الدبلوماسية المناخية.. جهود عالمية لكبح الاحترار (1 - 2)
طه حسيب (أبوظبي)
مواجهة التحديات المناخية والظروف البيئية الصعبة، ليست جديدة على الإمارات، فمنذ أربعينيات القرن الماضي، وقبل أن يدرك العالم مصطلحات الاستدامة و«التغير المناخي» أو «الاحتباس الحراري»، نجح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في احتواء هذه الظروف بتوسيع أفلاج العين (نظام للري يعتمد على المياه الجوفية ويتغلب على تحديات شُحّ المياه). وقبل 200 عام، استجاب سكان الإمارات للتحدي المناخي، خاصة درجات الحرارة المرتفعة، بابتكار أنماط معمارية، تضم البراجيل (أعمدة لتبريد الهواء في المنازل)، دأب السكان على استخدامها، قبل انتشار أجهزة تكييف الهواء.
العمل المناخي يمثّل الهدف رقم 13 من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، هدف يدعو لإجراءات عاجلة للحد من التأثيرات السلبية للتغير المناخي.
وينطلق العمل المناخي من مرتكزات حماية الطبيعة واستدامة الموارد للأجيال المقبلة، مرتكزات راسخة في فكر المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي قال: (.. وكما أجدادنا، كذلك نحن الذين نعيش فوق هذه الأرض المباركة، مسؤولون عن الاهتمام ببيئتنا، وحماية الحياة البرية فيها واجب علينا، إنه واجب الوفاء لأسلافنا وأحفادنا على حد سواء).
وجاءت استضافة الإمارات النسخة الثامنة والعشرين من مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي «كوب 28» (30 نوفمبر إلى 13 ديسمبر 2023)، لتؤكد الرؤية الحكيمة للقيادة الرشيدة التي نجحت خلال فعاليات المؤتمر في تلبية تطلعات العالم، من أجل وضع حلول عملية مشتركة لمواجهة الخطر المناخي. وفي الأول من ديسمبر 2023، وخلال افتتاح القمة العالمية للعمل المناخي، أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أن الإمارات استثمرت 100 مليار دولار في تمويل العمل المناخي والطاقة المتجددة والنظيفة، وتلتزم باستثمار 130 مليار دولار، خلال السنوات السبع المقبلة. وأعلن سموه تدشين صندوق «ألتيرا» للحلول المناخية برأسمال 30 مليار دولار، ويهدف لجمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول عام 2030، وهي خطوة رائدة تلامس تحدي التمويل كعقبة رئيسية أمام العمل المناخي، خاصة أن الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تحتاج إلى 2.4 تريليون دولار سنوياً لمعالجة تغيّر المناخ، ما يعني أن التمويل الميسور محفّز أساسي في التصدي بخطوات عملية للتغير المناخي.
التزام دولة الإمارات بالعمل المناخي ظهر بوضوح خلال كلمة رئيسية ألقاها معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد والسياحة، خلال النسخة الثانية من منتدى هيلي، في أبوظبي يومي (8 - 9) سبتمبر الجاري، عندما قال: «إننا نبني اقتصاداً، فيه استراتيجية المناخ عنصر لا يقل أهمية عن التجارة».
صوت الجنوب العالمي
وأكد جواو ليما، مستشار الذكاء الاصطناعي في مجلس الأعيان الفيدرالي البرازيلي، عضو اللجنة المسؤولة عن وضع استراتيجية الذكاء الاصطناعي في المجلس، أن الخطوات العملية التي اتخذتها الإمارات جعلتها رائدة في قيادة العمل المناخي، وتعزيز العدالة المناخية، وهذا ظهر بوضوح خلال رئاستها «كوب 28». وأضاف ليما في تصريح خاص لـ «الاتحاد»، أن الإمارات وضعت معياراً عالمياً جديداً من خلال «إجماع الإمارات»، كأول قرار مناخي يدعو صراحة إلى الانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري، إلى جانب أهداف طموحة تم طرحها في «كوب 28»، كمضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة معدل تحسين كفاءة الطاقة بحلول عام 2030. وأوضح ليما أن الإمارات نجحت في تسريع وتيرة تحقيق العدالة المناخية عبر مبادرات كالمساهمة بـ 100 مليون دولار أميركي في صندوق الخسائر والأضرار، الذي يهدف لحماية المجتمعات الضعيفة، كما أطلقت الإمارات أدوات تمويل جديدة عبر صندوق «ألتيرا»، وحشدت رأسمالاً كبيراً لدعم مبادرات المناخ في دول الجنوب العالمي، بما في ذلك استثمارات في البنى التحتية للطاقة المتجددة في أفريقيا. وأوضح ليما أن الإمارات، ومن خلال تسهيل التعاون بين الشمال والجنوب، ودفع إزالة الكربون من قطاع الطاقة، ودعم أولويات مثل الغذاء المستدام والصحة والقدرة على الصمود، عملت بنشاط على تعزيز صوت ورؤية الجنوب في سياسة المناخ العالمية.
جهود مكافحة تغير المناخ
في تصريح خاص لـ «الاتحاد»، يرى أنيل كيشورا، النائب السابق لرئيس «بنك التنمية الجديد»، الذي تديره مجموعة «بريكس»، أنه لتعزيز جهود مكافحة تغير المناخ ينبغي التركيز على إعداد مجموعة من المشاريع القابلة للتنفيذ في دول الجنوب العالمي. وقال كيشورا: «يمكننا النظر في ثلاث مبادرات رئيسية: أولاً، التعاون بين البنوك التنموية متعددة الأطراف والجهات الحكومية والوكالات المعنية، مثل شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر)، أو شركة الطاقة الشمسية في الهند، لبناء مشاريع واسعة النطاق. وثانياً: إدراج الطاقة النووية ضمن الخيارات الأساسية لتلبية احتياجات الطاقة. ومن دون ذلك، يرى كيشورا أن تزايد استهلاك الطاقة الناجم عن التوسع العمراني، وتحسن مستويات المعيشة، والتطورات التقنية مثل الذكاء الاصطناعي، قد تُبدّد الفوائد المرجوة من الطاقة المتجددة. وأخيراً، يدعو كيشورا للاستثمار في شبكات الكهرباء ودعم مبادرات التكامل الإقليمي، مثل سوق الطاقة الكهربائية العربية المشتركة».
تحفيز العمل المناخي
تؤكد «جائزة زايد للاستدامة» -انطلقت عام 2008 تحت اسم «جائزة زايد لطاقة المستقبل»- دور الإمارات محفزاً للاستدامة والعمل المناخي على الصعيد العالمي، خاصة أن الجائزة تتضمن فئة «العمل المناخي»، ونجحت عبر حلول مبتكرة اقترحها الفائزون بفئاتها في تحسين حياة أكثر من 400 مليون شخص حول العالم.
«تحالف القرم»
في 8 نوفمبر 2022، نجحت دبلوماسية الإمارات المناخية في تدشين «تحالف القرم من أجل المناخ» بالشراكة بين الإمارات وإندونيسيا، كمبادرة نوعية لحشد التعاون الدولي في مواجهة التغير المناخي، انطلقت من شرم الشيخ خلال «كوب27»، ترسخ استراتيجية الحلول القائمة على الطبيعة، فغابات القرم قادرة على عزل وامتصاص غازات الدفيئة، وتستطيع تخزين الكربون بنسبة تبلغ 4 أضعاف الغابات الاستوائية.
اهتمام مبكر
ودأبت الدولة على إقرار الاتفاقيات الدولية المرتبطة بمكافحة التغير المناخي والحد من الانبعاثات، حيث صدّقت عام 1989 على اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال الخاص بالمواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون، علماً بأن الاتفاقية صادرة عام 1985 ودخلت حيز التنفيذ عام 1988. وسجّلت الإمارات حضورها في الاجتماعات التحضيرية التي سبقت التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 1992. وبعدما دخلت الاتفاقية الإطارية حيز التنفيذ عام 1994، وقّعت عليها الإمارات في 1995، أي بعد عام فقط من تفعيلها، كما صادقت على بروتوكول كيوتو عام 2004، والإمارات أول دولة عربية تصادق على اتفاقية باريس للمناخ الصادرة عام 2015.
نموذج عالمي للطموح المناخي
أكد مصطفى بيومي، زميل باحث في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، أن دولة الإمارات حققت خطوات رائدة في مجال العمل المناخي محلياً، بدءاً من إعلان استراتيجية الحياد المناخي 2050، وصولاً إلى الالتزام بمضاعفة حصة الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030. وأضاف: على الصعيد الدولي، لعبت الدولة دوراً محورياً من خلال استضافتها مؤتمر الأطراف «كوب28» في عام 2023، والذي تُوّج بتحقيق «اتفاق الإمارات».
وإدراكاً منها بأن التحديات البيئية لا يمكن معالجتها بمعزل عن الجهود الدولية، تواصل دولة الإمارات- حسب بيومي- تعزيز شراكاتها العالمية. وفي هذا الإطار، ستستضيف الدولة بالتعاون مع جمهورية السنغال مؤتمر الأمم المتحدة للمياه، خلال الفترة من (2 إلى 4 ديسمبر 2026)، الذي سيضع قضايا المياه والمناخ ضمن جدول أعماله.
كما أولت الإمارات اهتماماً خاصاً للابتكار القائم على الحلول المستدامة، عبر مبادرات رائدة مثل «جائزة زايد للاستدامة»، و«مبادرة محمد بن زايد للماء»، بما يرسّخ مكانتها كنموذج عالمي يجمع بين الطموح المناخي والتنمية المستدامة.
«مصدر».. طاقة المستقبل
ساهمت شركة «مصدر» منذ تدشينها بأبوظبي عام 2006، في إضافة عنصر تقني لدبلوماسية الإمارات المناخية بتعزيز التحول من الطاقة التقليدية إلى المصادر النظيفة والمتجددة، بما يُثري العمل المناخي، عبر تخفيض الانبعاثات وخلق فرص عمل عبر استثمارات خضراء في مشروعات الطاقة المتجددة في العالم، خاصة في الدول الأفريقية والدول الجزرية الصغيرة، حيث تنتشر مشروعات «مصدر» الخارجية في 40 دولة. وتساهم مشروعات «مصدر» في تفادي إطلاق 14 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، كما تدعم «مصدر» جهود إزالة الكربون من قطاعات كثيفة الانبعاثات كالصناعات الثقيلة والطيران والشحن، والتوسع في استخدام الهيدروجين الأخضر.
جهود الإمارات وريادتها في مجال الطاقة المتجددة، جعلت بان كي مون، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، يختار معالي الدكتور سلطان الجابر، رئيس مجلس إدارة شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، ليكون عضواً بالمجموعة الاستشارية للأمين العام حول الطاقة والتغير المناخي، والتي أصدرت تقريراً كان محور مبادرة «طاقة مستدامة للجميع» التي أطلقتها المجموعة عام 2011.
وفي عام 2012، منحت الأمم المتحدة الدكتور الجابر جائزة «بطل الأرض» لجهوده في دعم تطوير تقنيات الطاقة النظيفة للحد من التهديدات التي يطرحها التغير المناخي.
ركائز مؤسسية.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية





