لم يكن عام 2025 عاما عاديا في التاريخ السياسي الأميركي. بل عام بدا كأنه يسير على حافة التناقض، إدارة تتحدث عن السلام، ومعارضون ينتقدون التصعيد ويرون الخراب يتراكم بصمت، وبين الروايتين، تشكّلت صورة أميركا القلقة، المنقسمة، والمقبلة على منعطفات وتحديات أكبر مع اقتراب 2026.إدارة على إيقاع الفوضى؟من وجهة نظر الصحفي والكاتب الأميركي راي لوكر، لم يكن 2025 مجرد عام مليء بالأحداث، بل عام فقد فيه الأميركيون قدرتهم حتى على تذكر ما جرى. أحداث كبرى وقعت ثم تلاشت من الذاكرة العامة، كضربة عسكرية طال الحديث عنها لسنوات، نُفّذت ثم طُويت صفحتها إعلاميا، فيما يؤكد لوكر أن إيران لم تنس استهداف منشآتها النووية، وأن ارتدادات الحدث لم تظهر بعد.
يتوقف لوكر مطولاً عند ما يصفه بـ"الضغط المتواصل" على فنزويلا، وعمليات تدمير سفن وقوارب في عرض بحر الكاريبي، مشككا في الروايات الرسمية ومثيرا أسئلة خطيرة حول القانون الدولي وجرائم الحرب. بالنسبة له، ما يجري ليس سياسة ردع، بل محاولة لصناعة ذريعة، وربما تمهيد لصراع أوسع، في تناقض صارخ مع صورة "رئيس السلام" التي يرسمها ترامب لنفسه.داخليا، يرى لوكر أن الفوضى بلغت قلب الرمز التاريخي: البيت الأبيض نفسه. يتحدث عن تدمير الجناح الشرقي للمبنى دون موافقات قانونية، وعن إعلان مشروع "قاعة رقص" بتكلفة فلكية، في مشهد يختزل - برأيه - طريقة تعامل الرئيس مع الدولة كما لو كانت ملكية خاصة. ومن أخطر ما يلفت إليه لوكر، صعود ما يسميه "مؤسسات مصطنعة"، وهيئات لا وجود لها قانونيا، يُديرها أفراد من خارج الدولة مثل إيلون ماسك الذي أدار ما سمي بوزارة الكفاءة، وجرى من خلالها تفكيك وكالات حكومية ثم الانسحاب بلا مساءلة. بالنسبة للمتحدث، ما حدث ويحدث ليس طبيعيا ولا يمكن تطبيعه، بل كسر ممنهج لقواعد الحكم. كل ذلك، يضاف إلى ما يصفه بسيل "الأكاذيب والمبالغات" اليومية حول الاقتصاد والإدارة، ليصنع رصيدا متراكما من الغضب سيظهر أثره في انتخابات 2026.في السياسة الخارجية، وتحديدا ملف الشرق الأوسط، يرفض لوكر الحديث عن سلام حقيقي في غزة. صحيح أن الصور خفت، لكن ذلك لا يعني أن المعاناة انتهت. يسأل: أين يذهب السكان؟ هل تبتلع إسرائيل القطاع بالكامل؟ ويؤكد أن غياب التغطية لا يعني غياب الجريمة، بل فقط خروجها من دائرة الضوء الأميركي.
عام الإنجازات والتحولات الكبرى
على الطرف المقابل، يقدم ستيف جيل، عضو الحزب الجمهوري، قراءة مختلفة تماما. بالنسبة له، 2025 سيُذكر بـ3 أحداث مفصلية: عودة ترامب للبيت الأبيض، التحركات الكبرى في السياسة الخارجية، واغتيال الناشط المحافظ تشارلي كيرك.يرى جيل أن اغتيال كيرك لم يكن مجرد حادث أمني، بل لحظة تعبئة تاريخية، خصوصا بين الشباب. فبحسبه، شهدت الجامعات والمدارس الثانوية موجة غير مسبوقة من تأسيس فروع "Turning Point USA"، وتحول الاغتيال إلى وقود لحركة سياسية متصاعدة.
ويلفت إلى الدور الجديد الذي تلعبه أرملة كيرك، إيريكا، التي انتقلت، وفق وصفه، من موقع الصدمة إلى قيادة سياسية فاعلة، وحضورها اللافت في فعاليات كبرى، وصولا إلى دعمها العلني لنائب الرئيس دي دي فانس كخيار رئاسي مستقبلي في 2028.
السلام مؤجل.. لكن القادم أفضل؟
في السياسة الخارجية، يدافع جيل بقوة عن سجل ترامب، معتبرا أن ما تحقق من تهدئة عالمية غير مسبوق، وأن ما تبقى هو "قيد الإنجاز". ويتوقع أن يشهد عام 2026 نهاية الحرب في أوكرانيا، واتفاقا أكثر وضوحا بين إسرائيل وغزة، معتبرا أن ما يجري الآن هو هندسة سلام طويل الأمد، لا تسوية إعلامية سريعة.
وبين خطاب يرى في 2025 عاما للفوضى المؤسسية، وخطاب يراه عاما لإعادة تشكيل القوة الأميركية، يبقى السؤال المفتوح: أي الروايتين ستصمد أمام اختبار الزمن؟ ما هو مؤكد أن 2026 لن يكون عاما عاديا، بل سيكون عام الحساب، حيث تتقاطع ذاكرة الصدمة مع وعود الإنجاز، ويقرر الأميركيون أي أميركا يريدون: أميركا "الاستقرار الصارم"، أم أميركا القلقة التي تبحث عن توازن مفقود.(المشهد – واشنطن)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
