في عصر الاتصال الواسع، أصبحت الشاشة الصغيرة ساحة معركة جديدة، وانتقل التنمّر من ممرات المدارس إلى الرسائل المجهولة، ليتحول إلى «التنمّر الإلكتروني»، الذي يعد جريمة رقمية تهدد الطفولة وتخترق أعمق خصوصياتها.
نسرد في السطور التالية ملامح هذه الظاهرة المركبة، التي تجاوزت حدود الفصل الدراسي لتطرق أبواب البيوت.
ففي الجانب القانوني، حسمت التشريعات الإماراتية الجدل بوضوح، إذ عاقبت المعتدين البالغين بالحبس والغرامة، ووضعت تدابير إصلاحية للأحداث لضمان عدم إفلات مرتكبي الإساءات الإلكترونية من المساءلة.
لكن القانون وحده لا يكفي، فالوعي والرقابة خط الدفاع الأول لحماية الأبناء، حيث تتبنى المدارس استراتيجيات وقائية صارمة أبرزها منع استخدام الهواتف المحمولة داخل الحرم المدرسي، مع متابعة يومية للطلبة لرصد أي سلوك سلبي قبل تفاقمه.
وفي قلب هذه المنظومة، تبقى الأسرة الركيزة الأساسية، إذ يجمع أولياء الأمور على أن الكلمة الطيبة في البيت قد تمنع شكوى في مركز الشرطة، والشراكة الفاعلة بين البيت والمدرسة السلاح الأنجع لمواجهة التنمر الإلكتروني.
قال سامر سرحان، مدير مدرسة «المعرفة»: إن المدرسة تتصدى لحالات التنمّر الإلكتروني بكل حزم، بمتابعة الطلبة يومياً عبر مشرفي الفصول الدراسية، والتعامل السريع مع أي سلوك سلبي يرصد داخل المدرسة أو خارجها. مؤكداً أن الإدارة التعليمية لا تتهاون في أي تصرف يهدد سلامة الطلبة النفسية أو الرقمية.
وأضاف أن المدرسة تعتمد نظام متابعة وقائياً دقيقاً، يتيح للمشرفين ملاحظة أي مؤشرات على تعرض طالب للتنمّر أو تورطه فيه، سواء بالمراقبة التربوية أو بتفاعل الطلبة في المنصات الرقمية التعليمية، ويجري التعامل مع الحالات فوراً، وفق لوائح السلوك المدرسي وبالتنسيق مع الشؤون الاجتماعية والإرشاد النفسي.
التواصل المباشر
وأشار سرحان إلى أن إدارة المدرسة تتواصل مباشرة مع الأسر عند اكتشاف أي واقعة، سواء كان الطالب ضحية أو طرفاً في التنمّر، خصوصاً عندما يكون ذلك عبر مجموعات التواصل مثل «واتساب» أو منصات الألعاب والمنتديات الطلابية، إذ يحتوى الموقف في مراحله الأولى قبل أن يتطور إلى نزاع قانوني أو قضية قد تؤدي إلى مساءلة قضائية.
وأوضح أن المدرسة تنظم برامج توعية مستمرة تستهدف الطلبة وأولياء الأمور، عن الاستخدام الآمن للتقنيات الرقمية، وتدرس مفاهيم المواطنة الرقمية والمسؤولية في الفضاء الإلكتروني ضمن الأنشطة الصفية، تعزيزاً لثقافة الوقاية والاحترام المتبادل بين الطلاب.
وأضاف سرحان، أن التنسيق المستمر مع أولياء الأمور حجر الزاوية في جهود المدرسة، مشيراً إلى أن حرص الأسرة ومتابعة الأبناء هي أولى درجات الوقاية من التنمر الإلكتروني، لأن الرقابة الأسرية الواعية قادرة على اكتشاف السلوك قبل أن يتحول إلى أزمة.
وقال إن المدرسة تعمل وفق نهج تكاملي يجمع بين الرقابة المدرسية والإرشاد النفسي والتعاون الأسري، لضمان بيئة تعليمية رقمية آمنة تحمي الطلبة من أي إساءة إلكترونية محتملة.
منع الهواتف
قال الدكتور أحمد عيد، رئيس قسم التوجيه والإرشاد في مؤسسة تعليمية: إن الجانب الوقائي لمواجهة التنمّر الإلكتروني يبدأ من تطبيق قرار منع استخدام الهواتف المحمولة داخل المدرسة بشكل صارم، لأن هذا الإجراء يحد من فرص وقوع سلوكات رقمية سلبية بين الطلبة.
وأضاف أن القرار ليس جديداً، بل امتداد لسياسات سابقة تهدف إلى ضبط السلوك الطلابي داخل المؤسسات التعليمية. وتطور التكنولوجيا وانتشار الهواتف بين الطلبة منذ سن مبكرة زادا التحديات التي تواجه المدارس.
وتابع أن نسبة كبيرة من الطلبة اليوم يخشون الإبلاغ عن حالات التنمر الإلكتروني خوفاً من انكشاف هوياتهم، ما يستدعي تعزيز الثقة بينهم وبين إدارات المدارس وتفعيل القنوات السرية للإبلاغ.
وفيما يخص دور الأسرة، شدد الدكتور عيد، على أهمية رقابة الأهل الواعية، لأن متابعة الأبناء لا تعني التطفل على خصوصيتهم، بل حماية لهم من التعرض لأي إساءة أو استغلال عبر الإنترنت. لافتاً إلى إمكانية الاستعانة بتطبيقات أو أدوات رقمية تتيح للأهالي متابعة استخدام أبنائهم للأجهزة بطريقة تربوية بناءة.
إساءات وتهديدات
وأوضح أن بعض حالات التنمر تبدأ بالألعاب الإلكترونية، حيث قد يتطور الخلاف بين الطلاب إلى إساءات لفظية أو تهديدات، لأن المدرسة تتعامل مع تلك الوقائع بجدية تامة، سواء داخل الحرم المدرسي بمتابعة الطلبة يومياً عبر مشرفي الأقسام والمرشد الطلابي أو خارجه، بالتعاون مع الجهات المعنية.
وأشار إلى أن التنسيق بين المدرسة والأسرة حجر الأساس في معالجة الظاهرة، إذ تبلغ الأسر بأي واقعة فوراً، وتعقد اجتماعات مشتركة لوضع خطة حماية للطالب المتضرر وتوعية بقية الطلاب بالنتائج القانونية والسلوكية للتنمر الإلكتروني.
وقال الدكتور أحمد عيد إن التصدي لهذه السلوكات لا يتحقق إلا بتكامل جهود المدرسة والأسرة ومؤسسات المجتمع، لضمان بيئة تعليمية آمنة وصحية لجميع الطلبة.
الثقة بالنفس
قال سالم ياقوت النعيمي، ولي أمر: إن أكثر ما يؤلم الأب رؤية طفله يفقد ثقته في نفسه بسبب كلمة جارحة أو سلوك متنمّر. ودور الآباء لا يقتصر على التعليم أو توفير الأجهزة، بل يمتد إلى زرع قيم الاحترام والتعاطف ومتابعة ما يدور في حياة الأبناء اليومية.
وأضاف أنه حين نسأل أبناءنا بلطف عن يومهم، عن أصدقائهم وما يتابعونه على الإنترنت، نمنحهم شعوراً بالأمان يجعلهم يتحدثون إلينا قبل أن يلجؤوا إلى الغرباء. والتنمّر مسؤولية مجتمعية مشتركة بين الأسرة والمدرسة، والمدرسة تضع القوانين، لكن البيت يصنع السلوك.
وأكد أن القوانين اليوم تحمي الطفل من أي شكل من أشكال الإيذاء، ما يجعل على أولياء الأمور واجباً مضاعفاً في التربية على الاحترام وقبول الآخر، لأن الكلمة الطيبة في البيت قد تمنع قضية في مركز الشرطة غداً.
تعاون أوثق
قال محمد الخولي، ولي أمر لطالبين: إن انتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل بين المراهقين يتطلب تعاوناً أوثق بين الأسرة والمدرسة. والوقاية من التنمر الإلكتروني تبدأ من الحوار لا المنع.
وأضاف أن بعض الأسر تتعامل مع التقنية بتهديد الأبناء بدلاً من التواصل معهم، بينما المطلوب توجيههم إلى الاستخدام الإيجابي للتكنولوجيا، ومتابعتهم من دون ترهيب أو تشكيك. والمدارس مطالبة اليوم بدمج التربية الرقمية ضمن برامجها التربوية، وتنظيم ورش توعية لأولياء الأمور، لأن كثيراً من حالات التنمر تبدأ خارج المدرسة، لكن آثارها تمتد إلى داخلها. فإذا أردنا جيلاً رقمياً متوازناً، فعلينا أن نكون نحن الكبار أكثر وعياً بتقنياتهم، ونتحول من متفرجين إلى شركاء فعليين في بناء سلوكهم الرقمي.
إساءة رقمية
قال المحامي والمستشار القانوني بدر عبدالله خميس: إن التنمّر الإلكتروني من أخطر صور الإساءة الرقمية، كونه سلوكاً عدوانياً متكرراً يستخدم فيه الجاني التقنيات الحديثة كمواقع التواصل والهواتف الذكية للتشهير أو التهديد أو المضايقة.
وأوضح أن الأفعال تشمل نشر الشائعات أو الصور المحرجة، وانتحال الشخصية، واستخدام الذكاء.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الخليج الإماراتية
