ليلى بنت قاسم البلوشية تكتب: التمكين بالحوكمة: من الفكرة إلى البنية، ومن الفلسفة إلى الواقع المؤسسي

ليلى بنت قاسم البلوشية

حين ننظر إلى الحوكمة لا بوصفها أداة تنظيم، بل كـ نسق فلسفي يحدد علاقة الفرد بالمؤسسة، والمجتمع بالنظام، ندرك أن الحوكمة ليست تخصصا إداريًا ضمن بنية بيروقراطية، بل هي ضمير المؤسّسة و الميزان الخفي الذي يُقيم الأداء بالعدل، ويزن القرارات بالقيمة الأخلاقية لا بالمصلحة الظرفية.

الحوكمة ليست مجرد لوائح، ولا معايير صُمّمت لتزيين التقارير. إنها عقل المؤسسة الواعي، الذي يفرض أن تكون الشفافية أكثر من خطاب، والمساءلة أكثر من مراجعة، وأن تكون الكفاءة طريقًا وليس غاية.

في قطاع معقّد كالرعاية الصحية، حيث يمتزج الإنسان بالسياسة، والقرار بالوجدان، والمعرفة بالألم، تصبح الحوكمة ضرورة وجودية.

إنّ الأنظمة الصحية لا تُقاس فقط بعدد المراكز أو الأَسِرّة، بل تُقاس بمدى قدرتها على الحفاظ على الثقة، وصناعة العدالة، والتفاعل مع التحديات بما لا يُخِل بالقيم. وهنا تأتي الحوكمة بوصفها النموذج الأسمى للربط بين الأداء والأثر، وبين القرار والمسؤولية.

إن حوكمة النظام الصحي شرط أخلاقي و إستراتيجي لاستمرار المنظومة بكفاءة عاليه. وما قامت به وزارة الصحة في سلطنة عمان من تمكين لهذا التوجه في هيكلها الجديد، هو إعلان واضح بأن الإصلاح يبدأ من القمه ثم المتابعة الفعالة وأن العدل المؤسسي هو الطريق الأقصر لثقة المجتمع واستدامة الصحة العامة.

ولأن المؤسسات لا تتطور صدفة، بل تُبنى على رؤى واعية وإرادة سياسية جادّة، فإن تخصيص كيان مستقل للحوكمة في الهيكل التنظيمي الجديد للوزارة ليس مجرد تحديث إداري، بل هو نقلة فلسفية تعكس وعيًا قياديًا عميقًا بقيمة النظام المؤسسي القائم على النزاهة والمحاسبة، ضمن سياق رؤية عُمان 2040.

هذه الخطوة هي ترجمة واقعية لفكر متقدم، يُدرك أن صحة المواطن ليست سلعة، وأن كفاءة المؤسسة لا تُقاس بكمّ إنفاقها بل بكيفية إدارتها. الحوكمة هي الجوهر الذي يعيد تشكيل المفاهيم داخل القطاع الصحي، ويضمن الاستدامة عبر بناء نظام قادر على التفاعل، والتكيّف، والمحاسبة، في آنٍ واحد.

لقد أصبحنا اليوم أمام تحديات غير تقليدية، تحولات ديموغرافية، ارتفاع التكاليف، تغيّر توقعات المستفيدين، وتطور الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وكلها تحتاج إلى بنية حَوْكَمِيّة قادرة على إعادة ضبط بوصلة النظام الصحي نحو الجودة والعدالة والابتكار.

ختاماً على مراكز الحوكمة أن لا تكتفي بالرصد والتقويم، بل أن تتحوّل إلى بيوت خبرة داخلية تُنتج السياسات، وتُعيد تعريف المخاطر، وتبني نماذج استباقية للتعامل مع التحديات، وتغرس ثقافة الحوكمة كنهج يومي، لا كممارسة فوقية.


هذا المحتوى مقدم من شؤون عُمانية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من شؤون عُمانية

منذ 4 ساعات
منذ ساعتين
منذ 4 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ ساعة
منذ 5 ساعات
صحيفة أثير الإلكترونية منذ 18 ساعة
إذاعة الوصال منذ 14 ساعة
إذاعة الوصال منذ 3 ساعات
صحيفة الرؤية العمانية منذ 18 ساعة
صحيفة الرؤية العمانية منذ 15 ساعة
وكالة الأنباء العمانية منذ 21 ساعة
إذاعة الوصال منذ 16 ساعة
صحيفة الرؤية العمانية منذ 18 ساعة