ملخص لم يعد لبنان أمام أزمة سلاح فقط، بل أمام واقع دولة مخترَقة بقرار خارجي، "حزب الله" راكم قوة عسكرية خارج أي رقابة، مما أسقط الثقة الدولية بالدولة وفتح الباب أمام آليات ضبط تُفرض من الخارج. وبين مقاربة إسرائيلية أمنية ورقابية ورؤية أميركية تربط الاستقرار بالاقتصاد. ويبقى مصير السلاح مرهوناً بقرار إيراني، فيما يدفع لبنان كلفة غياب سيادته.
خلال دردشة مع الصحافيين في البيت الأبيض قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن "هناك دولاً ترغب في التدخل والتعامل مع (حزب الله) في لبنان". مضيفاً "أقول الآن لستم مضطرين إلى فعل ذلك. قد تضطرون لاحقاً، لكنَّ لدينا دولاً تتطوع للتدخل والتعامل مع هذا الملف بالكامل". وتابع ترمب "لدينا سلام عظيم في الشرق الأوسط، وهذا لم يحدث من قبل، وأعتقد أنه سلام قوي للغاية".
LIVE An error occurred. Please try again later
Tap to unmute Learn more في السياق عينه قال المبعوث الأميركي توم براك في تصريح خلال مشاركته في منتدى الدوحة 2025، إنه "يجب أن نجمع سوريا ولبنان معاً لأنهما يمثلان حضارة رائعة".
وهذا ما دفع برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى الرد على ما اعتبره "تهديدات" التي يطلقها براك من حين إلى آخر في شأن دعوته لضم لبنان إلى سوريا، معتبراً أنها خطأ غير مقبول. وقال بري "لا أحد يهدد اللبنانيين، لا يُعقل أن يجري التخاطب مع اللبنانيين بهذه اللغة على الإطلاق، بخاصة من الدبلوماسيين، لا سيما من شخصية كشخصية السفير توم براك، وما قاله عن ضم لبنان إلى سوريا غلطة كبيرة غير مقبولة على الإطلاق".
إدارة لبنان من الخارج لا يمكن قراءة كلام ترمب عن "دول تتطوع للتدخل والتعامل مع ملف (حزب الله) بالكامل"، بوصفه زلة لسان أو مجرد ضغط تكتيكي على لبنان، ذلك أن هذا الكلام يأتي في لحظة إقليمية يُعاد فيها تعريف وظيفة لبنان وحدوده ودوره، لا فقط موقعه في الصراع.
هنا تحديداً يتقاطع خطاب ترمب مع ما أشار إليه توم براك أكثر من مرة، وبوضوح صادم، فكرة أن لبنان، إذا عجز عن حسم مسألة سيادته وسلاحه وحدوده، قد يُعاد إدراجه عملياً ضمن المجال السوري، سياسياً وأمنياً، لا بالضرورة عبر إعلان ضم رسمي، بل عبر تفريغ الكيان من قراره المستقل وربطه بمنظومة إقليمية أكبر تُدار من الخارج.
في هذا السياق يصبح "التدخل الدولي في ملف 'حزب الله'" ليس هدفاً بحد ذاته، بل هو اختبار نهائي لقدرة الدولة اللبنانية على البقاء كدولة. فإذا عجزت بيروت عن التعامل مع السلاح غير الشرعي، فإن الآخرين سيتولون المهمة، مرة باسم تطبيق التفاهمات، مرة باسم حماية الحدود، ومرة باسم منع الحرب.
وهذا ما قصده براك حين حذر من أن لبنان، بدل أن يُنقَذ، قد يُوضَع على سكة "الإدارة من الخارج"، كما حصل مع سوريا لسنوات طويلة، حين تحوّلت من دولة ذات سيادة إلى ساحة تُدار بالتفاهمات الدولية والصفقات الأمنية.
وكان براك قد حذر من أن لبنان يواجه خطر الوقوع تحت سيطرة قوى إقليمية ما لم تتحرك بيروت لمعالجة مسألة سلاح "حزب الله". وقال، إن على لبنان أن يجد حلاً لهذه القضية، وإلا فإنه قد يواجه تهديداً وجودياً، مضيفاً، "لديكم إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، والآن بدأت سوريا تظهر بقوة وسرعة، وإذا لم يتحرك لبنان، فسيعود ليصبح بلاد الشام من جديد"، مستخدماً الاسم التاريخي لمنطقة سوريا الكبرى. واعتبر في حديث آخر أن نزع سلاح "حزب الله" لا يشكل مطلباً أمنياً إسرائيلياً فحسب، بل يمثل، "فرصة للبنان للتجديد".
تفويض دولي غير معلن الأخطر في هذا المسار أن التدخل المطروح لا يأتي في صيغة احتلال كلاسيكي أو وصاية مباشرة، بل في شكل تفويض دولي غير معلن، دول جاهزة لملء الفراغ، وجيش يُطلب منه أن ينفذ ما لا يملك الغطاء السياسي لتنفيذه، واقتصاد يُربط إنقاذه بشروط سيادية لم تُحسم داخلياً.
هنا يصبح لبنان أمام خيارين لا ثالث لهما، إما استعادة القرار الوطني وتحمل كلفة المواجهة السياسية مع "حزب الله"، أو ترك الملف يُدار خارجياً، بما يفتح الباب أمام السيناريو الذي حذر منه براك مراراً - واليوم ترمب - أن يصبح لبنان ملحق أمنياً بسوريا، ومربوط إقليمياً بمحور صراعات لا قرار له فيها.
من هذا المنطلق، فإن سؤال "من الدول المرشحة للتدخل؟"، لا ينفصل عن سؤال أخطر، هل ما زال لبنان يُعامل كدولة قابلة للحياة، أم كساحة مؤقتة ريثما يُحسم موقعها في الخريطة الإقليمية الجديدة؟ فتصريحات ترمب وبراك معاً توحي بأن الصبر الدولي ينفد، وأن نافذة الحل اللبناني من الداخل تضيق بسرعة.
ما الذي قصده ترمب؟ لم يُسمِّ ترمب الدول بالاسم، لكنه ربط الفكرة بسياق "دول مستعدة أن تدخل وتمسك الملف بالكامل" إذا تطلب الأمر. وهذا يعني عملياً أحد ثلاثة أنماط "تدخل"، ليست بالضرورة حرباً مباشرة. بل ربما إلى تدخل سياسي وأمني عبر آلية تنفيذ وقف النار وتوسيعه، عبر المراقبة، وضبط جنوب الليطاني، ودعم انتشار الجيش اللبناني.
وهذا ما تطمح إليه إسرائيل، أي لجنة مراقبة دولية تشرف على نزع سلاح الحزب، وتمنعه من إعادة ترميم ترسانته، وفرض اتفاق شبيه باتفاق غزة، لأن تل أبيب دائماً ما تعلن أنها لا تثق بقوات "اليونيفيل" بالتالي بتقارير الجيش اللبناني.
أيضاً قد يكون التدخل عبر "تجميع رافعات" أي الضغط عبر التمويل، وشروط إعادة إعمار، والعقوبات والتصنيفات، وتجفيف شبكات التمويل. وربما في مرحلة لاحقة تدخل عملياتي محدود، عبر الخبراء، وقوات مساندة، والتدريب والتسليح، أو قوة متعددة الجنسيات، وهو الأكثر حساسية داخلياً في لبنان.
ما الدول الأكثر ترشيحاً؟ وبما أن الرئيس الأميركي لم يذكر أسماء، فالتحديد هنا مبني على مَن يملك قدرة فعلية، أو شرعية ووجوداً قائماً في آليات لبنان وإسرائيل، أو مصلحة مباشرة، أو قبولاً سياسياً ممكناً داخل بيروت.
فرنسا لا بد أن الدولة الفرنسية هي المرشح الطبيعي لأي توسيع عملي للآلية القائمة، لما لديها من حضور تاريخي في لبنان، وملف جنوب لبنان، وصلات مباشرة بملف "اليونيفيل" والقرار 1701، وتتحرك بالفعل ضمن مسار دولي لدعم آليات ضبط السلاح جنوباً وتثبيت الجيش اللبناني.
ويمكن أن تتدخل عبر خبراء مراقبة وتثبيت ودعم استخباري وتقني للجيش، وإعادة الإعمار بشروط أمنية، وتمويل وتنسيق مؤتمرات دعم للجيش.
وهذا ما يحدث فعلياً، فبعد اجتماع ممثلين عن السعودية وفرنسا وأميركا مع قائد الجيش اللبناني رودولف هيكل في باريس، اتفق المشاركون على "تشكيل فريق عمل ثلاثي لإعداد مؤتمر دولي لدعم القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي في فبراير (شباط) 2026". وذلك دعماً لجهود لبنان في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، وخطة "درع الوطن"، وهي خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح غير الشرعي بيد الدولة.
الولايات المتحدة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

