لم أكن أتصور قبل خمس سنوات أن يطلب مني أصدقائي أثناء زيارتي إلى موناكو تحضير حفل كشري على بعد خطوات من قصر آل جاريمالدي (حكام موناكو)، ولم أتصور كذلك أن تقوم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو بإدراج هذا الطبق المصري أو القاهري ضمن التراث الثقافي غير المادي للإنسانية. تغوص CNN الاقتصادية وسط عالم الكشري المصري الذي يعد وجبة اقتصادية بامتياز ومشبعة، والتي تعتبر بشكل ما مؤشراً على الوضع الاقتصادي في البلاد، فهنا في حارات وشوارع القاهرة من غير المنطقي الحديث عن مؤشر البيغ ماك، ولكننا نتطرق إلى مؤشر الكشري، الذي يعد الزمن العامل المؤثر عليه وليس الحدود الجغرافية.
سعر الكشري منذ 40 عاماً يظهر في فيلم الحريف الذي أُنتج قبل نحو 40 عاماً وأخرجه محمد خان الفنان عادل إمام ونجاح الموجي أثناء تناولهما وجبة الكشري في أحد المحلات تحت اسم «كشري لوكس» والذي كان بمنزلة أحد علامات وسط القاهرة في السبعينيات والثمانينيات.
وفي نهاية تناول الوجبة التي تلت إطلاق سراحهما من أحد أقسام الشرطة قام عادل إمام بدفع الحساب والذي بلغ 30 قرشاً بحسب حوار الفيلم في عام 1983.
أغلب شخصيات الفيلم من الفقراء والمهمشين وأصحاب المهن اليدوية البسيطة أو العاطلين عن العمل.
وكان الكشري أحد عناصر المائدة الفقيرة أو بالأحرى من لا يمتلكون مائدة يدخلون لتناوله على طاولات مشتركة أو يبتلعونه واقفين على عربات الأحياء الشعبية ليشعروا بالامتلاء طوال اليوم وهو كان الوجبة الرئيسية للمحتجين على نظام حسني مبارك إبان انتفاضة يناير 2011، فهو ساخن ومشبع ورخيص.
وبحسب محمود الذي يدير أحد محلات الكشري في حي شبرا إلى الشمال من وسط القاهرة «سعر الصحن كان جنيهاً واحداً في عام 1990 ثم ارتفع إلى ثلاثة جنيهات في النصف الثاني من التسعينيات ولم يصل إلى عشرة جنيهات إلا في عام 2012».
من أزقة القاهرة إلى اليونسكو يتكون الكشري الذي صدرته مصر إلى قائمة اليونيسكو من الأرز والبصل والمعكرونة والعدس والطماطم والحمص والثوم فضلاً عن مجموعة من التوابل.
وهو ما صدرته مصر كنتاج لتلاقي الحضارات والثقافات والعادات الغذائية «فالأرز جاء من آسيا والطماطم من أميركا اللاتينية والمعكرونة من المحيط المتوسطي لمصر».
لا يعرف أحد تحديداً معنى كلمة كشري ولا يعرف متى بدأ المصريون تحديداً تناول هذا الطبق الذي يحمل ل سعره اليوم في مطاعم وسط القاهرة إلى 45 جنيهاً للصحن متوسط الحجم.
ويتزامن كذلك مع الصورة الجديدة التي تسعى مصر إلى تصديرها لجذب المزيد من السائحين وافتتاح المتحف المصري الكبير الذي يجذب نوعاً جديداً من السائحين الأثرياء الذين تجنبوا مصر في العقود الماضية مع تبني نظام الرئيس السابق حسني مبارك سياسة تستهدف السياحة منخفضة التكلفة لجذب أعداد أكبر من الأفراد، وإن كانت قدرتهم الشرائية محدودة.
ويذكر أنه بدأت مطاعم الكشري الظهور في أوروبا على استحياء فقامت أسرة مصرية بافتتاح مطعم كشري صغير بباريس في شارع مونتاورجوي التجاري الذي يزوره الكثير من سكان باريس لشراء المنتجات عالية الجودة، ويبلغ ثمن الصحن 9 يوروهات، نحو عشرة دولارات أميركية، وهو ما يمثل نحو 12 ضعفاً لسعره في مصر.
من الوارد أن تنتشر مطاعم الكشري خارج مصر مثلما انتشرت مطاعم الفلافل التي تتنازع دولاً عديدة على أصل نشأتها ونسبتها إليها، وقد يقفز سعر صحن الكشري في مصر ولكن لا أحد يستطيع التنبؤ بالسعر الذي سيصل إليه بعد 25 عاماً أي في منتصف القرن، فلم يكن من المتصور أن يقفز سعر الوجبة من 15 قرشاً في عام 1983 إلى 50 جنيهاً في نهاية عام 2025، وهو أكثر من 330 ضعفاً.
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية
