هل يحدد لقاء السيسي والبرهان مستقبل الأزمة السودانية؟

ملخص قرار البرهان بإحالات ضباط للتقاعد يمثل إجراء انتقائياً يوازن بين هدفين، تحييد أية مراكز قوة محتملة قد تشكل تحدياً لسلطته من الداخل، وتقديم خطوة محسوبة تصلح للاستهلاك الدبلوماسي.

جاءت زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة ولقائه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، أمس الخميس في سياق الحرب السودانية المتصاعدة منذ أبريل (نيسان) 2023، التي أنتجت أزمات سياسية وأمنية معقدة، لم تقتصر على الداخل السوداني فحسب، بل باتت مهددة لعلاقات السودان الثنائية مع دول الجوار، خصوصاً مصر، التي تنظر إلى السودان باعتباره عمقاً استراتيجياً لا يحتمل مزيداً من التوترات.

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more حرصت القاهرة عبر هذا اللقاء على توجيه رسالة صلبة مفادها أن وحدة السودان وسلامة أراضيه "خط أحمر"، وأن الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية شرط لا غنى عنه لأية تسوية سياسية قادمة. حملت تصريحات السيسي نبرة حاسمة بأن تفكك السودان لن يكون أزمة داخلية معزولة، بل ارتداداً إقليمياً واسع الأثر يطاول أمن وادي النيل والقرن الأفريقي والبحر الأحمر معاً. ومن هذا المنطلق بدا الموقف المصري أقرب إلى تحذير استراتيجي من مغبة الانزلاق نحو سيناريوهات التفكيك أو فرض الوقائع بالقوة.

في المقابل، وصل البرهان إلى القاهرة مثقلاً بتعقيدات الأزمة السودانية، مع تآكل فرص السلام تحت وطأة القتال المستمر والتشرذم السياسي، وتصاعد الشكوك داخل المؤسسة العسكرية نفسها. فقد سبق للبرهان أن أقر، خلال لقاء سابق بالقاهرة مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بأن تحديات داخلية عميقة تعرقل تهيئة المناخ لأية مفاوضات جادة، في وقت تتنامى حال السخط بين ضباط ينظرون بقلق إلى انفتاحه على مسارات خارجية ربما تهدد مكانتهم، وبين طلب الدعم السياسي لتعزيز موقعه التفاوضي، والحاجة إلى طمأنة حلفاء الداخل، يتحرك البرهان في مساحة ضيقة تحكمها توازنات هشة وضغوط متعارضة.

تشكل الزيارة محطة اختبار حقيقية لمحاولات احتواء مسار الأزمة السودانية ومنع انزلاقها نحو مزيد من التعقيد. فهي تعكس مسعى لربط تطورات الحرب باعتبارات الدولة ومؤسساتها، وإعادة وضع الصراع السوداني ضمن معادلة الاستقرار الإقليمي، في سياق لا يسمح لمصر بالوقوف على مسافة واحدة، ولا يتيح للسودان هامشاً واسعاً للمناورة الزمنية.

تفعيل الاتفاقية لوّحت مصر بإمكانية تفعيل "اتفاقية الدفاع المشترك" مع السودان، في إشارة لإدخال الأزمة السودانية في إطار الالتزامات السيادية المنظمة، في لحظة بات الصراع يتجاوز توصيفه كحرب داخلية، ليلامس مفاهيم تهديد الدولة ووحدة أراضيها، بما ينعكس مباشرة على الأمن القومي المصري.

وُقعت الاتفاقية في الـ15 من يوليو (تموز) 1976 بالإسكندرية بين الرئيسين أنور السادات وجعفر النميري، استكمالاً لمسار التكامل بين البلدين الذي بدأ بـ"منهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي" في فبراير (شباط) 1974، وبالاستناد إلى معاهدة الدفاع المشترك العربية لعام 1950.

