تحوّل استراتيجي في البث الرقمي.. من الاعتماد على الاشتراكات فقط إلى دمج الإعلانات كمصدر دخل أساسي.

شهد قطاع البث المباشر تحولاً جذرياً خلال السنوات الأخيرة، فمع تطور منصات البث الرقمي وتزايد المنافسة، اكتفت بعض المنصات الكبرى في البداية بنموذج الاشتراكات المدفوعة SVOD للوصول إلى محتواها. لكن الاعتماد على الاشتراكات فقط لم يكن كافيًا للوصول إلى جمهور واسع وتحقيق نمو مستدام. لذلك، جاء نموذج AVOD، الذي يتيح مشاهدة المحتوى مجانًا مع عرض الإعلانات، ليصبح حلاً استراتيجيًا أنقذ المنصات من القيود الاقتصادية وفتح الباب لجمهور أكبر وإيرادات إضافية.

واتجهت منصات كبرى مثل نتفليكس وديزني+ وأمازون برايم فيديو لتقديم باقات اشتراك جديدة مدعومة بالإعلانات. وتهدف هذه الخطوة إلى مواجهة تباطؤ نمو عدد المشتركين، وارتفاع تكاليف إنتاج المحتوى، وضمان مصادر دخل مستدامة للمنصات. ومنحت هذه الباقات فرصًا جديدة للمعلنين، لكنها أثارت أيضًا ردود فعل متفاوتة بين المشاهدين تجاه هذا التوجه الجديد.

أسباب الاتجاه للاشتراكات المدعومة بالإعلانات

شهدت منصات البث المباشر تحديات متعددة، أبرزها تشبع قاعدة المشتركين في أسواق رئيسية مثل الولايات المتحدة، حيث وصل نمو عدد المشتركين إلى حالة استقرار، مما دفع هذه المنصات للبحث عن مصادر دخل جديدة، في ظل محدودية قاعدة العملاء المتاحة.

كما سجلت زيادة في المنافسة من خدمات البث التلفزيوني المجانية المدعومة بالإعلانات (FAST) مثل بلوتو وتوبي وروكو، التي تفوقت على بعض المنصات المدفوعة من حيث الاستخدام، حيث يشاهد أكثر من ثلث الأمريكيين هذه القنوات على الأقل مرة واحدة شهريًا، ويتجاوز عدد القنوات المتاحة 3500 قناة، وفق دراسات حديثة.

إضافة إلى ذلك، ارتفعت تكاليف المحتوى بشكل كبير بسبب المنافسة على إنتاج أعمال أصلية عالية الجودة، مثل مسلسلات Stranger Things على نتفليكس وThe Mandalorian على ديزني+، إلى جانب ارتفاع تكلفة حقوق المحتوى الحالي.

واستجابة لهذه التحديات، طرحت المنصات باقات اشتراك مدعومة بالإعلانات، ما سمح لها بالحفاظ على الربحية، وتوسيع قاعدة جمهورها من خلال تقديم خيار أقل تكلفة للمستهلكين، بما يضمن استمرار نموها وقدرتها على المنافسة في سوق البث الرقمي المتزايد التعقيد.

فرصة ذهبية للمعلنين؟

لطالما كان الوصول إلى جمهور منصات البث الرقمي هدفًا يسعى إليه المعلنون، إلا أن بيئات مثل نتفليكس وديزني+ كانت مغلقة أمام العلامات التجارية قبل ظهور باقات الاشتراك المدعومة بالإعلانات. فرغم أعداد المشاهدين الكبيرة وساعات المشاهدة الطويلة، لم تتاح الفرصة للمعلنين للتفاعل مباشرة مع الجمهور.

مع إدخال هذه الباقات، تغير المشهد بشكل جذري، حيث أصبحت العلامات التجارية قادرة على الاستفادة من عدة مزايا بينها؛ الإعلانات الموجهة حيث تستغل المنصات بيانات المشاهدين لتقديم إعلانات دقيقة ومخصصة، تتناسب مع الفئات الديموغرافية وتفضيلات وسلوكيات المستخدمين، بالإضافة إلى ربط الإعلانات بالمحتوى المتميز، من خلال عرض الإعلانات بجانب برامج وأفلام عالية الجودة، ما يعزز صورة العلامة التجارية ويسهم في بناء علاقة إيجابية مع الجمهور.

