أصبح الخرف اليوم السبب الأول للوفاة في المملكة المتحدة، حيث يُقدَّر عدد المصابين بأكثر من مليون شخص، بحسب تقرير صادر عن جمعية الزهايمر الخيرية نُشر العام الماضي. ورغم ذلك، تشير التقديرات إلى أن نحو ثلث المصابين لا يزالون دون تشخيص.
ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة " الديلي ميل" يرجع هذا التأخر، إلى الاعتقاد السائد بأن أعراضًا مثل فقدان الذاكرة أو الارتباك جزء طبيعي من الشيخوخة، إضافة إلى محدودية الوعي بالأعراض المبكرة، خاصة أن فقدان الذاكرة ليس العلامة الأولى دائمًا، ولا يظهر في المراحل المبكرة لبعض أنواع الخرف مثل الخرف الجبهي الصدغي، وفقًا لخبراء.
يودي الخرف بحياة نحو 76 ألف شخص سنويًا في المملكة المتحدة، وهو أكبر سبب للوفاة، غالبًا نتيجة مضاعفات مرتبطة بضعف جهاز المناعة مثل الالتهاب الرئوي أو صعوبة البلع. وتقدّر التكاليف الاقتصادية المرتبطة بالخرف، بما في ذلك الرعاية على مدار الساعة، بحوالي 42 مليار جنيه إسترليني سنويًا، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه التكاليف بحلول عام 2040، وفق جمعية الزهايمر الخيرية.
وفي خطوة لزيادة الوعي والتشخيص المبكر، أطلقت صحيفة ديلي ميل هذا الشهر حملة "التغلب على الخرف" بالتعاون مع الجمعية، فيما يشير العلماء إلى أن نحو 45% من حالات الخرف يمكن الوقاية منها أو تأخير ظهور أعراضها، ما يمنح الناس فرصة للتمتع بحياة أطول وأكثر صحة.
ويوضح الدكتور ريتشارد أوكلي، المدير المساعد للبحث والابتكار في جمعية الزهايمر، أن الخرف يشمل أكثر من 100 مرض مختلف يؤثر كل منها على أجزاء مختلفة من الدماغ، ما يؤدي إلى أعراض متباينة في بدايات المرض.
تغيرات في الشخصية تُنذر بالخرف
يحذّر خبراء من أن نوبات العصبية المتكررة أو صعوبات التركيز في منتصف العمر قد تمثل مؤشرات مبكرة على خطر الإصابة بالخرف. وفي دراسة بريطانية طويلة الأمد تابعت أكثر من 5 آلاف شخص بالغ فوق سن 55 عامًا على مدى أكثر من عقدين، تبيّن أن الأفراد الذين ظهرت لديهم مجموعات محددة من أعراض الاكتئاب كانوا أكثر عرضة للإصابة بالخرف في مراحل لاحقة من حياتهم.
وأظهرت النتائج أن أعلى مستويات الخطر سُجّلت لدى من عانوا من خمسة أعراض تحذيرية أو أكثر من أصل ستة، شملت تفاقم القلق، وصعوبات التركيز، وعدم القدرة على مواجهة المشكلات، وتراجع الدفء أو المودة تجاه الآخرين، وفقدان الثقة بالنفس.
. كما شملت المؤشرات السلبية الأخرى الشعور بعدم الرضا عن طريقة إنجاز المهام اليومية. وأوضح الباحثون أن النتائج، التي نُشرت في مجلة لانسيت للطب النفسي، قد توفر للأطباء أداة مبكرة لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بالخرف، قبل سنوات من ظهور الأعراض المعروفة مثل فقدان الذاكرة والارتباك
وخلص الباحثون إلى أن الانتباه للأعراض النفسية اليومية في منتصف العمر قد يفتح آفاقًا جديدة للوقاية والكشف المبكر، مع التأكيد على أن الاكتئاب لا يعني بالضرورة الإصابة بالخرف، والعكس صحي.
أعراض سلوكية للخرف المبكر
يوضح كبار الخبراء ستة من أبرز أعراض الخرف المبكر التي تستحق الانتباه، والتي قد تظهر بشكل منفرد أو مجتمعة لدى المصابين.
الارتباك والضياع
تشير البروفيسورة ديم لويز روبنسون إلى أن الارتباك أو فقدان التوجه قد يمثل علامة تحذيرية مبكرة للخرف. وإذا ظهر فجأة خلال ساعات أو أيام، فغالبًا ما يكون مرتبطًا بحالة طبية قابلة للعلاج، مثل التهاب الصدر أو المسالك البولية، أو تأثير بعض الأدوية مثل مسكنات الألم القوية أو الحبوب المنومة.
