من العلم إلى الرشد : الميزان القرآني لهداية الإنسان

من أعجب مفارقات الوجود الإنساني أن ترى شخصا يحمل أعلى الشهادات الأكاديمية، ويتقن لغة البحث والمنهج، ويحسن الاستدلال النظري، لكنه في حياته اليومية يتعثر في أبسط قراراته، وينفعل بطيش، ويُسيء الاختيار، ويعجز عن قيادة نفسه. ذلك لأن الشهادة الأكاديمية لا تعني الكمال الإنساني. فهي في الغالب دليل على التخصص العميق في مجالٍ ضيق، لكنها لا تضمن سلامة المنهج الأخلاقي، ولا صحة المعتقد، ولا نضج النفس، ولا حكمة القرار، ولا صفاء القصد. فقد يكون الإنسان عالمًا في مجالٍ ما، لكنه جاهل بنفسه، أو ضعيفًا أمام شهوة أو هوى، أو متكبرًا بعلمه، أو أسير بيئة أو مصلحة أو ضغط .

وهنا يبرز السؤال الجوهري :

هل الخلل في نقص العلم؟

أم في قصور المعرفة؟

أم في ضعف الوعي؟

أم أن هناك مرتبة أعمق ركّز عليها القرآن ولم ننتبه إليها؟

لقد أكدت النصوص القرآنية أن الإنسان لا يُقاس بما يعرفه، بل بما يُحسن اختياره، ولا بما يحفظه، بل بما يهتدي إليه ويلتزم به. فالعلم قد يُنير العقل، لكن من الذي يهدي السلوك؟

أهي المعرفة؟ أم العلم؟ أم الوعي؟ أم الرشد؟

هذه المفاهيم متدرجة، لكنها ليست متساوية.

أولًا : المعرفة ..إدراك لا يضمن الالتزام.

المعرفة أوسع من العلم؛ فهي القدرة على الفهم والربط والتفسير. غير أن القرآن يقرر بوضوح أن إدراك الحق لا يستلزم اتباعه. قال تعالى في وصف قومٍ عرفوا الصواب ولم يسلكوه :

﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا﴾ الأعراف : 146

وهنا دلالة بالغة الخطورة : هم يرون سبيل الرشد، ويدركونه عقليًا، لكنهم لا يختارونه. فالمشكلة ليست في غياب المعرفة، بل في غياب الإرادة الراشدة القادرة على الالتزام بالحق. فقد يعرف الإنسان كثيرًا، ويظل سلوكه بعيدًا عمّا عرف.

ثانيًا: العلم ..ضرورة غير كافية.

العلم هو فهمٌ منظم قائم على منهج، وقيمة عظيمة رفع الله به أقوامًا. لكن القرآن فرّق بوضوح بين العلم والهداية فقد قال تعالى :

﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ الروم : 7

أي علمٌ وظيفيّ سطحيّ، لا ينفذ إلى الجوهر، ولا ينعكس بالضرورة على السلوك أو الأخلاق أو حسن القرار. ولهذا ليس غريبًا أن نجد إنسانًا واسع العلم، لكنه ضعيف في ضبط غضبه، متخبّط في علاقاته، أسيراً لانفعالاته أو شهواته، عاجزاً عن تحمّل تبعات قراراته. فالعلم يُخزَّن في العقل، أما الرشد فيُمارَس في الحياة.

ثالثًا: الوعي .. إدراك الذات دون ضمان النجاة.

الوعي هو أن يعرف الإنسان دوافعه، ومشاعره، وأنماط سلوكه، وأسبابه الداخلية. ويجيب عن سؤال :

لماذا أفعل ما أفعل؟

غير أن الوعي وحده لا يكفي؛ فكم من إنسان واعٍ بضعفه ويستمر فيه، وكم من شخص يعرف خطأه ويكرره. فالوعي مرحلة ضرورية، لكنه إن لم.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من وكالة الحدث العراقية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من وكالة الحدث العراقية

منذ 10 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 10 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 11 ساعة
وكالة الحدث العراقية منذ 10 ساعات
قناة السومرية منذ 7 ساعات
قناة السومرية منذ 4 ساعات
قناة السومرية منذ 4 ساعات
قناة السومرية منذ 5 ساعات
موقع رووداو منذ 7 ساعات
عراق زون منذ 8 ساعات
وكالة الحدث العراقية منذ 12 ساعة