بهذه الطريقة، وفرت باقات البث المدعومة بالإعلانات للمعلنين أداة قوية للوصول إلى جمهور مستهدف، وزيادة التأثير، وتعزيز قيمة العلامة التجارية في عالم المحتوى الرقمي.

نمو الإيرادات والإستراتيجيات المتباينة لمنصات البث

وفقًا لتقديرات منصة ستاتيستا، فمن المتوقع أن يحقق سوق الفيديو عبر الإنترنت العالمي حوالي 343.8 مليار دولار في عام 2025، وتشهد خدمات البث المدعومة بالإعلانات طفرة ملحوظة في الإيرادات، حيث سجلت ديزني+ في الولايات المتحدة 786 مليون دولار إعلانيًا عام 2023، متفوقة على نتفليكس التي بلغت إيراداتها 685 مليون دولار. ومع ذلك تشير أحدث التقديرات إلى أن نتفليكس ستتخطى ديزني+ بنهاية عام 2025، متوقعة تحقيق 1.14 مليار دولار مقابل 1.1 مليار دولار لديزني+.

يعكس هذا الفارق اختلافًا في الاستراتيجيات؛ فقد اعتمدت ديزني+ على ترقية المشتركين الحاليين إلى باقة أغلى خالية من الإعلانات، أو إبقاء السعر نفسه مع الإعلانات، ما ساهم في زيادة الاشتراكات المبكرة. في المقابل، طرحت نتفليكس باقة جديدة بالكامل مدعومة بالإعلانات بسعر أقل لجذب جمهور أوسع.

على الرغم من توسع الإيرادات الإعلانية، تظل الاشتراكات المصدر الرئيسي للربحية. وبفضل 238 مليون مشترك حول العالم حتى منتصف 2025، تتصدر نتفليكس المشهد من حيث الأرباح الإجمالية، محققة صافي دخل تجاوز 4.5 مليار دولار في العام السابق. بينما تستفيد ديزني+ من منظومة تضم هولو وESPN+ للوصول إلى جمهور أكبر، إلا أنها لا تزال خلف نتفليكس في مستويات الربحية النهائية.

كما تواصل Hulu، التي اعتمدت نموذج البث المدعوم بالإعلانات مبكرًا، تحقيق أرباح أعلى لكل مستخدم مقارنة بالباقة الخالية من الإعلانات، حيث يختار أكثر من 90% من مشتركيها هذه الباقة. فيما شهدت Peacock نموًا لافتًا بفضل تركيزها على الباقات المجانية أو منخفضة التكلفة المدعومة بالإعلانات، متجاوزةً 30 مليون مشترك بحلول أواخر 2024.

ويُعتبر النموذج الهجين الأكثر فعالية، حيث يجمع بين البث المدعوم بالإعلانات (AVOD) والاشتراكات المدفوعة (SVOD). يتيح البدء بالمحتوى المدعوم بالإعلانات جذب جمهور واسع بسرعة، فيما توفر الاشتراكات المدفوعة مصدر دخل ثابت على المدى الطويل. هذا المزيج يحقق توازنًا مثاليًا بين نمو قاعدة المستخدمين وتوليد الإيرادات في سوق البث الرقمي شديد التنافسية.

ردود أفعال المستهلكين.. بين القبول والجدل

حققت الباقات المدعومة بالإعلانات نجاحًا ماليًا لمنصات البث المباشر ومكاسب للمعلنين، إلا أن ردود فعل المستهلكين كانت متباينة. توفر الباقات المدعومة بالإعلانات خيارًا اقتصاديًا للمشاهدين، حيث تسمح للأسر بالاستمتاع بالمحتوى دون تكبد نفقات كبيرة، كما تتيح للمستخدمين ذوي الميزانية المحدودة الوصول إلى نفس مكتبات الأفلام والمسلسلات التي يتمتع بها مشتركو الباقات الخالية من الإعلانات.