وفي جوهرها، تمثل الاتفاقية إطاراً قانونياً وأمنياً للتنسيق بين القاهرة والخرطوم عند تعرض أي منهما لتهديد جسيم. فقد نصت المادة الأولى على أن أي اعتداء مسلح يقع على أحد الطرفين أو على قواته المسلحة يُعد اعتداء عليهما معاً، ويلزم الطرف الآخر بتقديم المعاونة واتخاذ التدابير اللازمة، بما فيها استخدام القوة المسلحة، استناداً إلى ميثاقي الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. ووسعت المادة الثانية نطاق التطبيق ليشمل حالات خطر اندلاع الحرب أو الاعتداء المفاجئ أو نشوء حال طارئة يُخشى خطرها، مع الالتزام بتبادل المعلومات والتشاور وتوحيد الخطط والحركة فوراً.

أما دواعي استحضار الاتفاقية مع زيارة البرهان، فتتصل بتحول الحرب السودانية إلى عامل تهديد إقليمي مباشر. فتصاعد العنف، واتساع رقعة الانتهاكات، وخطر تفكك مؤسسات الدولة، كلها عوامل تجعل من التنسيق الأمني المنظم خياراً أقل كلفة من الانتظار. وفي هذا السياق، لا يُفهم التلويح بالاتفاقية كإعلان تدخل عسكري، بل كأداة ردع وضغط سياسي - أمني، تهدف إلى حماية منطق الدولة، وضبط مسار الصراع، ومنع انتقال تداعياته إلى المجال الحيوي المصري والإقليمي.

حديث السيسي عن "الخطوط الحمراء" يعكس النية في ردع أي مسار يفضي إلى تقويض مؤسسات الدولة السودانية أو فرض كيانات موازية بقوة السلاح، وهي سيناريوهات ترى القاهرة أنها تمس مباشرة أمنها القومي. ومن هنا، يصبح تفعيل الاتفاقية أداة ضغط استراتيجية، ورسالة مزدوجة، إلى الفاعلين المسلحين بأن تفكيك الدولة لن يمر بلا كلفة، وإلى المجتمع الدولي بأن مصر لن تقف متفرجة على انهيار جارها الجنوبي.

في هذا السياق، لا ينفصل الموقف المصري عن كونه جزءاً من مسار الرباعية الدولية (واشنطن والرياض والقاهرة وأبو ظبي)، ولا عن دعوتها لهدنة إنسانية وممرات آمنة للمدنيين. وتفعيل "اتفاقية الدفاع المشترك"، في جوهره، محاولة أخيرة لإعادة الصراع السوداني إلى منطق الدولة قبل أن يبتلعه منطق الفوضى، بما يحمله ذلك من ارتدادات تتجاوز حدود السودان إلى قلب الإقليم.

محاولة استباقية يتمثل الدافع المعلن للتحرك المصري، الأكثر جدية من أي وقت مضى خلال ما يقارب ثلاثة أعوام من الحرب السودانية، في وقف نزيف الدم ومنع انهيار مؤسسات الدولة السودانية، لكن خلف هذا العنوان الإنساني والسيادي تختبئ أهداف أكثر تركيباً. فمصر ترى أن استمرار الحرب يخلق واقعاً جديداً تتآكل فيه فكرة الدولة لصالح فاعلين مسلحين عابرين للحدود، واقتصادات حرب لا تعترف بالقانون ولا بالسيادة. هذا السيناريو، إذا استمر، لن يهدد السودان وحده، بل سيعيد تشكيل بيئة أمنية هشة تتمدد شمالاً لتضع مصر أمام مخاطر مزمنة لا يمكن احتواؤها بالأدوات التقليدية.

من هنا، يوجه تحرك السيسي رسالة محسوبة إلى المجتمع الدولي مفادها أن إدارة الأزمة عن بُعد لم تعد كافية، وأن ترك السودان رهينة.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 5 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 50 دقيقة
منذ ساعتين
منذ ساعتين
قناة روسيا اليوم منذ 11 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 8 ساعات
قناة العربية منذ 9 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 41 دقيقة
قناة روسيا اليوم منذ 6 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ ساعتين
سكاي نيوز عربية منذ ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 7 ساعات