ومع ذلك، فإن استمرار الارتباك على مدى فترة أطول شائع في المراحل المبكرة من عدة أنواع من الخرف، بما في ذلك مرض الزهايمر والخرف الوعائي، نتيجة انخفاض تدفق الدم إلى الدماغ. وتوضح روبنسون: "قد يخطئ الأشخاص في المواعيد بشكل متكرر أو يشترون مواد البقالة التي اشتروها بالفعل. في هذه الحالات، يُنصح بمراجعة الطبيب فورًا."
فقدان الذاكرة يومياً
يُعد فقدان الذاكرة أحد أبرز أعراض الخرف، وغالبًا ما يكون من العلامات المبكرة لمرض الزهايمر، نتيجة تلف أجزاء الدماغ المسؤولة عن تكوين واسترجاع الذكريات، خصوصًا الحصين في الفص الصدغي.
يشير البروفيسور روبنسون إلى أن تراكم بروتينات الأميلويد والتاو يعيق معالجة الدماغ للمعلومات، ما يؤثر على الذاكرة. ومع تقدم العمر، قد تتباطأ وظائف الجسم بما في ذلك الذاكرة، لكن إذا تفاقمت المشاكل أو أثرت على الحياة اليومية، يُنصح بمراجعة الطبيب.
ويؤدي الخرف إلى صعوبة تكوين ذكريات جديدة، ما يفسر قدرة المصابين على تذكر أحداث بعيدة بينما ينسون محادثات حديثة، إلى جانب نسيان الأسماء، الضياع في أماكن مألوفة، صعوبة أداء مهام يومية، ونسيان المواعيد أو تناول الأدوية.
مشاكل في التواصل
مع التقدم في السن، قد يواجه معظم الأشخاص صعوبة مؤقتة في إيجاد الكلمات، لكنها عادةً ما تزول سريعًا. أما إذا ازدادت صعوبة استخدام الكلمات أو فهمها، فقد يكون ذلك من أعراض الخرف، مثل الخرف الجبهي الصدغي أو الخرف الوعائي. وتشمل العلامات خلط الكلمات، تكرارها، أو تقصير الجمل، نتيجة تلف مناطق الدماغ المسؤولة عن اللغة والتواصل. وقد يعوّض المصابون عن الكلمات المفقودة بالإيماءات أو كلمات عامة، ما يجعل ملاحظة التغير اللغوي تتطلب وقتًا.
سوء تقدير المسافة
الرؤية عملية معقدة تعتمد على تفسير الدماغ للمعلومات المستقبلة من العيون. ويشير البروفيسور فوكس متخصص في أنواع نادرة من الخرف إلى أن بعض الأشخاص يواجهون صعوبات بصرية رغم سلامة العيون، نتيجة تلف الفص القذالي والجداري بسبب تراكم بروتينات الأميلويد وتاو في الدماغ.
تشمل العلامات التحذيرية صعوبة تقدير المسافات، الاصطدام بالأشياء، صعوبة تمييز الأشياء أو فهم الأنماط المعقدة، وهي مشاكل لا تُحل بزيارة طبيب العيون. وقد تكون هذه الأعراض البصرية المبكرة الوحيدة في بعض أنواع الخرف النادرة، حتى إذا كانت اختبارات الذاكرة طبيعية.
تحول في طبيعة الأشخاص
يشير البروفيسور فوكس إلى أن التغيرات غير المعتادة في تفاعل الشخص مع الآخرين، مثل قلة التعاطف أو التصرفات الجارحة، قد تكون علامة مبكرة على الخرف الجبهي الصدغي، الذي يصيب غالبًا من هم دون 65 عامًا.
تشمل الأعراض الأخرى التعلق بالروتين، التفكير الجامد، والانسحاب الاجتماعي، بالإضافة إلى القلق أو الحزن أو فقدان الاهتمام بالهوايات، وقد تظهر أيضًا في مراحل مبكرة من الزهايمر والخرف الوعائي. ويشير فوكس إلى أن هذه الأعراض غالبًا ما تُعزى خطأً لأسباب أخرى مثل الإجهاد أو التغيرات الهرمونية.
صعوبة التنظيم
تتدهور قدرات التنظيم والتخطيط عند تضرر الفص الجبهي في الدماغ، نتيجة المرض أو الإصابة. ويشير باريش مالهوترا أستاذ علم الأعصاب السريري في إمبريال كوليدج لندن، إلى أنه إذا لاحظت تغيّرًا لدى شخص معتاد على التنظيم، مثل نسيان ترتيبات السفر أو أنشطة العائلة، فهذا قد يكون مؤشرًا للقلق بشأن الخرف.
هذا المحتوى مقدم من العلم