من جهة أخرى، أثارت الباقات المدعومة بالإعلانات ردود فعل سلبية بين بعض المشتركين، حيث يشعر المشتركون القدامى بخيبة أمل نتيجة إدخال الإعلانات الذي يقلل من متعة المشاهدة المعتادة. كما تزايدت الشكاوى على منصات التواصل الاجتماعي بسبب طول وتكرار الإعلانات، خاصة في المحتوى الذي كان خاليًا منها سابقًا. بالإضافة إلى ذلك، عبّر بعض المستخدمين عن إحساسهم بالازدواجية في الدفع، معتبرين أن دفع رسوم الاشتراك مع مشاهدة الإعلانات يشبه العودة إلى التلفزيون الكلاسيكي المدفوع بالكابل.

وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 70% من المستهلكين اليوم يثقون بأن اشتراكات البث المباشر تقدم خدمات أفضل مقارنة بالتلفزيون التقليدي، ما يعكس التحول الكبير في صناعة الترفيه والإعلام.

وكشف أحدث تقرير صادر عن Hub Entertainment Research أن إرهاق المستهلكين من ارتفاع الأسعار أصبح واقعًا ملموسًا. وأظهر التقرير أن المشاهدين باتوا أكثر استعدادًا لتقبّل الإعلانات، لا سيما عندما يترتب عليها خفض تكاليف الاشتراك.

كما أشار التقرير إلى أن المستهلكين يميلون إلى اختيار الباقات التي تحقق أفضل توازن بين الخدمات والميزات، مؤكدًا أن المشتركين يظلون أكثر تفاعلًا وولاءً للمنصات التي تقدم قيمة حقيقية تتناسب مع احتياجاتهم وتوقعاتهم.

أفادت الدراسة، بأن باقات البث المجمعة، مثل Disney+ مع Max أو Hulu مع Disney+، تسهم بشكل واضح في تعزيز ولاء المستخدمين. وذكر نحو 42% من المشتركين أنهم أكثر ميلاً للاستمرار في الاشتراك عند الحصول على الخدمات ضمن باقة واحدة، مقارنة بالاشتراك في كل خدمة على حدة.

التحدي الأبرز أمام منصات البث

مع التحول إلى باقات الاشتراك المدعومة بالإعلانات، تواجه منصات البث المباشر تحديًا كبيرًا يتمثل في موازنة تحقيق الأرباح مع الحفاظ على رضا المشاهدين. وبينما توفر الإعلانات مصدر دخل جديد، فإن الإفراط فيها قد يؤدي إلى نفور الجمهور وفقدان المصداقية

باتت منصات البث الرقمي أمام هذا التحدي بشكل مباشر ما دفعها إلى محاولة تقديم تجربة مشاهدة مريحة رغم إدراج الإعلانات. حددت نتفليكس على سبيل المثال، إجمالي مدة الإعلانات بما بين 4 و5 دقائق في الساعة، أقل بكثير من التلفزيون التقليدي، بينما تقدم أمازون برايم محتوى مع فواصل محدودة يظهر فيها إعلان راعٍ قبل بدء العرض، ما نال إعجاب المشاهدين.

ولا تقتصر الجهود على تقليل المدة، بل تشمل تخصيص الإعلانات لتكون أكثر ملاءمة وذات قيمة. يمكن للمستخدمين اختيار الإعلان الذي يرغبون في مشاهدته أو التفاعل مع علامات تجارية معينة، كما تسمح منصات مثل هولو بهذا النوع من التحكم الشخصي، مما يحوّل الإعلان إلى تجربة أقل إزعاجًا وأكثر فعالية.

كما توفر بعض المنصات خيارات مرنة للمشتركين عبر نموذج هجين، يتيح دفع مبلغ إضافي لتقليل الإعلانات أو الحصول على مزايا إضافية، ما يوازن بين الربحية ورضا المشاهد، ويضمن تجربة مشاهدة سلسة ومتكاملة.


هذا المحتوى مقدم من العلم

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من العلم

منذ 12 دقيقة
منذ ساعة
سي ان ان بالعربية - منوعات منذ ساعتين
موقع سفاري منذ 14 ساعة
بيلبورد عربية منذ 20 دقيقة
موقع سائح منذ ساعة
موقع سفاري منذ 14 ساعة
موقع سفاري منذ 15 ساعة
موقع سفاري منذ 14 ساعة
العلم منذ 21 ساعة