السلام.. العمل المناخي الأكبر

الدبلوماسية المناخية.. جهود عالمية لكبح الاحترار (2-2)

طه حسيب (أبوظبي)

العلاقة بين السلام والتغير المناخي واضحة، فكلما تحقق السلام ازدادت وتيرة التعاون الدولي لتصبح الجهود العالمية في مواجهة تداعيات التغير المناخي أكثر قوة وفعالية، فأجواء السلام تتيح الفرصة للاستثمار في التنمية وتفعيل ابتكارات تقنية تخدم البشرية ضمن ما يعرف بتكنولوجيا المناخ، ما يعني علاقة طردية بين السلام والعمل المناخي. وفي أجواء النزاعات والحروب والاستقطابات السياسية الحادة يضعف العمل المناخي، وتطفو على السطح تحديات أخرى كجهود الإغاثة والتعافي وحماية المدنيين وغوث اللاجئين وتأمين سلاسل التوريد وتفعيل الحمائية التجارية.

إريك سولهايم المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بين مايو 2016 ونوفمبر 2018، والخبير في مفاوضات السلام، وأحد الوسطاء الرئيسيين في عملية السلام بسريلانكا خلال الفترة من 1998 إلى 2005، أكد في تصريح خاص لـ«الاتحاد»، أن هناك علاقة وطيدة بين تغيّر المناخ والسلام. فالنزوح والفقر الناجمين عن تغيّر المناخ، قد يزيدان من احتمالية نشوب الصراعات، ويُسهّلان تجنيد الأفراد للانخراط في الحروب التي يبدؤها «روّاد الحروب»، سواء كانوا قادة سياسيين، أو جنرالات، أو أمراء حرب، أو قادة جماعات متمردة.

ويوضح سولهايم، أن موجات الجفاف والفيضانات والطقس المتطرف وارتفاع مستوى سطح البحر، تجبر ملايين الناس على ترك منازلهم، مما يؤدي إلى إمكانية نشوب صراعات مع السكان في مناطق الاستقرار الجديدة. كما قد يجعل تغيّر المناخ عمليات التجنيد في الجيوش أو الجماعات الإرهابية أسهل، إذ يكون الأفراد أكثر هشاشة عندما يصبحون في حالة هروب من الكوارث المناخية وتداعياتها.

ولدى سولهايم قناعة بأن التغيّر المناخي لا يسفر مباشرة عن الحروب، فالحروب تتأثر بالبشر، لكن تغير المناخ قد يُسهم بشكل كبير في تفاقمها من خلال النزوح والصراعات الناجمة عن الظلم والفقر. ويؤكد سولهايم ضرورة أن تأخذ جميع العقائد العسكرية تغيّر المناخ في الحسبان، وأن تستعد لعالم يتشكّل بمناخ أكثر حرارة. كما يجب أن تكون جميع أهداف اتفاق باريس - الزيادة الكبيرة في الطاقة المتجددة أو التخطيط الأفضل للتكيّف المناخي - جزءاً لا يتجزأ من أي استراتيجية للأمن القومي.

وأضاف سولهايم: علينا أن نناضل من أجل السلام والعمل المناخي بشكل متوازٍ. فالحروب تُسبب دماراً بيئياً هائلاً، وتؤدي إلى انبعاثات هائلة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري، كما أن ارتفاع درجات الحرارة، سيستحدث العديد من المخاطر التي تزيد من احتمالات الصراعات. وعلى الجانب الإيجابي، تُتيح الطاقات المتجددة فرصةً هائلةً للأمن الوطني للطاقة، حيث تتوافر طاقة الرياح والشمس في كل مكان. وينبغي على النشطاء البيئيين محاولة فهم الأبعاد الأمنية للعمل المناخي، وعلى المُخططين العسكريين دمج المعرفة المناخية في تفكيرهم.

التغير المناخي والسلام والأمن الدوليان

في 15 يونيو 2023، دعت الإمارات أثناء رئاستها لمجلس الأمن لشهر يونيو، خلال نقاشات مفتوحة، تحت بند «المخاطر التي تهدد السلم والأمن الدوليين»، إلى تبني نهج تعاوني وسريع الاستجابة، لمعالجة العلاقة المتبادلة بين التغير المناخي والسلام والأمن الدوليين.

وجاء في بيان الإمارات: «أن تغير المناخ بوصفه عاملاً يضاعف المخاطر لم يعد سيناريو افتراضياً، بل أصبح تجربة حية يومية في مختلف بيئات النزاع حول العالم». وأوضحت الإمارات في مجلس الأمن، آثار التغير المناخي على السلام والأمن في عدد من السياقات المدرجة على جدول أعمال المجلس، بما في ذلك الصومال والعراق وجنوب السودان. وأفصحت الإمارات عن تخصيص يوم «للإغاثة والتعافي والسلام»، للمرة الأولى في «كوب28»، ليصبح «أول حدث من نوعه يجري في مؤتمر الأطراف من أجل تسليط الضوء على التقاطع بين التغير المناخي والسلام والأمن، واقتراح حلول عملية لمنع ومعالجة العبء الناجم عن تأثير تغير المناخ على الاستقرار».

أكبر تهديد للسلم العالمي

وبعد أكثر من عامين على تأكيد الإمارات للمجتمع الدولي في مجلس الأمن بخصوص الترابط الوثيق بين المناخ والسلم الأمن الدوليين، جددت رئيسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنالينا بيربوك، في 21 نوفمبر الماضي، وعلى هامش «كوب30»، مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ على أطراف غابة الأمازون، التأكيد على أن: «الأضرار الناجمة عن تغير المناخ، تمثل أكبر تهديد للسلام العالمي، وأن في هذه الأوقات يجب علينا التركيز أكثر على السلام والأمن، فأزمة المناخ هي أكبر تهديد أمني في هذا القرن». «بيربوك»، التي شغلت منصب وزيرة الخارجية الألمانية سابقاً، أوضحت: أنه «لا يمكننا ضمان سلام وأمن دائمين في العالم، إلا إذا واجهنا أزمة المناخ معاً، وإذا تعاونا لتحقيق تنمية مستدامة، لأنهما مرتبطان ارتباطاً وثيقاً».

«بيربوك» أشارت إلى موجات الجفاف وأضرار أخرى ناجمة عن الظواهر المناخية المتطرفة في أماكن مثل تشاد وسوريا والعراق. وقالت: إنه «عندما تجف المحاصيل، يعاني الناس من الجوع، ثم يهاجرون إلى أماكن أخرى أو يتقاتلون على المياه النادرة. هذه دائرة مفرغة. وإذا لم نوقف أزمة المناخ، فإنها ستؤدي إلى تفاقم الجوع والفقر، مما سيزيد من موجات النزوح، وبالتالي ستتأثر مناطق أخرى بطريقة مختلفة، مما يعيد بدوره إنتاج عدم الاستقرار والأزمات، وغالباً النزاع أيضاً. لذا فإن مكافحة أزمة المناخ تمثل أيضاً أفضل ضمان أمني».

إعادة تشكيل خريطة الصراعات العالمية

في تصريح خاص لـ«الاتحاد»، أكد السفير الدكتور مصطفى الشربيني، الخبير الدولي في الاستدامة والمناخ، الرئيس التنفيذي لمعهد الاستدامة والبصمة الكربونية، ومراقب باتفاقية باريس للمناخ: أن «السلام والعمل المناخي وجهان لعملة واحدة. المناخ أصبح عامل استقرار أساسياً للعالم كله، وأيّ اضطرابات تطرأ عليه، تؤجج التوترات، على سبيل المثال تعاني منطقة القرن الأفريقي من التغيرات المناخية، ما يؤدي إلى فجوات اقتصادية، وهجرة غير شرعية، ونزاعات بين الدول، وتعطل في سلاسل التورريد»، وأوضح الشربيني، أن تداعيات التغير المناخي المتعلقة بالتصحر والجفاف، وتراجع الزراعة، وندرة المياه، تعيد تشكيل خريطة الصراعات العالمية على مصادر الطاقة والغذاء والأراضي. وأضاف: التغير المناخي أدى إلى تغيير النظام الاقتصادي العالمي، ودفعه نحو الاقتصاد الدائري أو الأخضر، ودعا الشربيني، إلى ضرورة دمج مفهوم «الأمن المناخي» كجزء من الأمن القومي للدول، والاستثمار في مواجهة التغير المناخي ضمن الاستثمار في صناعة السلام، مؤكداً أنه في زمن التغير المناخي أصبح السلام والعمل المناخي وجهين لعملة واحدة.

