أعلنت وزارة الثقافة، فتح أبواب متحف محمود سعيد، التابع لقطاع الفنون التشكيلية، أمام الجمهور ضمن مبادرة "فرحانين بالمتحف الكبير.. ولسه متاحف مصر كتير"، التي تُقام برعاية الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، في إطار جهود الوزارة لإعادة اكتشاف كنوز المتاحف المصرية، وتعزيز دورها في نشر الوعي الجمالي والثقافي، وربط الجمهور بتراثه الفني والقومي.
مجمع ثقافي وفني متكامل يقع متحف محمود سعيد داخل القصر الذي كان يقطنه الفنان الرائد محمود سعيد بحي جناكليس شرق الإسكندرية، وهو القصر الذي تحوّل إلى مجمع ثقافي وفني متكامل يُعرف باسم مركز محمود سعيد للمتاحف. وتبلغ مساحة مباني المركز نحو 732 مترًا مربعًا، بينما تصل مساحة الفراغات إلى 2176 مترًا مربعًا، ليصبح واحدًا من أبرز الصروح الفنية والثقافية في المدينة.
افتُتح المركز رسميًا في 17 أبريل عام 2000، ويضم ثلاثة متاحف رئيسية: متحف محمود سعيد بالطابق الأرضي، ومتحف سيف وأدهم وانلي بالطابق الأول، ومتحف الفن المصري الحديث في البدروم، إلى جانب قاعات للعروض المؤقتة (أجيال 1 وأجيال 2)، وقاعة للورش الفنية، وأخرى للندوات والمحاضرات.
ويشهد المركز على مدار العام تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية والفنية، من ندوات وصالونات ثقافية، وعروض فنية، وورش عمل تستهدف مختلف الفئات العمرية.
ويُعد متحف محمود سعيد أحد أهم المؤسسات التي توثق مسيرة الفن المصري الحديث، إذ يضم مجموعة ثرية من أعمال الفنان الكبير تعكس تطور تجربته التشكيلية عبر مراحل حياته المختلفة. وتبرز في لوحاته ملامح الإنسان المصري، خاصة المرأة، في مشاهد تتسم بالوقار والهدوء والعمق الإنساني، إلى جانب المناظر الطبيعية والمشاهد الاجتماعية، في أسلوب يجمع بين التأثر بالأكاديمية الأوروبية والخصوصية المصرية الواضحة في الملامح والبيئة.
ويضم المتحف سبع قاعات عرض تحتوي على أكثر من خمسين لوحة زيتية، إلى جانب عدد من الاسكتشات والدراسات الأولية، فضلًا عن مجموعة من الصور الفوتوغرافية الخاصة بالفنان وعائلته. كما يحتفظ المتحف بمقتنيات شخصية نادرة للفنان، تشمل مرسمه الخاص وأدواته من فرش وألوان وحوامل لوحات، ونظارته الطبية، ومكتبته الفنية، بالإضافة إلى بعض مفروشات القصر الأصلية التي تحوّلت إلى جزء من العرض المتحفي.
هذا بالإضافة إلى ذلك يضم مجموعة من الأوسمة والنياشين التي حصل عليها محمود سعيد خلال مسيرته، من بينها شهادة الدولة التقديرية في الفنون عام 1959، ووسام الاستحقاق من الطبقة الأولى الذي تسلمه من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1960، إلى جانب ميداليات وشهادات تكريم تؤكد مكانته البارزة في تاريخ الفن المصري.
ولا تقتصر زيارة متحف محمود سعيد على التمتع بالأعمال الفنية فحسب، بل تمثل رحلة معرفية لفهم تحولات الذوق الفني المصري خلال النصف الأول من القرن العشرين، والتعرف عن قرب على سيرة فنان استثنائي اختار أن يترك المناصب القضائية الرفيعة ويتفرغ للفن، ليصبح أحد أبرز رواد التشكيل في مصر والعالم العربي.
ولد الفنان محمود سعيد في الإسكندرية عام 1897، وتخرج في كلية الحقوق، وتدرج في السلك القضائي حتى وصل إلى منصب مستشار بمحكمة الاستئناف، وكان مرشحًا لتولي مناصب رفيعة، قبل أن يتخذ قراره الحاسم عام 1947 بالتفرغ الكامل للفن.
وقد شكّل هذا القرار نقطة تحول فارقة في حياته، أتاح له السفر والتجوال، وزيارة المتاحف العالمية، والمشاركة في تأسيس عدد من الجماعات الفنية، من بينها أتيليه الإسكندرية، ليترك بصمة خالدة في تاريخ الحركة التشكيلية المصرية.
ويظل مركز محمود سعيد للمتاحف شاهدًا حيًا على تلاقي الفن والتاريخ والذاكرة، ووجهة ثقافية مفتوحة للجمهور، تؤكد من خلالها وزارة الثقافة أن متاحف مصر لا تزال نابضة بالحياة، وقادرة على الإلهام، وتحمل الكثير لتقدمه للأجيال الجديدة.
هذا المحتوى مقدم من مستقبل وطن نيوز





