ذاكرة وطقوس إعداد “الأتاي” بمدينة شفشاون .. احتساء وانتماء وانتشاء

عُرف الشاي (الأتاي) في شفشاون قبل القرن العشرين، وكان لا تظفر به إلا النخبة والطبقة الميسورة من الشفشاونيّين، الذين كان معظمهم لا يتوفّر على الإمكانيات المادية التي تخول اقتناء هذه المادة، بالإضافة إلى أن القوافل التجارية التي كانت تجلب الشاي من مدينة طنجة حيث المرفأ المغربي المطل على البوغاز، كانت تتعرض أحيانا لعمليات السلب من قبل قطاع الطرق في زمن “السيبة”.

وبحسب من جالسناهم من “ذواكر” المدينة ورجالاتها، كانت أيضا تلك القوافل في بعض الأحيان تجلب مادة الشاي من مدينة فاس، فكانت تتعرض بدورها لهجومات مماثلة. وكان “الأتاي” هو الاسم الشائع الذي تتداوله الألسن وتسير بذكره الركبان، كما كانت الأعراس والمناسبات الاجتماعية تشكّل فرحة بالنسبة للطبقات الفقيرة لاحتساء كؤوس الشاي، حيث كان يقدم لهم بوفرة مع غيرهم من الضيوف، دون تمييز بينهم في مراتبهم الاجتماعية والمهنية.

تجدر الإشارة إلى أن الزوايا كانت تقوم مقام المؤسسات العصرية المعنية بالمواساة والأعمال الخيرية. وهكذا، ففي رحاب زوايا المدينة أثناء الأعياد الدينية، كان العديد من الفقراء والمنتمين إلى الطبقات الوسطى يجدون مبتغاهم في احتساء الشاي مع تناول حلوى معروفة كـ”الغْريبيّة”، وكان هناك ما يسمّى “الفْقاقصْ”، وغيرهما من أنواع الحلويات الشفشاونية.

وكان الوليّ الصالح مولاي علي شقور ممّن يفتح بيته الذي يعد زاوية كل يوم خميس وسبت لاستقبال الرواد والزائرين والمريدين والمحبّين، فكان ينفق عليهم الطعام والشراب، وذلك من مداخيل الجبايات التي خصه بها السلطان الحسن الأول؛ إذ كان هذا الوليّ الصالح يجد الأنس والسرور والفرح عندما يوزع بعض أنواع الطعام وأكواب الشاي على المتحلقين من حوله، وأسماعهم تتشنّف بأصوات الآلات الموسيقية للطرب الصوفي الذي كان يمد الشيخ عازفيها ببعض قصائده الملحونة.

أما السكر فلم يكن إلا ذلك السكر الطبيعي الأسود الذي لم تنافسه قوالب السكر البيضاء التي لم تظهر إلا بعد دخول الاحتلال الاسباني. ولم يكن كذلك مولاي علي شقور يقتصر على النعناع في إعداد أباريق الشاي، ولكن يضيف إليه أنواعا أخرى من الأعشاب الطبية المفيدة؛ إذ الرجل كان صيدلانيا ماهرا وطبيبا حاذقا بالتجارب التي مر بها في صباه وشبابه وكهولته ثم شيخوخته، فكانت له دراية بمنافع تلك النباتات التي كانت تغطي فضاءات شاسعة من حقول المدينة وأحوازها.

وبعد نكبة الحماية الأجنبية وانفتاح مدينة شفشاون على الأسواق الخارجية وتعبيد الطرق وإحداث الموانئ العصرية والمطارات بالمدن القريبة من شفشاون، وصلت إلى المدينة فئة من التجار الهنود وأخرى من التجار الإسبان، بالإضافة إلى بعض المغاربة الذين أتيحت لهم فرصة الاتجار بالمواد الاستهلاكية الجديدة. ومن هنا جلبت للمدينة قوالب السكر الأبيض وكميات من السكر المدقوق، كما جلبت علب الشاي المحفوظ في الأوعية المكتوب عليها. فصارت عادة احتساء الشاي تنتشر شيئا فشيئا خاصة بعد إحداث المقاهي الجديدة.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من هسبريس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من هسبريس

منذ 4 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ ساعة
منذ 6 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 6 ساعات
هسبريس منذ 13 ساعة
هسبريس منذ 14 ساعة
هسبريس منذ 8 ساعات
هسبريس منذ 7 ساعات
أشطاري 24 منذ 12 ساعة
هسبريس منذ 14 ساعة
بلادنا 24 منذ 23 ساعة
هسبريس منذ 12 ساعة