وأشار الشربيني، إلى «معاهدة السلام مع الطبيعة»، الناتجة عن «اتفاق كونمينغ-مونتريال» عام 2022، من أجل حماية الأراضي والمحيطات والأصناف من التلوّث والتدهور والأزمة المناخية، حيث نص الاتفاق على خريطة طريق لحماية 30% من الكوكب بحلول 2030، وتخصيص 30 مليار دولار من المساعدات السنوية للبلدان النامية، في جهودها لصون الطبيعة.

وأوضح الشربيني، أن العالم لم يحقق سوى 13% فقط من أهداف التنمية المستدامة، والتي ينبغي تحقيقها بحلول عام 2030، لأسباب تتعلق بالتغير المناخي.

«سلام مع الطبيعة»

يفسر كثيرون أن التغير المناخي، يحدث جراء عدوان البشر عليها، ما يستوجب إبرام «سلام مع الطبيعة»، للتعافي من تداعيات الاحتباس الحراري، والكوارث الطبيعية الأخرى، وحول رؤية الفلاسفة المعاصرين للتحدي المناخي، يقول الأكاديمي الموريتاني د.السيد ولد أباه: إن الفيلسوف الفرنسي «ميشال سر»، المتوفى سنة 2019، دعا إلى «عقد طبيعي»، أي عقد مع الطبيعة بصفتها تمتلك حقوقاً قانونيةً ثابتة، على غرار العقد الاجتماعي، الذي بلوره فلاسفة الأنوار في القرن الثامن عشر.

«ميشال سر»، يرى أن السلم العالمي يقتضي مثل هذا العقد الطبيعي، لأن علاقة الإنسان بالطبيعة أصبحت متوترة، ومصدر اضطراب خطير على مستقبل البشرية.

ويوضح ولد أباه: في تطورات العلم التجريبي والتقنيات المعاصرة، انتقل الهدف من اكتشاف قوانين الطبيعة إلى السيطرة العنيفة عليها، وهي ليست صامتة، بل تعكس بطش الإنسان وأنانيته، من خلال ظواهر بارزة مثل الاحتباس الحراري، وفيضان المحيطات، وانتقال الفيروسات وتزايد الكوارث.

وهكذا يخلص «سر»، إلى ضرورة تغيير النظرة إلى الطبيعة لتصبح شريكاً للإنسان، بدلاً من أن تكون عدواً له، وهو ما يسميه السلام الأيكولوجي كشرط للسلم البشري.

وتابع ولد أباه: من هنا تأتي ضرورة بلورة فلسفة أخلاقية جديدة، التي حاول الفيلسوف الألماني «هانس يوناس» صياغتها وفق «مبدأ الاحتياط» vorsorgeprinzip، والذي تقتضيه التطورات التقنية الراهنة في أبعادها المستقبلية. وضبط يوناس هذا المبدأ في الصيغة التالية: «لتكن في فعلك حريصاً على أن تكون آثاره متلائمة مع استمرار حياة بشرية أصيلة على الأرض».

دبلوماسية تعزز فرص النمو

وفي تصريح خاص لـ«الاتحاد»، أكد الأستاذ الدكتور خالد المري، عميد البحوث في الجامعة البريطانية بدبي، أن دبلوماسية الإمارات المناخية هي في جوهرها دبلوماسية تنموية وطنية، تُقارب العمل المناخي من منظور التنمية المستدامة، وتنويع الاقتصاد، ونشر الحلول المستدامة في قطاعات الطاقة والزراعة والغذاء والمياه. وأوضح المري، أن هذه الدبلوماسية تتميز بأنها تربط بذكاء بين خفض الانبعاثات وإيجاد فرص نمو جديدة، مقدّمةً نموذجاً عملياً تستفيد منه دول الجنوب العالمي. وأضاف المري، أن ريادة الإمارات في الذكاء الاصطناعي، رافعة استراتيجية لتعزيز دورها في دعم هذه الدول في مواجهة التحديات المناخية، عبر توظيف تقنيات متقدمة في التنبؤ المناخي، وإدارة الموارد، ورفع كفاءة الإنتاج. وخير دليل على هذا المسار، مبادرة الإمارات بتخصيص مليار دولار لدعم حلول الذكاء الاصطناعي في أفريقيا، بما يجسد انتقال دبلوماسية المناخ من مستوى الخطاب إلى مستوى الاستثمار الفعّال وبناء القدرات، وترسيخ شراكات عادلة تعزز التنمية المستدامة في الجنوب العالمي.

دبلوماسية الشراكات

من جهته أكد د.وائل كشك، باحث أول في قسم الاستدامة والعمل المناخي بمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، في تصريح خاص لـ«الاتحاد»: أن الدبلوماسية المناخية لدولة الإمارات، تعد نموذجاً رائداً إقليمياً ودولياً يستند إلى رؤية استشرافية واضحة، ونهج متكامل يؤمن بأهمية الشراكات وتعزيز الثقة عبر آليات الحوار، لتحقيق التوافق والتقدّم المشترك وتحفيز الابتكار في مجالات العمل المناخي وحماية الطبيعة. وأضاف كشك، أن الإمارات رسخت حضورها العالمي بمشاركات فاعلة في مؤتمرات الأطراف المعنية بالمناخ والطبيعة على مستويات عدة، عبر دفع مسارات التفاوض، ودعم التحول للتنفيذ بمبادرات نوعية تقدم حلولاً عملية تربط بين أهداف المناخ والطبيعة، وتعزز الاستثمارات الداعمة. ويرى كشك أن أبرز الأمثلة على دور الإمارات الريادي يتجلى في استضافتها قمة المناخ «كوب28»، وبلورة «اتفاق الإمارات» التاريخي الذي مثّل بصمة فارقة في العمل المناخي الدولي، إذ نجحت خلاله الدبلوماسية الإماراتية في إرساء مبدأ الشمولية ومد جسور التعاون. وكان إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار لدعم الحلول المناخية عالمياً، أحد أبرز لحظات هذه القمة. كما سجلت الدولة حضوراً فاعلاً في قمة المناخ الأخيرة بالبرازيل «كوب30»، بصفتها من أوائل الداعمين لمرفق «الغابات الاستوائية»، من أجل تعزيز حلول المناخ والطبيعة. كما استضافت الإمارات المؤتمر العالمي لحماية الطبيعة عام 2025، وتُواصل استعداداتها لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة للمياه عام 2026 بالشراكة مع السنغال، استكمالاً للجهود العالمية الاستراتيجية التي تضع ملف المياه في بؤرة العمل المناخي.

مركز مؤثر في دبلوماسية المناخ

قالت ديانا فرنسيس، الأستاذ المساعد في قسم علوم الأرض بجامعة خليفة، في تصريح خاص لـ«الاتحاد»، إن الإمارات لاعب مؤثر في دبلوماسية المناخ، من خلال الجمع بين المبادرة السياسية والدعم المالي والتكنولوجي الملموس للمناطق الأكثر عرضة لتأثيرات تغيّر المناخ. فمن خلال المساعدات الإنمائية، تمول الإمارات مشاريع تدعم جهود التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره، أبرزها إطلاق آلية التوسع في الابتكار الزراعي (AIM for Scale) في (كوب28)، بالشراكة مع مؤسسة بيل وميليندا جيتس، وهي مبادرة تهدف إلى تسريع نشر حلول مبتكرة في نُظم الغذاء، لتعزيز القدرة على الصمود، وزيادة الإنتاجية، في ظل الظروف المناخية المتغيرة، وخفض الانبعاثات.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الاتحاد الإماراتية

منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ ساعتين
موقع 24 الإخباري منذ 5 ساعات
صحيفة الخليج الإماراتية منذ ساعة
صحيفة الاتحاد الإماراتية منذ ساعتين
صحيفة الخليج الإماراتية منذ 15 ساعة
خدمة مصدر الإخبارية منذ 12 ساعة
صحيفة الخليج الإماراتية منذ 3 ساعات
صحيفة الخليج الإماراتية منذ ساعة
صحيفة الخليج الإماراتية منذ 23 ساعة