستيراد، ما يسهم في كبح التضخم وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص عبر تقديم حوافز ضريبية وتمويلية واضحة، والتمهيد لإعادة إدماج تدريجي في الاقتصادات الإقليمية عبر سياسات اقتصادية واضحة وبيئة مؤسسية داعمة لتحويل الفرص إلى واقع مستدام.

وأكد أستاذ الاقتصاد أن إزالة العقوبات ستسهم في تحسين الوضع الاقتصادي عبر توفير العملة الأجنبية وتعزيز القدرة على استيراد المواد الأساسية والآلات والتقنيات اللازمة لإعادة تشغيل المصانع المتوقفة، والمساهمة في استقرار الأسعار في الأسواق المحلية.

قلعة حلب، أحد أهم المعالم التاريخية في سوريا، 27 سبتمبر 2025.

إنهاء العزلة

من جانبه، اعتبر وزير الاقتصاد والصناعة السوري نضال الشعار، في تصريحات متلفزة، أن قرار إلغاء «قانون قيصر» يمثل خطوةً تاريخية تزيل أحد أكبر العوائق التي واجهت الاقتصاد السوري، وتفتح آفاقاً واسعة أمام عودة الاستثمارات والمساعدات لدعم جهود إعادة الإعمار.

ويشير الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم قوشجي، في تصريح لـ«إرم بزنس»، إلى أن إلغاء هذا القانون يمثل نقطة تحول جوهرية تعيد صياغة البنية القانونية والمالية التي قيّدت أداء الاقتصاد السوري لسنوات طويلة.

وأوضح أن هذا الإجراء يفتح الباب أمام رفع القيود المفروضة على النظام المالي، ويُعيد دمج المصارف السورية في شبكة «سويفت» العالمية، وهو ما يضع حداً لحالة العزلة المصرفية، ويوفر إطاراً تشريعياً ومالياً أكثر ملاءمة لعودة تدفقات الاستثمار والتمويل الخارجي، خاصة في مرحلة إعادة الإعمار.

وأضاف أن إلغاء القانون من شأنه تسهيل عودة الشركات العربية والأجنبية إلى السوق السورية، ودعم تعافي القطاع المصرفي عبر تنشيط العلاقات المالية الدولية، وهو ما سينعكس إيجاباً على فرص التمويل والتجارة الخارجية، ويعزز تنافسية المنتج السوري في الأسواق الإقليمية والعالمية.

إصلاحات هيكلية

وفي محاولة إعادة بناء الاقتصاد السوري المنهار، عملت الحكومة السورية في الأشهر الثلاثة الماضية على هيكلة الإطار القانوني والمؤسسي لقطاع الاستثمار، بما ينسجم مع التحولات التي تشهدها البلاد، ولجذب الاستثمار الأجنبي لما يوفره من فرص بالغة الأهمية لسد الفجوة الاستثمارية، ورفع نسب النمو.

وفي هذا السياق، كان الرئيس السوري أحمد الشرع قد أعلن في جلسة حوارية في مدينة إدلب، خلال أغسطس الماضي، عن استقطاب بلاده استثمارات خارجية بلغت قيمتها 28.5 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، متوقعاً وصولها إلى 100 مليار دولار قبل نهايته، معتبراً أن ذلك يشكل أساساً لإعادة إعمار البلاد التي دمرتها الحرب.

استثمارات مباشرة

واستطاعت الحكومة السورية منذ تشكيلها في مارس الماضي على توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع عدد من الشركات العربية والدولية، مما يشكل خطوة مفصلية نحو انطلاقة جديدة في الاقتصاد السوري، وتمهّد لمرحلة إعادة الإعمار، وتنشّط القطاعات الإنتاجية، وتحرك عجلة الاقتصاد، لا سيما الصناعية منها.

وفي أغسطس الماضي، أعلنت هيئة الاستثمار عن توقيع عدد من المشاريع الإستراتيجية الكبرى بقيمة إجمالية تبلغ 14 مليار دولار، أبرزها مطار دمشق الدولي باستثمار يبلغ 4 مليارات دولار، ومترو دمشق باستثمار ملياري دولار، ومشروع حيوي للبنية التحتية والتنقل الحضري، وأبراج دمشق باستثمار ملياري دولار، وأبراج البرامكة باستثمار 500 مليون دولار، ومول البرامكة باستثمار 60 مليون دولار.

كما نجحت سوريا في استقطاب شراكات ضخمة منها توقيع اتفاقية إستراتيجية بين الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في سوريا وشركة موانئ دبي العالمية بقيمة استثمارية تبلغ 800 مليون دولار، لاستثمار وتشغيل وتوسعة وإدارة ميناء طرطوس، وتطوير بنيته التشغيلية واللوجستية بما يتوافق مع المعايير الدولية.

كما وقعت مع الشركة الفرنسية CMA CGM في نهاية شهر مايو الماضي، لإدارة وتشغيل محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية لمدة 30 عاماً، بضخ استثمارات أولية بقيمة 30 مليون يورو خلال السنة الأولى، كما ستضخ، في السنوات الثلاث التالية، استثمارات إضافية تصل إلى 200 مليون يورو.

وفي مجال الطاقة، وقعت سوريا في الشهر ذاته اتفاقية ومذكرة تفاهم مع تحالف شركات دولية، بقيمة 7 مليارات دولار، بما يتيح توليد 5 آلاف ميغاواط من الكهرباء عبر 4 محطات غازية، إضافة إلى إنشاء محطة طاقة شمسية بسعة 1000 ميغاواط.

وفي المجال الإعلامي بدأت سوريا في إنشاء مدينة إعلامية باستثمارات 1.5 مليار دولار؛ بهدف توطين الصناعة الدرامية والسينمائية داخل البلاد.

وزير سوري: إلغاء «قانون قيصر» خطوة تاريخية لعودة الاستثمارات

تحديات وفرص

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه عملية إعادة الإعمار، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة دمشق عبدالقادر عزوز في حديثه مع «إرم بزنس» أن سوريا تواجه الكثير من التحديات أهمها كيفية التعامل مع آلية الإمتثال التي تفرضها الدول الغربية للرفع التام لكافة العقوبات الاقتصادية، والتي تتضمن شروطاً تتعلق بتحقيق الاستقرار الأمني والانتقال السياسي، فضلاً عن ضخامة حجم احتياجات إعادة الإعمار التي يقدرها صندوق النقد الدولي بحوالي 216 مليار دولار.

ولكنه أعرب عن تفاؤله بشأن قدرة الاقتصاد السوري على الانتعاش مجدداً باعتباره اقتصاداً إنتاجياً وليس ريعياً، ولديه الكثير من الفرص لتحقيق النمو عبر استكمال تحسين المناخ الاستثماري وجذب الدعم المالي الخارجي، والاستخدام الأمثل لموارده البشرية والطبيعة بشرط استكمال الإصلاحات المؤسسية التي تضمن مكافحة الفساد الإداري، وتحقيق الشفافية والحوكمة، والحفاظ على سياسة التوازن والتعاون مع القوى الإقليمية والدولية.


هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من إرم بزنس

منذ 29 دقيقة
منذ 59 دقيقة
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ ساعة
صحيفة الاقتصادية منذ 15 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 3 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 12 ساعة
فوربس الشرق الأوسط منذ 4 ساعات
منصة CNN الاقتصادية منذ ساعة
منصة CNN الاقتصادية منذ ساعة
قناة CNBC عربية منذ 20 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 12 ساعة