مشهد عابر في المترو أم مرآة لمجتمع كامل؟. امرأة وضعت "رجلًا على رجل" فانفجرت أسئلة عن الأخلاق والدين والرجولة. الضجة بفعل الفيديو ليست سابقة، المثير هذه المرة هو أن المقطع كشف الستار عن صراع كبير وعميق ومكتوم في الشارع المصري

ملخص الأعوام القليلة الماضية تشهد "صحوة" مكتومة لأفكار يعتبرها بعض المصريين عظيمة وطال انتظارها، بينما يراها آخرون جديرة بالعصور الوسطى، مقاومة تجديد الخطاب الديني، ونبرات بالغة الأصولية، وتوجهات شديدة "الرجعية"، لا سيما في ما يختص بالمرأة، وتتفجر آثارها في الشارع المصري بين وقت وآخر.

ناضلت وكافحت وتظاهرت وطالبت بالمساواة والتعليم وممارسة الحقوق، فكان لها جزء كبير مما أرادت، المرأة المصرية وجدت ضالة منشودة في دعوات فكرية لتحرير عقلها واستقلال فكرها، تارة بفعل قاسم أمين وكتابه "تحرير المرأة"، وأخرى بفضل هدى شعراوي وتظاهراتها الجريئة ضد الاحتلال، وضد حرمان النساء من حقوقهن السياسية والاجتماعية، وضد حجاب العقول والقلوب، وثالثة نتاج مسيرة طويلة من الاستمرار في المطالبة بالحقوق وإثبات كونها واحداً صحيحاً، لا ناقصاً أو عاجزاً أو خائباً.

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more الخيبة ألوان وأشكال ولأن الخيبة تأتي بألوان وأشكال وأحجام وأسماء مختلفة، فإن ما حققته المرأة المصرية قبل ما يزيد على قرن، وما أنجزته من محطات ونجاحات لم يجعل منها وزيرة وسفيرة وعميدة ومديرة فقط، بل جعل من 12 مليون امرأة مصرية معيلة لـ12 مليون أسرة مصرية، أي نحو 30 في المئة من الأسر المصرية تعولها نساء، كل ذلك يظل في واد، بينما واقع السؤال والتشكك في مدى أهليتها لإلحاق أبنائها بالمدارس، أو فتح حسابات في البنوك للأبناء القصر، أو اصطحاب الأبناء في السفر، أو تدخين سيجارة في مكان عام، أو الضحك من دون التفكير ملياً في مغبة الضحكة، أو التحدث من دون مراجعة الآثار الجانبية التي قد تنجم عن الحديث، أو وضع "رجل على رجل" ما دام "السيد" في المكان، في وادٍ آخر تماماً.

"السيد" أي سيد - هو الذكر الذي يتصادف وجوده في مكان وجود السفيرة والوزيرة والعميدة والمديرة والنائبة والعاملة البسيطة والمرأة المعيلة التي قد تكون هي من تنفق عليه، أو تقوم بمهامه التي يكتسب بسببها مكانة السيادة. هذه المرة تصادف وجود رجل في عقده السبعيني في عربة مترو أنفاق، ثارت ثائرته، وقامت قومته، وارتعدت أوصاله، وانتفضت عروقه لأن امرأة شابة تجلس في المقعد المقابل، وقد وضعت ساقاً على ساق، أو رجلاً على رجل.

أحدهم التقط ثورة الرجل على هذه "الفوضى الأخلاقية" و"المصيبة السلوكية" بكاميرا هاتفه المحمول، ويقال إن المرأة نفسها هي التي صورت مقطع صياح الرجل وموجة غضبه العارمة وتلويحه بعصاه مهدداً حين تجرأت وقالت له "وانت مالك؟".

هنا فقد الرجل ما تبقى من أعصابه الثائرة الساخطة الهائجة، وقام ملوحاً بعصاه الغليظة في وجهها، هدّأه الركاب بحنان ورفق ومحبة ومودة، وهنا هتف في الجمع الحاشد "أنتم لا تحترمون أحداً. ألا يوجد احترام؟"، وهنا تبددت آمال القلة القليلة التي كانت تتمنى أن يكون الرجل غاضباً من منطلق صراع الأجيال، إذ لا يصح لصغير أن يجلس واضعاً "رجلاً على رجل" أمام كبير، صاح الرجل "ينفع الرجالة كلها قاعدة، وهي حاطة (واضعة) رجل على رجل؟".

ومع تكرار التركيبات المختلفة المشتقة من كلمتي "وانت مالك؟"، إذ "انت مالك ومالي؟"، و"انت مالك بيّ يا عم؟"، "مالك يا عم انت بيّ؟"، تم تحميل الفيديو على مواقع ومنصات وتطبيقات الإنترنت لينتشر انتشاراً رهيباً، لتتحول "شابة تضع رجلاً على رجل أمام الرجال" إلى قضية رأي عام، وسجال اجتماعي، ونقاش ديني، وجدال بين القرية والمدينة، وآخر بين الصعيد والوجه البحري، وثالث بين الرجال والنساء، ورابع بين زمن الاحترام الذي ولى وعهد قلة الاحترام الذي أتى، والصخب يملأ الأثير.

تخمة الأثير بفعل فيديو مثير ليست ظاهرة أو سابقة أو صادمة، إنها سمة العصر الرقمي وهيمنة الـ"سوشيال ميديا"، المثير هذه المرة هو أن الفيديو كشف الستار عن صراع كبير وعميق ومكتوم بين الرجعية، وفي قول آخر الأصالة والأدب والاحترام، وبين المعاصرة، وفي قول آخر، الابتذال والخلاقة والانحراف.

قوتان متصارعتان القوتان المتصارعتان غالباً على أجساد النساء - كشفتا عن نفسيهما كما لم يحدث من قبل في واقعة المترو، وبينهما منطقة ضبابية هلامية وسطية يمسك قاطنوها تارة بتلابيب الأصالة باعتبارها عادات جميلة وتقاليد رزينة، ويركضون تارة أخرى خلف قطار الحداثة خوفاً من أن يفوتهم التطور أو يتجاهلهم التقدم.

تحولت "سوشيال ميديا" المصريين سجالاً عنيفاً بين فريق يثني على الرجل غضبه ورجولته وتصرفه الراقي، وهو الفريق الذي اعتبر السيدة علامة من علامات آخر الزمان، وأمارة من أمارات تدني أخلاق النساء، وفريق يصب غضبه على الرجل الذي تدخل في ما لا يعنيه ونصّب نفسه شرطياً للأخلاق الحميدة ومراقباً للسلوكيات والفضيلة من دون وجه حق.

التعليقات الساخنة والتدوينات الحامية والنقاشات المحتدمة أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن الشارع المصري تتنازعه قوتان: إحداهما تعتبر المرأة واحداً صحيحاً، مسؤولاً عن أفعاله، وقادراً على اتخاذ قراراته بدءاً بالزواج والإنجاب، مروراً بالعمل والعلاقات، وانتهاء بوضع رجل على رجل أو القرفصاء أو على طرف المقعد أو آخره أو منتصفه. والثانية "تكرمها" وتبجلها" و"تخاف عليها" تحت مسمى "التكريم"، فهذا مسموح لها أن تفعله، وذاك محرم عليها خوفاً على عواطفها الجياشة أو مشاعرها الفائضة أو ضعفها الشديد أو وهنها الرهيب أو قلة حيلتها وجناحها المهيض.

نزل الرجل المنتفض من القطار، وكذلك المرأة التي قررت أن تجلس واضعة "رجلاً على رجل"، انتهت رحلتهما، وبدأت رحلة طويلة من الشد والجذب بين المصريين، إنها الرحلة الكاشفة لقوى التطور والحداثة والتغيير التي تسمح للأنثى باختيار الطريقة التي تجلس بها، وكذلك قوى الرجعية المنتعشة المتمددة الصاعد نجمها، أو الالتزام كما يفضل بعضهم تسميتها، إذ "الست ست، والرجل رجل، والرجال قوامون على النساء".

سجال المصريين لم يترك كبيرة أو صغيرة في مقومات الصراع إلا وتطرق إليها. بين "الست ست والرجل راجل"، لكن حين يتعلق الأمر بالاستحواذ على ميراث "الست"، أو الزواج بـ"ست" أخرى، أو الاستيلاء على راتب "الست" قسراً، أو ترك "الست" تعمل وتعيل والجلوس في المقهى لحين عودة "الست" باليومية، أو ادعاء الفقر لدعم دفع مستحقات "الست" بعد الطلاق، أو التهرب من سداد مصروفات الأولاد المدرسية للضغط على "الست"، فإن أذن الرجل من طين والأخرى من عجين من جهة، والدين والعادات والتقاليد تمنع النساء من الجلوس بشكل يثير حفيظة أو شهوة أو غريزة الرجال، ومعها "الدنيا خربت منذ خرجت النساء إلى الفضاء العام"، و"لا يجوز شرعاً جلوس النساء بهذا.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ ساعتين
منذ ساعة
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ ساعة
قناة العربية منذ 9 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ ساعتين
قناة العربية منذ ساعتين
صحيفة الشرق الأوسط منذ 8 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 10 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 10 ساعات
سي ان ان بالعربية منذ 20 ساعة
صحيفة الشرق الأوسط منذ 3 ساعات